انعكس فشل جيمي كارتر سياسياً فى هزيمة انتخابية ساحقة فى انتخابات 1980 تلقاها على يد المرشح الجمهورى رونالد ريجان الذى فاز بـ 44 ولاية وترك لكارتر 6 ولايات فقط، وهو ما مهد لإحياء أفكار تيار جمهورى محافظ استمر لعقود.
اليوم، ترى أغلبية الشعب الأمريكى الرئيس جو بايدن رئيساً فاشلاً بامتياز فى القضايا السياسية والاقتصادية الداخلية، وكذلك يرونه فاشلاً فى سياساته الخارجية بصفة عامة، على الرغم مما يراه الجانب الأوروبى من إعادة الوحدة لحلف شمال الأطلسى ــ الناتو ــ عقب الغزو الروسى لأوكرانيا والذى بدأ فى نهاية فبراير/شباط الماضى.
وخلال زيارته القادمة للشرق الأوسط، سيعمل بايدن على الترويج للاتفاقيات الإبراهيمية، والدفع للتطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، فى وقت يروج فيه لإحياء الاتفاق النووى مع إيران، إلا أن ذلك لا يغير من حقيقة فشل بايدن خلال أكثر من عام ونصف العام من حكمه.
***
انخفضت معدلات تأييد سياسات بايدن لمستويات قياسية مقارنة بمن سبقه من رؤساء أمريكيين فى هذه الفترة من حكمه. ووجد استطلاع حديث أجرته شبكة CNN سى إن إن (المقربة من إدارة بايدن)، ونشر قبل أيام، أن 41% فقط من الشعب الأمريكى يوافق على الطريقة التى يتعامل بها جو بايدن مع وظيفته بينما لا يوافق 54%. وتنخفض النسب بصورة أكبر من ذلك حال أجرت الاستطلاع إحدى الجهات المعادية لبايدن كشبكة فوكس الإخبارية.
ويجادل الحزب الديمقراطى بأن التصنيفات لا تشير لانخفاض كبير فى التأييد لسياسات بايدن، بينما يرى الجناح التقدمى بالحزب أن بايدن ليس تقدميًا بما يكفى. وبدأ مؤشر انخفاض معدلات تأييد بايدن فى التراجع بداية بسبب الطريقة التى تعامل بها مع الانسحاب الفوضوى الأمريكى من أفغانستان. ومع تلاشى وتراجع أهمية موضوع أفغانستان بين الشعب الأمريكى، دخلت الولايات المتحدة أزمة اقتصادية فريدة من نوعها، بعد أن فشل بايدن فى توقعها أو التعامل معها حتى اليوم.
وتعرقلت أجندة بايدن الداخلية المعتمدة على تشريع «إعادة البناء بشكل أفضل» بصورة كبيرة بسبب موقف السيناتور الديمقراطى جو مانشين المعارض لها. وفشل بايدن فى الضغط عليه لتمرير التشريع الذى استثمر فيه بايدن وحزبه الديمقراطى الكثير من رأس المال السياسى دون جدوى.
فى الشرق الأوسط، لم يفِ بايدن بتعهداته بمواجهة موجة الاستبداد التى تعم الكثير من دول المنطقة، ودعم بايدن سياسات ترامب تجاه دول المنطقة رغم مهاجمته لها سابقا. ويظهر بايدن دعما صريحا لخدمة المصالح الأمريكية على حساب ما ادعاه من ضرورة العودة للاتساق مع القيم والمبادئ الديمقراطية
من ناحية أخرى، يرى بعض الخبراء أن بايدن دخل البيت الأبيض خلال واحدة من أصعب الفترات التى واجهتها أمريكا فى العصر الحديث من تبعات وباء مستمر هو الأسوأ منذ مائة عام، وأسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير فى ثلاثينيات القرن الماضى، إضافة لأزمة اقتحام الكابيتول فى 6 يناير/كانون الثاني 2021، ورفض الحزب الجمهورى إدانة الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما يمثل تهديداً صريحاً لمستقبل الديمقراطية الأمريكية.
كذلك قدم بايدن الكثير من الوعود الداخلية التى لم يستطع تنفيذها، ومنها أجندة طموحة لمكافحة تغير المناخ، وتحريك ملف الهجرة غير الشرعية ومصير 12 مليون مهاجرة ومهاجر غير شرعى موجودين بالولايات المتحدة، يعملون ويدفعون الضرائب، وللكثير منهم أطفال أمريكيى الجنسية.
ويعانى أغلب الشعب الأمريكى من ارتفاع نسب التضخم بمعدلات قياسية تخطت 8%، وهو معدل لم تعرفه الولايات المتحدة خلال نصف القرن الأخير. ومع استمرار ارتفاع أسعار وقود السيارات بنسب تقترب من 100% من أسعارها عندما وصل بايدن للحكم فى يناير/كانون الثاني 2021، يلقى المواطن الأمريكى باللوم على بايدن على الرغم من أن سلطة الرئيس على هذه الأسعار محدودة للغاية، وأصبح موضوع التضخم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بشعور المواطن الأمريكى تجاه حياته اليومية.
وكان من الطبيعى أن يبرر بعض الأمريكيين ما آل إليه الوضع الاقتصادى بتبعات انتشار وتفشى فيروس كوفيد ــ 19 مع دخول العالم العام الثالث له مع الوباء.
لكن تبقى هناك بعض الأخبار الاقتصادية الطيبة التى لا يتذكرها المواطن الأمريكى ومنها أن نسب البطالة منخفضة جداً لم تتخط 4% مع ارتفاع كبير وغير مسبوق فى مرتبات أغلب الوظائف.
***
خارجياً، تعهد بايدن بهزيمة روسيا فى أوكرانيا، إلا أنه ومع التطورات العسكرية الأخيرة، لا يبدو أن هناك اتفاقاً على اقتراب روسيا من الهزيمة. ويرى أغلب المحللين العسكريين المحايدين أن روسيا تسير بثبات نحو تحقيق أهدافها غير مكترثة بموقف بايدن ولا عقوبات الغرب.
كما تعهد بايدن بتقليل الاعتماد اقتصادياً على الصين، لكنه لم يتبن أى سياسات حاسمة فى هذا الاتجاه وخضع بسهولة للوبى الشركات الأمريكية التى تربطها علاقات ضخمة بالصين سواء فى التصنيع داخلها، أو كونها سوقا ضخمة لمنتجاتهم.
وفى الشرق الأوسط، لم يفِ بايدن بتعهداته بمواجهة موجة الاستبداد التى تعم الكثير من دول المنطقة، ودعم بايدن سياسات ترامب تجاه دول المنطقة برغم مهاجمته لها سابقاً. ويظهر بايدن دعما صريحا لخدمة المصالح الأمريكية على حساب ما ادعاه من ضرورة العودة للاتساق مع القيم والمبادئ الديمقراطية التى تميز بلاده عن الصين وروسيا، هو ما يفقد بلاده الكثير من المصداقية حول العالم.
***
يتفق الخبراء فى واشنطن على أن انتخابات الكونجرس فى نوفمبر/تشرين الثاني القادم ستدفع لسيطرة الحزب الجمهورى على الكونجرس أو أحد مجلسيه على الأقل. وسيجعل ذلك مما تبقى من فترة حكم بايدن بمثابة «بطة عرجاء» لن يستطيع معها تنفيذ أى من سياسته. وإذا لم يستوعب بايدن الدروس الواجب الاستفادة منها والتى تتعلق بتفضيلات المواطن الأمريكى والتعامل مع انقسامات غير مسبوقة بين الشعب الأمريكى، لن يخسر بايدن فقط ويهتز إرثه السياسى، بل سيتأثر الحزب الديمقراطى بصورة كبيرة تمهد وتسهل من عودة الترامبيين للسيطرة على مقاليد السياسة الأمريكية فى الكونجرس ولاحقاً فى البيت الأبيض.
(*) بالتزامن مع “الشروق“