يقترب موعد عقد أول جلسة لمجلس النواب بعد الانتخابات النيابية لعام ٢٠٢٢، والتي تحمل سابقة تاريخية حيث أن كبير السن والمرشح الوحيد لرئاسة المجلس هما الشخص نفسه، اي نبيه برّي. ومع إقتراب هذا الاستحقاق النيابي، يكثر الهمس حول مفاوضات من هنا وتسويات من هناك، والنتيجة الحتمية هي التأجيل حتى الآن.
لكل فريق مطالبه، ولكل زعيم حساباته، أما البلد.. فيستمر بالإنهيار! من إرتفاع سعر صرف الدولار الى ما فوق الـ ٣٤،٠٠٠ ل.ل، إلى ارتفاع المحروقات والسلع الغذائية، إلى الإنقطاع المستمر للكهرباء والتقنين القاسي من أصحاب المولدات. بالإضافة الى إنتشار النفايات في الشوارع وعدم قدرة المواطنين دخول المستشفيات وشراء الدواء.. الى هجرة معظم الشباب!
يسعى رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وهو المرشح الوحيد لهذا المنصب، والذي حتماً سيتمكن في نهاية الأمر من الفوز ونيل العدد الأكبر من الأصوات لكن حسابات برلمان 2022 مختلفة عن حسابات البرلمانات السابقة. فإذا كان يريد الفوز من الجلسة الاولى، عليه أن ينال الأغلبية المطلقة (٦٥ صوتاً على الأقل في حال حضر الجلسة جميع النواب ١٢٨)، وبأقل عدد من الأوراق البيضاء. ربما للشيء رمزيته بالنبسة لبرّي منذ توليه رئاسة المجلس عام ١٩٩٢… لأنها ستكون الدورة السابعة له حيث نال في الدورة الأخيرة عام ٢٠١٨ (٩٨ صوتاً)، بينما نال في إحدى الدورات 124 صوتاً من أصل 128.
سيفوز بري حتماً بالدورة السابعة له، لكن للمرة الأولى، لن يكون مرتاحاً. ربما سيجلس مع نفسه لبعض الوقت، ليقرأ جيداً الأوراق البيض وما تحمل في طياتها من رسائل تستوجب قراءة نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة بالأرقام وبأدق التفاصيل، وليدرك الجميع أن ما بعد انتفاضة ١٧ تشرين ليس كما قبلها
إذا أردنا أن ندخل في عملية حسابية بسيطة لنحسم عدد الأصوات التي سينالها برّي في الجلسة الأولى بالحد الأقصى:
كتلتا حركة أمل وحزب الله (30 نائبا)، الحلفاء جهاد الصمد وحسن مراد ونائبا الأحباش (عدنان طرابلسي وطه ناجي) ونائبا الطائفة العلوية (فراس السلوم وأحمد رستم)، تيار المردة والحلفاء (طوني فرنجية ووليم طوق وفريد هيكل الخازن)، والحزب التقدمي الإشتراكي (8 نواب)، بالإضافة إلى كتلة الطاشناق والمر (4 نواب) فيكون الإجمالي 51 نائباً شبه مضمونين فضلا عن نواب محتملين من أصول “مستقبلية” (5 نواب بالحد الأقصى)، فيصل الإجمالي إلى 56 نائباً، بأحسن الأحوال، لكن حتى مع الرقم الأخير، تبقى النتيجة أقل من الأغلبية المطلقة في حال حضور ١٢٨ نائباً. مما سيؤدي للذهاب الى جلسة ثانية وفق القواعد القانونية نفسها، وربما تكون هناك جلسة ثالثة وأخيرة تحسم فوز نبيه برّي برئاسة مجلس النواب لكن هذه المرة بالغالبية النسبية (أي بعدد الأصوات التي سينالها مهما كان عددها).
أمران ينبغي الإلتفات إليهما:
١- الذهاب الى جلسة ثالثة والفوز بالأغلبية النسبية.
٢- العدد المرتفع والمتوقع من الأوراق البيض لكل نائب لا يريد التصويت لبري، وليس لديه مرشح آخر.
ماذا عن صراع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على موقع نائب رئيس مجلس النواب؟
كما تعوّدنا في مثل هذه الإستحقاقات، تدخل لعبة المفاوضات والتسويات ليحقق كل فريق مكسبه، ويعزز كل فريق وجوده وسلطته في الدولة.
عين كتلة “الاصلاح والتغيير” على تلك الكرسي، بأصوات كتلة نيابية من (١٨ نائباً) تزيد عليهم كتلة الطاشناق (3 نواب).. وهناك عين القوات اللبنانية على مرشحها النائب غسان حاصباني، ومعه كتلة نيابية من (٢٠ نائباً).. هي التي ركبت موجة إنتفاضة 17 تشرين في محاولة منها لإستثمارها مثلها مثل باقي أحزاب السلطة ولا يجب أن نغفل إحتمالات من خارج “الثنائي الماروني” كأن يبادر “التغييري” ملحم خلف إلى ترشيح نفسه أو أن يُرشح أحد المستقلين نفسه مثل غسان سكاف أو سجعان عطية المحسوب على نائب رئيس الحكومة الأسبق عصام فارس.
يبقى السؤال: هل سندخل في دوامة الفراغ والتأجيل حتى إبرام الصفقة قبل إنعقاد الجلسة أم سنخوض أول إستحقاق نيابي بعد الإنتخابات النيابية ٢٠٢٢ ضمن الاطر والاسس القانونية والدستورية مهما أتت النتيجة ومهما إرتفع عدد الأوراق البيض؟
سيفوز الرئيس نبيه بري حتماً بالدورة السابعة له، لكن للمرة الأولى، لن يكون مرتاحاً. ربما سيجلس مع نفسه لبعض الوقت، ليقرأ جيداً الأوراق البيض وما تحمل في طياتها من رسائل تستوجب قراءة نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة بالأرقام وبأدق التفاصيل، وليدرك الجميع أن ما بعد انتفاضة ١٧ تشرين ليس كما قبلها.