ولاية ماكرون الثانية تنتهي قبل أن تبدأ!

ما هي الرسائل التي حملتها نتائج الدورة الثانية للانتخابات التشريعية الفرنسية، وما هي تبعاتها على مسار الولاية الثانية للرئيس ايمانويل ماكرون وأثرها على مستقبل التركيبة السياسية الفرنسية؟

بالرغم من ان المؤشرات التي تجمعت في الاسابيع الاخيرة التي سبقت موعد الدورة الثانية للانتخابات التشريعية الفرنسية كانت تدل على ان مجريات الحملة الانتخابية لا تسير لمصلحة الرئيس إيمانويل ماكرون، الا ان النتائج قوبلت بكثير من التعجب واحيانا من الذهول من قبل المراقبين الذين اجمعوا على ان الناخبين الفرنسيين ارادوا ارسال رسالة واضحة وحازمة للرئيس المجددة ولايته مفادها عدم الرغبة في اطلاق يده أو اعطائه مطلق الصلاحيات للسنوات الخمس المقبلة.

ما هو مضمون نتائج الاقتراع لكل من الاحزاب والتكتلات السياسية الفرنسية؟

1-“نكسة” حزب “النهضة” الماكروني

“خسارة مدوية.. هزيمة كاملة.. فشل ذريع.. خيبة كبرى.. ارباك لا مثيل له.. صفعة موجعة.. سابقة تاريخية”، تعددت الاوصاف غير أن النتيجة واحدة وهي ان حزب ماكرون “النهضة” وباقي حلفائه في اطار تكتل “معاً” لم يتمكنوا من الفوز بالأكثرية المطلقة داخل الجمعية الوطنية (البرلمان) الجديدة وهي “سابقة لا مثيل لها”. فقد اكتفى هذا التكتل الموالي لماكرون باكثرية نسبية بنيله 245 مقعداً بينما الاكثرية المطلقة تبلغ 289 مقعداً.

ومن ابرز الشخصيات الخاسرة والقريبة من ماكرون رئيس الجمعية الوطنية ريشار فيران ورئيس المجموعة البرلمانية لحزب “الجمهورية الى الامام” الذي اسّسه ماكرون وزير الداخلية السابق كريستوف كاستينير بالاضافة الى ثلاثة وزراء اعضاء في الحكومة الحالية برئاسة إليزابيث بورن التي فازت بالانتخابات.

المفاجأة الكبرى في الدورة الثانية للانتخابات التشريعية تمثلت بالنتيجة غير المتوقعة لحزب “التجمع الوطني” اليميني المتشدد بزعامة مارين لوبن. فقد فاز الحزب بـ89 مقعداً وهي سابقة سياسية تاريخية في الجمهورية الخامسة، وقد وصف قادة الحزب هذا الاختراق الكبير بـ”تسونامي”

وهذا الواقع السياسي المستجد وغير المسبوق يضع الرئيس الفرنسي في وضع حرج ويعرقل مسيرة الاصلاحات التي كان ينوي القيام بها في ولايته الثانية. الاوساط القريبة من ماكرون رغبت في الحد من الشعور بالهزيمة مكتفية بوصف النتائج بانها “مخيبة للآمال” مع التشديد على ان تحالف الاحزاب الموالية له يمثل قوة سياسية اولى في البرلمان الجديد.

 وقد حاولت هذه الاوساط منذ اللحظة الاولى لصدور النتائج اعتماد سياسة التواصل واليد الممدودة من خلال دعوة بورن الى قيام ما وصفتها بـ”أكثرية بالعمل”، ملمحة الى السعي من اجل تكوين اكثريات ظرفية “على القطعة” بهدف التمكن من اقرار مشاريع قوانين اصلاحية تتقدم بها الحكومة إلى الجمعية الوطنية الجديدة.

2-“نجاح محدود” لتحالف ميلونشون اليساري

صحيح ان رئيس حزب “فرنسا الآبية” جان – لوك ميلونشون تمكن، من خلال “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد” (تحالف احزاب الاشتراكي والشيوعي والخضر)، من الفوز بـ131 مقعداً وبالتالي تشكيل قوة نيابية أولى معارضة لماكرون، الا انه في الوقت نفسه فشل في الحصول على اكثرية نيابية واضحة وكبيرة تخوله فرض قيام حكومة تعايش ومساكنة يسارية برئاسته تشارك في الحكم الى جانب ماكرون.

3-“اختراق تاريخي” لحزب لوبن

المفاجأة الكبرى في الدورة الثانية للانتخابات التشريعية تمثلت بالنتيجة غير المتوقعة لحزب “التجمع الوطني” اليميني المتشدد بزعامة مارين لوبن. فقد فاز الحزب بـ89 مقعداً وهي سابقة سياسية تاريخية في الجمهورية الخامسة، وقد وصف قادة الحزب هذا الاختراق الكبير بـ”تسونامي”. وسيتمكن هذا الحزب من تكوين مجموعة برلمانية معارضة داخل البرلمان وان يكون القوة الثانية في المعارضة، كما أنه للمرة الاولى في تاريخه، يتقدم على أحزاب اليمين الديغولي التقليدي المعتدل.

4-“استمرارية متواضعة” لليمين التقليدي

تمكن حزب “الجمهوريون” اليميني التقليدي المعتدل من الابقاء على وجوده البرلماني بحصوله على 64 مقعداً بالرغم من تراجعه عما حققه في الانتخابات التشريعية السابقة قبل خمسة اعوام.

هذه الكتلة البرلمانية الوازنة، بالرغم من صغرها، قد تأخذ اهمية فاعلة وغير منتظرة بسبب عدم فوز حزب ماكرون بالأكثرية المطلقة واضطراره الى قيام تفاهم ظرفي معها “وعلى القطعة” من اجل تبني واقرار بعض مشاريع القوانين الاصلاحية المزمع تقديمها للجمعية الوطنية.

ويحمّل اليمين المعتدل ماكرون شخصياً مسؤولية ضرب القوى السياسية المعتدلة يميناً ويساراً وبالتالي تعزيز صعود قوى التطرف اليميني واليساري على حد سواء.

“ INGOUVERNABLE” 

ولكن ماذا بعد اعلان هذه النتائج واطلاق المواقف الحادة والمتشنجة التي رافقتها وكيف ستدور الماكينة السياسية التشريعية وعلاقتها المستقبلية مع رأس السلطة التنفيذية؟

أولاً، من بين أولى الخطوات التي يتوقع ان يبادر اليها ماكرون هي اجراء تعديل وزاري يراعي موضوعين اثنين. الاول؛ ناتج عن ان ماكرون تمسك بالعرف المعتمد والداعي الى استقالة كل وزير تقدم الى الانتخابات النيابية وفشل فيها ولم يحالف الحظ ثلاثة وزراء في الحكومة الحالية التي تشكلت قبل اسابيع قليلة وقد ارتفعت أصوات تطالب بأن يشمل التغيير الوزاري ايضاً مركز رئاسة الوزراء بالرغم من أن بورن فازت في الانتخابات البرلمانية وان بفارق صغير من الأصوات. الموضوع الثاني اغتنام فرصة التعديل الوزاري من اجل جس نبض بعض النواب الراغبين في التعاون مع ماكرون وبالتالي امكان توسيع اطار الموالاة وتعزيز الاكثرية النيابية النسبية والضيقة وضخها بأصوات جديدة.

يتخوف المراقبون داخل فرنسا وفي العواصم الاوروبية القريبة، من ان ضعف الموقع السياسي الداخلي لماكرون وانهماكه في الشؤون السياسية الداخلية من اجل تأمين حماية حكومته والحصول على اكثرية نيابية ظرفية تمكنه من تمرير الاصلاحات التي يرغب في تبنيها، سيحد من تحركه الخارجي الاوروبي والدولي وسيفقده بعضاً من الفعالية التي كان يتميز بها

ثانياً، التخوف الداخلي قائم وجدي من ان الوضع السياسي المستجد قد يضر بالاستقرار السياسي ويزعزعه ويشل عمل المؤسسات الدستورية وفي مقدمها الجمعية الوطنية خصوصاً في ظل رغبة تحالف اليسار في الذهاب الى المواجهة وطرح الثقة منذ اللحظة الاولى لتشكيل الحكومة الجديدة والدعوة الى انتخابات نيابية جديدة. لكن يبدو ان هذا الاتجاه الى التعطيل لا يشاركه فيه بقية فرقاء المعارضة وخصوصاً قوى اليمين المعتدل.

إقرأ على موقع 180  ملفا السويس والنيل.. إستعادة المبادرة والدور

وتوقع المراقبون “أن يكون كل تصويت على مشروع قانون جديد مفتوحا على المجهول لعدم وجود غالبية مطلقة”، وان تنطلق معه سوق المزايدات وتتراكم الصعوبات. وراى المراقبون في هذا السياق “ان الحكم سيشهد خمس سنوات من التفاوض والتسويات”.

وقد اعتبرت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن في هذا الاطار أن نتيجة الانتخابات البرلمانية تمثل “خطرا على البلاد”، وأضافت “لا توجد بدائل سوى العمل معا من أجل تحقيق الاستقرار”.

ثالثاً، يتخوف المراقبون داخل فرنسا وفي العواصم الاوروبية القريبة، من ان ضعف الموقع السياسي الداخلي لماكرون وانهماكه في الشؤون السياسية الداخلية من اجل تأمين حماية حكومته والحصول على اكثرية نيابية ظرفية تمكنه من تمرير الاصلاحات التي يرغب في تبنيها، سيحد من تحركه الخارجي الاوروبي والدولي وسيفقده بعضاً من الفعالية التي كان يتميز بها.

في خلاصة هذه العملية السياسية الطويلة (دورتان للانتخابات الرئاسية ودورتان للانتخابات التشريعية) ثمة سؤال تتناقله الالسن: هل باتت فرنسا بوضعها السياسي الداخلي المستجد “Ingouvernable”، أي غير قابلة للحكم؟

Print Friendly, PDF & Email
باريس ـ بشارة غانم البون

صحافي وكاتب لبناني مقيم في باريس

Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  أرقام "غينسية" لبنانية عالمياً.. إنه الإقتصاد يا أغبياء!