الشرق الأوسط ضيف ثقيل على البيت الأبيض

ها هو الشرق الأوسط يستدرج عنوة الرئيس الاميركي جو بايدن إليه. وهج النار والبارود والدم والدخان وصل إلى البيت الأبيض، فأدار بايدن محركات فريقه للتوجه إلى المنطقة، بعدما كان يأمل بالإبتعاد عنها قدر الإمكان.

أراد الرئيس الأميركي الرابع والأربعون باراك أوباما تحويل إهتمام أميركا إلى منطقة المحيط الباسيفيكي وتحديداً إلى الصين التي تشكّل تحدياً كبيراً للولايات المتحدة وحلفائها وبينهم اليابان واوستراليا وكوريا الجنوبية وأندونيسيا وفيتنام. أفريقيا وأميركا اللاتينية، في نظره، يستحقان إهتماماً أميركياً اكثر بكثير مما هو حالياً. كانت أوروبا، الحليف الأقرب، تزعجه لأنها لا تتحرك في كثير من الأحيان من دون قيادة أميركية. أما الشرق الأوسط فيجب تجنبه. ستكون هذه المنطقة قريباً – والفضل لثورة الطاقة في الولايات المتحدة – غير مُدرجة في سلم أولويات الأمن القومي الأميركي.. الإقتصادية.

غير أن أوباما أعطى وقتاً كبيراً لمعالجة قضايا الشرق الأوسط بعدما فرضت نفسها فرضاً عليه طوال ثماني سنوات من إقامته في البيت الأبيض. كلما أراد الرجل صرف تركيزه عن الشرق الأوسط، تقع فيه أحداث تلزمه العودة إلى مشاكله!

جاء الرئيس جو بايدن وكله أمل في أن يتبع مسيرة سلفه باراك أوباما في التركيز على بلاد محيط الباسيفيكي. عيّن في معظم مناصب الأمن القومي خبراء عملوا في إدارة أوباما. أراد فقط أن يعيد الإتفاق النووي مع إيران الذي تم الإتفاق عليه في العام قبل الأخير لولاية أوباما. معظم الذين عملوا لتحقيق مذكرة العمل المشترك مع طهران، وقتذاك، هم اليوم يحتلون مناصب عالية في إدارة بايدن. لم يعط أهمية لدول الخليج وسوريا ولبنان، لكن إندلاع الحرب مؤخراً بين إسرائيل وحماس أعاده إلى الشرق الأوسط وتحديداً إلى قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي. كان تدخله في حرب غزة نتاج إنقسام حزبه بين مُطالب بدعم إسرائيل وبين تبلور مناخ يساري ديموقراطي ينتقد بشدة رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنجامين نتنياهو.

اكتشف بايدن أن الليبراليين في الحزب الديموقراطي، ومنهم نواب وشيوخ من الطائفة اليهودية، ليسوا فقط مستائين من نتنياهو، إنما يريدون أيضاً إعطاء “عرب فلسطين” في الضفة الغربية وقطاع غزة “حقوقهم المدنية والوطنية”، كما يريدون أن تعامل إسرائيل مواطنيها العرب بإحترام وكرامة وإعطائهم كامل حقوقهم المدنية. إعتبر فريق منهم أن نتنياهو “هو المسؤول الوحيد عن دق إسفين هائل في الرأي العام الأميركي”، وأن موقفهم “لا يعتبر تخلياً عن الدعم الأميركي لإسرائيل، بل يتعلق بالسياسات التي تهدّد قابلية إسرائيل للبقاء على المدى الطويل كدولة يهودية ديموقراطية”.

السلام يصنعه الأقوياء. يبدو أن إدارة بايدن ترى أنه لا يمكن لحكومة إسرائيلية ضعيفة رئيسها قيد المحاكمة، ولا لسلطة فلسطينية متفككة ترفض إجراء إنتخابات رئاسية ونيابية، أن تجلسا حول طاولة مفاوضات تهدف إلى تحقيق سلام عادل وآمن ودائم

هذا التطور في موقف الحزب الديموقراطي لا يتصل لا بمعطيات عربية ولا أميركية. الفضل في هذا التغيير يعود إلى سياسة رئيس حكومة إسرائيل منذ شباط/ فبراير 2009، عندما سمح نتنياهو لنفسه ولسفرائه بالتدخل في الشؤون الداخلية الأميركية إلى جانب الحزب الجمهوري، وبالأخص علاقته الوثيقة مع الرئيس دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر. لقد قادت مؤسسة J Street اليهودية المؤيدة لليسار الإسرائيلي الحملة لوقف القتال في غزة، بينما حظي موقف حكومة نتنياهو بدعم خجول من التنظيم اليهودي الأكبرـ الإيباك.

لقد رصد العالم في هذا الشهر أراء معاكسة لإسرائيل في معظم الصحف الأميركية الرئيسية. يصح القول أن نتنياهو هو عدو نفسه. فضح طمع اليمين الإسرائيلي في مصادرة أراضٍ فلسطينية في القدس الشرقية والضفة الغربية، بالإضافة إلى التمييز ضد فلسطيني العام1948  ومعاملتهم كمواطنين من درجة ثانية وثالثة، وهذا الواقع حمل الفلسطينيين على الإنتصار لقضيتهم ولا سيما القدس، كما حمل الليبراليين اليهود إلى توجيه إنتقاد لاذع لنتنياهو مشددين على أن مستقبل إسرائيل كدولة ديمقراطية ووطن لليهود “يعتمد على تلبية تطلعات الفلسطينيين”.

ماذا يستطيع أن يفعل بايدن؟

دعم ما يزيد عن السبعين بالمئة من المكون اليهودي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية ومعظم هؤلاء مع حل الدولتين. كذلك الرئيس بايدن مع حل الدولتين، وأيضاً كان الرؤساء جورج بوش الأب والإبن وبيل كلينتون وباراك أوباما. فهل يمكن لبايدن أن ينجح في حل قضية، فشل أربعة من أسلافه في حلها؟

مشكلة بايدن الرئيسية عند الإسرائيليين. هل بإمكان وضع داخلي ممزق وحكومة أجرت أربع إنتخابات نيابية في عامين بسبب فشل التكتلات والأحزاب في الحصول على أكثرية لتشكيل حكومة، تحكم وتشترك في مفاوضات تحقّق سلاماً دائماً؟ ومن ناحية أخرى، هل يمكن للسلطة الفلسطينية الضعيفة والمتهمة بالفساد والتي إنتخب رئيسها ونوابها لخمس عشرة سنة خلت، أن تقدم نفسها مفاوضاً قوياً وجدياً ناطقاً بإسم الفلسطينيين، خاصة بعد أن نجحت حماس في سرقة راية القدس من يد رئيسها أبو مازن، بعدما تذرع الأخير بمنع إسرائيل للإنتخابات في القدس من أجل إلغائها، بينما يجمع العديد من المراقبين أن السلطة الفلسطينية أرجأت الإنتخابات التشريعية لأن النتائج كانت محسومة لمصلحة حماس.

إقرأ على موقع 180  روسيا وطالبان.. قصة سلام أم قصة حرب؟

السلام يصنعه الأقوياء. يبدو أن إدارة بايدن ترى أنه لا يمكن لحكومة إسرائيلية ضعيفة رئيسها قيد المحاكمة، ولا لسلطة فلسطينية متفككة ترفض إجراء إنتخابات رئاسية ونيابية، أن تجلسا حول طاولة مفاوضات تهدف إلى تحقيق سلام عادل وآمن ودائم.

يعتقد المراقبون أن واشنطن ستركز على إعادة إعمار غزة على يد الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية متمنية تقوية الأخيرة شعبياً ومن ثم إجراء انتخابات تأتي بمجلس نيابي وحكومة قوية لإجراء مفاوضات سلام. من ناحية أخرى، ربما تنتظر إدارة بايدن خروج نتنياهو واليمين المتطرف من حكم اسرائيل ووصول حكومة وسطية تفاوض الفلسطينيين وتتفق معهم على حل رابح لكلا الطرفين وللمنطقة بأسرها.

بانتظار التغيير المنتظر وغير الأكيد في الفضائين الفلسطيني والإسرائيلي، ستهدف واشنطن الى التقليل من الاحتكاكات بين الطرفين ومنع نشوب حرب جديدة، بالاضافة الى اعادة تعمير ما تدمر في غزة، واستئناف الدعم لمنظمة الأونروا والسلطة الفلسطينية، واعادة القنصلية الأميركية الى القدس الشرقية لتوثيق العلاقات مع فلسطيني الضفة، والسماح للسلطة الفلسطينية في اعادة فتح مكاتبها في العاصمة الأميركية.

Print Friendly, PDF & Email
عبد الله بو حبيب

وزير خارجية لبنان

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  "معركة الحجاب".. إنها الثورة الإيرانية بامتياز!