قبل أن نعرض للمقالة المذكورة أعلاه، من المفيد الإشارة إلى تقرير نشره موقع Tactical Report وجاء فيه أن أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي حاول التواصل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وقد قوبل إتصاله بتجاهل كامل من الأمير السعودي بحجة التحضير لعيد الأضحى، فكان أن أرسل البيت الأبيض المبعوث الخاص بالشرق الأوسط بيت ماغورك إلى الرياض لترتيب زيارة بايدن، “لا سيما أنه يمتلك خبرة كبيرة بالتواصل مع العرب عبر العديد من الادارات الأميركية السابقة”، حسب موقع Axios.
هذا الأخذ والرد، قبيل زيارة الرئيس الأميركي يشي بأن رحلة الرئيس الأميركي لن تكون معبدة بعقود بمئات مليارات الدولارات كما حصل مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ثمة سؤال يستطيع أن يقدم إجابات كثيرة حول أهداف ونتائج الزيارة: ما هي عناصر الإغراء التي يستطيع أن يقدمها بايدن حتى يتحرر ولي العهد السعودي من الشريكين الصيني والروسي.
ماذا يقول تقرير “الفورين بوليسي” في هذا السياق؟
“عندما يزور الرئيس الأميركي جو بايدن السعودية في نهاية الأسبوع الحالي، يجب أن تكون الصين في ذهنه. ستشمل أجندته، بالطبع، مسائل مهمة أخرى: الالتزامات السعودية الأخيرة بزيادة إنتاج النفط، وقف إطلاق النار في اليمن، إحراز تقدم في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. لكن يجب على بايدن أيضًا استخدام هذه الرحلة للقول إن العلاقات التي تزداد عمقًا بين بكين والرياض ليست في مصلحة المملكة على المدى الطويل ولإظهار أن الولايات المتحدة تريد الحفاظ على وضعها التقليدي كشريك مفضل للسعودية.
الهدف ليس منع تجارة النفط السعودية ـ الصينية. يجب أن يكون هدف بايدن هو السعي لعكس العلاقة الاستراتيجية الناشئة بين البلدين.
الصين هي أهم عميل للنفط الخام عند السعودية. تشتري بكين نحو ربع صادرات النفط السعودية، أي أكثر من ثلاثة أضعاف حصة الولايات المتحدة. كانت المملكة أكبر مصدر للنفط إلى الصين حتى العام 2021، لكن مصدري النفط الروس حلوا محلها هذا العام بحثًا عن أسواق لم تتأثر بالعقوبات التي فرضها الغرب بسبب حرب أوكرانيا..
ومع ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تسعى لوقف مسار إزدهار الشراكة الإستراتيجية الصينية ـ السعودية. زادت عمليات نقل الأسلحة الصينية إلى السعودية بنسبة 386% في 2016-2020 مقارنةً بفترة 2011-2015. يمكن تفسير هذه الزيادة من خلال المبيعات الصينية للطائرات المسلحة من دون طيار التي لم يتمكن السعوديون من شرائها من الموردين الأميركيين. اشترت السعودية طائرات صينية مُسيرة من طراز Wing Loong II في عام 2017، ووقع البلدان اتفاقية مشروع مشترك لتصميم وبناء مثل هذه الطائرات في السعودية في آذار/مارس من هذا العام.
على الرغم من أن السعوديين لا يزالون يعتمدون في سلاح الطيران على الأميركيين والأوروبيين، فإن خططهم لإنتاج ما يصل إلى 300 طائرة بدون طيار من طراز Wing Loong II تشير إلى المزيد من استخدام المُسيرات في المستقبل. يمكن أن يؤدي التقدم الكبير في تصنيع تلك الطائرات إلى إغلاق الباب بشكل دائم أمام مبيعات الطائرات الأميركية بدون طيار إلى السعودية، لا سيما بالنظر إلى أوجه التشابه بين Wing Loong وMQ-9 Reaper الأميركية الصنع.
لا تزال الولايات المتحدة المورد الرئيسي للأسلحة إلى السعودية ودول الخليج العربية الأخرى، لكن مثل هذه الصفقات مع الصين تشير إلى أن الأميركيين، الذين كانوا يشيرون إلى رغبتهم في لعب دور أصغر في الشرق الأوسط، قد يتم استبدالهم قريبًا في يوم من الأيام..
في مواجهة التهديدات اليومية من إيران ووكلائها، يحتاج السعوديون إلى مصدر موثوق للأسلحة لردع هؤلاء الأعداء. إذا أصبحت الصين المورد الرئيسي للأسلحة إلى السعودية، قد تضغط بكين يومًا ما على الرياض لقطع صادرات النفط إلى أوروبا والولايات المتحدة في حالة نشوب صراع بين الولايات المتحدة والصين. هذا من شأنه أن يضعف وحدة الحلفاء وقدرات القتال الأميركية.
الحاكم الفعلي للسعودية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لا يثق بجو بايدن، الذي تعهد كمرشح بجعل المملكة “منبوذة”، وفي وقت مبكر من رئاسته، نشر تقريرًا يورط ولي العهد في قتل الصحفي جمال الخاشقجي. عندما يلتقي الاثنان، سيرغب بايدن في إقناع محمد بن سلمان – الذي يصغره بـ 43 عامًا – بأن البقاء في المدار الأمني للولايات المتحدة هو الخطوة الصحيحة للمملكة العربية السعودية، ليس فقط الآن ولكن لعقود قادمة.
كيف يمكن لبايدن أن يفعل ذلك؟
أولاً؛ إعادة التزام الولايات المتحدة علنًا بالمصالح الأمنية للسعودية، بما في ذلك من خلال مبيعات الأسلحة. حيث تساعد الصين السعوديين محليًا على تصنيع الصواريخ الباليستية، ولواشنطن مصلحة في منع انتشار تلك الأسلحة. يجب على مسؤولي الدفاع الأميركيين تحديد أنواع الأسلحة التي يمكن أن يعرضها بايدن على السعوديين والتي من شأنها أن تحل محل رغبتهم في خبرة الصين بالصواريخ.
لا يتمتع بايدن بالنفوذ لإصدار إنذار نهائي بشأن الصواريخ الصينية، ولكن تم اقتراح أن يشترط دعمه لأنظمة الدفاع الجوي والصاروخية المتكاملة بقيادة الولايات المتحدة لايقاف رغبة السعوديين بتطوير صواريخ محلية. حتى لو جاء بايدن حاملاً جزرة وليس عصا، فقد تظل الرياض مترددة في الوثوق به، نظرًا للمشاعر المعادية للسعودية داخل القاعدة السياسية للرئيس بايدن والتهديدات من أعضاء الكونغرس بمنع مبيعات الأسلحة إلى السعودية.
يمكن لبايدن أن يخفف من هذا القلق من خلال التحدث إلى الجمهور الأميركي حول أهمية الشراكة مع السعوديين في هذا الوقت. أسعار النفط مرتفعة، والمفاوضات النووية الإيرانية آخذة في الانهيار، وهناك احتمالات لمزيد من التحسينات في العلاقات بين إسرائيل وأصدقاء أميركا من العرب التقليديين. يمكن للرئيس بايدن أيضًا الموافقة على مشروع قانون جديد يطالب البنتاغون بتطوير نظام دفاع جوي متكامل لإسرائيل والسعودية وثماني دول عربية أخرى.
ثانيًا؛ سيكون من المفيد شرح الخطر الصيني على العالم ومنه على الرياض. فبعد كل شيء، تساعد الصين إيران، التي تشكل تهديدًا قاتلًا للسعوديين. في السنوات الأخيرة، أصبحت الصين الشريك الاقتصادي المفضل لإيران. وقد تحدت مشتريات النفط الصينية حملة عقوبات “الضغوط القصوى” الأميركية ضد طهران.
في العام الماضي، تعهدت الصين بتقديم 400 مليار دولار لاستثمارات في الطاقة والبنية التحتية في إيران على مدار 25 عامًا. ويعمل البلدان على تنمية شراكتهما الأمنية. وأجرت إيران والصين وروسيا مناورات بحرية مشتركة في كانون الثاني/يناير 2022. يمكن أن يزود بايدن ولي العهد السعودي بتقييم المخابرات الأميركية للتعاون الاقتصادي والأمني بين الصين وإيران وكيف يمكن أن تضر هذه الروابط بالرياض على المدى الطويل.
يشكل الدعم الصيني لإيران تهديدًا واضحًا للمصالح السعودية، لكن يبدو أن محمد بن سلمان قد إحتسب أن فوائد المساعدة العسكرية الصينية تفوق بكثير كلفة مطالب أميركا بحيث يجب أن يبحث بايدن عن طريقة لتغيير هذا الحساب.
ثالثًا؛ سيتعين على بايدن أن يوازن بين المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة ومخاوف حقوق الإنسان المبررة بشأن السعودية. الشعب الأميركي يهتم بحقوق الإنسان، لكن يتعين على القادة الموازنة بين المبادىء والمصالح. عند لقائه ولي العهد، يمكن لبايدن مناقشة حالات تعرض النشطاء للقمع في البلاد، مع استغلال الفرصة أيضًا للتخلي عن تعهد حملته بتحويل السعودية إلى دولة “منبوذة”.
سياسة “النبذ” لا يمكن الدفاع عنها في ضوء الحقائق الاستراتيجية، كما أنها ليست فعالة في تعزيز حقوق الإنسان. تسوق الصين شراكات مع دول غير ديمقراطية من خلال وعود “بعدم التدخل في الشؤون الداخلية”. دفع ذلك السعودية إلى احتضان استراتيجي للصين – التي ترتكب إبادة جماعية ضد مسلمي الأويغور في شينجيانغ – لا يخدم مصالح الولايات المتحدة، ولا مصالح حقوق الإنسان للمواطنين السعوديين أو المقيمين، ولا مصالح الأويغور.
تقدم السعودية مبادرات علنية تجاه الصين ففي كانون الثاني/يناير الماضي، تعهد نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان بتعميق العلاقات العسكرية لبلاده مع الصين. وترأس وزير الخارجية السعودي وفدا من الكويت وعمان والبحرين ودول مجلس التعاون الخليجي إلى بكين. التقى وزيرا الخارجية السعودي والصيني في باكستان في مارس/آذار، وفي نفس الوقت تقريباً، أفادت الأنباء أن السعودية تدرس تصنيف تجارة النفط باليوان – وهو تهديد لهيمنة الدولار الأميركي.
أكدت القراءات الصينية لهذه الاجتماعات على التقدم نحو اتفاقية تجارة حرة مع مجلس التعاون الخليجي. لم ينتج عن أي من هذا حتى الآن إعلان علني عن أي صفقات كبيرة، ولكن من المتوقع أن يؤدي الحديث إلى اتخاذ إجراء إذا فشل المسؤولون الأميركيون في إصلاح العلاقات الاستراتيجية الأميركية مع السعودية.
يمكن لبايدن البدء في إصلاح تلك العلاقات في هذه الرحلة، قبل زيارة محتملة للزعيم الصيني شي جين بينغ إلى السعودية.
بينما كانت هناك خلافات بين الولايات المتحدة والسعودية – بشكل رئيسي حول الحظر النفطي في السبعينيات وتصدير الأيديولوجيا الإسلامية الراديكالية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومؤخراً قتل جمال الخاشقجي – فإن تحسين العلاقات بينهما من شأنه الآن أن يفيد البلدين بشكل كبير.. تقول الصين إن الولايات المتحدة لم تعد شريكًا استراتيجيًا موثوقًا به. تتمثل مهمة بايدن في أن يُظهر للسعودية سبب تفضيلها نفوذ الولايات المتحدة على الصين”.