“تعلم وكالات الاستخبارات الأميركية أكثر بكثير عن الجيش الروسي، حتى عندما ترسل أسلحة بمليارات الدولارات الى أوكرانيا برغم عدم معرفتها بمآل هذه الأسلحة وكيفية وطريقة استخدامها من قبل القوات الأوكرانية.
وقدم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحديثات شبه يومية عن الغزو الروسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أظهرت مشاركات الفيديو المتشعبة فعالية الأسلحة الغربية في أيدي القوات الأوكرانية؛ ويقدم البنتاغون بانتظام إحاطات بشأن تطورات الحرب.
ولكن على الرغم من تدفق كل هذه الأخبار إلى الجمهور، فإن وكالات الاستخبارات الأميركية تملك معلومات أقل مما تريد بشأن عمليات أوكرانيا ولديها صورة أفضل بكثير عن الجيش الروسي وعملياته المخطط لها ونجاحاته وإخفاقاته، وفقًا لمسؤولين أميركيين حاليين وسابقين.
غالبًا ما تحجب الحكومات المعلومات عن الجمهور من أجل الأمن التشغيلي. لكن هذه الثغرات في المعلومات داخل الحكومة الأميركية قد تجعل من الصعب على إدارة جو بايدن أن تقرر كيفية تحديد المساعدات العسكرية كمًا ونوعًا لأنها ترسل أسلحة بمليارات الدولارات إلى أوكرانيا.
ويقول المسؤولون الأميركيون إن الحكومة الأوكرانية أعطتهم القليل من الإحاطات أو التفاصيل حول خطط الجيش العملياتية، وأقر المسؤولون الأوكرانيون أنهم لم يمدوا الأميركيين بكل شيء يريدونه.
بالطبع، تجمع أجهزة الاستخبارات الأميركية معلومات حول كل دولة تقريبًا بما في ذلك أوكرانيا. لكن وكالات التجسس الاميركية، بشكل عام، تركز جهود جمعها على الحكومات المعادية، مثل روسيا، وليس الأصدقاء الحاليين، مثل أوكرانيا. وبينما كانت روسيا على رأس أولويات الجواسيس الاميركيين لمدة 75 عامًا، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالأوكرانيين، فقد عملت الولايات المتحدة على بناء جهاز استخباراتهم، وليس التجسس على حكومتهم، وكانت النتيجة أن هناك بعض النقاط العمياء في رؤية الولايات المتحدة للواقع الأوكراني. فقد تساءلت بيث سانر، وهي مسؤولة استخباراتية أميركية سابقة: “هل يمكنك العثور على شخص يخبرك بثقة كم عدد القوات التي خسرتها أوكرانيا، وكم عدد المعدات التي خسرتها أوكرانيا”.
ومن دون أن تملك صورة كاملة للاستراتيجية والوضع العسكري لأوكرانيا، دفعت إدارة بايدن قدرات عسكرية جديدة إلى الأمام، مثل أنظمة المدفعية الصاروخية التي أعلن عنها الرئيس بايدن. تنتظر أوكرانيا وصول أنظمة أسلحة غربية أكثر قوة حيث تكبد طرفا الحرب خسائر فادحة في منطقة الدونباس الشرقية.
وتشير مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية أفريل هاينز، خلال إدلائها بشهادتها في جلسة استماع بمجلس الشيوخ الشهر الماضي إلى أنه “كان من الصعب للغاية تحديد مقدار المساعدة الإضافية التي يمكن أن تستوعبها أوكرانيا”. وتضيف: “لدينا، في الواقع، نظرة ثاقبة، على الأرجح، إلى الجانب الروسي أكثر مما لدينا للجانب الأوكراني”.
يقول ستيفن بيدل، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة كولومبيا: “من المحتمل أن يكون هناك نقاش يدور حول ما إذا كان سيتم سحب جميع الدفاعات التي قد تكون محاصرة (…)، سيتعين على زيلينسكي سرد قصة ما للشعب الأوكراني إذا قرر سحب قواته أو شرح الخسائر التي قد يتكبدونها إذا حصل العكس”
أحد الأسئلة الرئيسة هو ما هي الإجراءات التي يعتزم السيد زيلينسكي أن يطالب بها في الدونباس. تواجه أوكرانيا خيارًا استراتيجيًا هناك: إما سحب قواتها أو المخاطرة بتطويقها من قبل الروس؟
في الأونة الأخيرة، قدمت أوكرانيا المزيد من المعلومات. زار السيد زيلينسكي الخطوط الأمامية ووصف القتال في سيفيرودونيتسك – وهي مدينة أساسية للسيطرة على دونباس – بأنه “صعب للغاية”. كما أقر بأن ما يصل إلى 100 جندي أوكراني يموتون يوميًا وشرح كيف استولت روسيا على خُمس مساحة البلاد.
قال محللون إن تصريحات الحكومة الأوكرانية العامة الأكثر قد تكون مقدمة لكي تصارح جمهورها حول الخيارات الاستراتيجية التي يتعين اتخاذها في الدونباس.
ويقول ستيفن بيدل، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة كولومبيا: “من المحتمل أن يكون هناك نقاش يدور حول ما إذا كان سيتم سحب جميع الدفاعات التي قد تكون محاصرة (…)، سيتعين على زيلينسكي سرد قصة ما للشعب الأوكراني إذا قرر سحب قواته أو شرح الخسائر التي قد يتكبدونها إذا حصل العكس”.
وهناك سبب آخر لعدم اكتمال المعلومات الاستخباراتية عن أوكرانيا. فقد حد الغطاء السحابي من فائدة الأقمار الصناعية الفضائية.
وتقدم الولايات المتحدة تحديثات استخبارية منتظمة ومستمرة وفي الوقت المناسب لأوكرانيا حول مواقع القوات الروسية وكيفية التخطيط للعمليات وتعزيز الدفاعات، ولكن حتى في المحادثات مع الجنرال مارك أ. ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، أو لويد جيه أوستن الثالث، وزير الدفاع، فإن المسؤولين الأوكرانيين يشاركون الأميركيين في الحديث فقط عن أهدافهم الاستراتيجية، وليس خططهم العملياتية التفصيلية. قال مسؤولون أميركيون إن السرية الأوكرانية أجبرت مسؤولي الجيش والمخابرات الاميركيين على محاولة معرفة ما يمكنهم تعلمه من دول أخرى تعمل في أوكرانيا.. وتعليقات السيد زيلينسكي العلنية.
وقال المسؤولون إن أوكرانيا تريد تقديم صورة قوية عن نفسها، سواء للجمهور أو لشركائها المقربين. لا تريد مشاركة المعلومات التي قد تشير إلى ضعف عزيمتها، أو إعطاء الانطباع بأن جيشها لن يربح المعركة. في الأساس، لا يرغب المسؤولون الأوكرانيون في تقديم معلومات قد تشجع الولايات المتحدة وشركائها الغربيين الآخرين على إبطاء عملية تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا.
بناءً على طلب الولايات المتحدة، أمضت أوكرانيا سنوات في تعزيز حماية أجهزتها العسكرية والاستخباراتية من الجواسيس الروس. قد يكشف إطلاع الدول الأخرى على خططها ووضعها العملي عن نقاط ضعف يمكن أن تستغلها موسكو.
ويقول مسؤول اميركي كبير إن الولايات المتحدة لديها تقديرات أفضل للخسائر الروسية. وتقدر وكالة الاستخبارات، على سبيل المثال، أن عدد الجنود الأوكرانيين الذين قتلوا في المعركة يوازي العدد الروسي، لكن الوكالة لديها مستوى أقل بكثير من الثقة في تقديرها للخسائر الأوكرانية.
ولكن قد تكون هناك كلفة محتملة إذا لم تتمكن الاستخبارات الأميركية من تقديم صورة أكمل للجمهور أو إلى الكونجرس حول الآفاق العسكرية لحرب أوكرانيا، كما قالت السيدة بيث سانر. إذا تقدمت روسيا أكثر، فإن الفشل في فهم حالة الجيش الأوكراني قد يفتح الباب أمام اتهامات بأن مجتمع الإستخبارات الأميركية فشل في تقديم صورة كاملة لآفاق الحرب الأوكرانية إلى صنّاع القرار السياسي.
وقالت سانر: “كل شيء يتعلق بأهداف روسيا وآفاق روسيا لتحقيق أهدافها. نحن لا نتحدث عما إذا كانت أوكرانيا قادرة على هزيمتهم. وبالنسبة لي، أشعر أننا نعد أنفسنا لفشل استخباراتي آخر من خلال عدم الحديث عن ذلك علنًا”.
(*) الترجمة بتصرف عن “نيويورك تايمز“