الجواهري.. نهر العراق الثالث وغابته المترامية

مرّ ربع قرن على رحيل شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، الذي ولد قبل ولادة الدولة العراقية بعقدين ونيّف من الزمن في النجف في محلّة العمارة العام 1900، في حين تأسست المملكة العراقية عام 1921. 

ربما سيقول المؤرخون أن القرن العشرين هو قرن الجواهري الذي عاشه بكامله، وهو قرن الشعر بهذا المعنى، حيث بنى الجواهري فيه أكثر من 20 ألف بيت من الشعر. وإذا كان التاريخ لا يكتبه المؤرخون فحسب، بل يكتبه الفنانون والأدباء حسب الروائي الروسي المعروف مكسيم غوركي، فإن الجواهري هو الذي سيطبع هذا القرن بدمغته من خلال قصائده، وهي التعبير الاكثر دقّة وعمقًا عن حقيقة ما جرى في القرن العشرين.

***

عاش الجواهري عقدًا ونيّف من عمره تقريبًا في ظلّ الدولة العثمانية، وشهد الاحتلال البريطاني للعراق 1914 – 1918، كما عاش كل فترة الحكم الملكي (نحو 38 عامًا) والحكم الجمهوري بجمهورياته المتعدّدة (لنحو 4 عقود من الزمن)، بما فيها من انقلابات عسكرية وثورات وتغيير وزارات، كما شهد أحداثًا عالميةً كبرى بما فيها حربين عالميتين واغتصاب فلسطين العام 1948 والعدوان الثلاثي على مصر العام 1956 والعدوان “الإسرائيلي” العام 1967، وحرب تشرين التحرّرية العام 1973، وعاش مرحلة صعود المعسكر الشرقي الاشتراكي وانهياره بعد انتهاء الحرب الباردة، كما تابع الحرب العراقية – الإيرانية 1980 – 1988 بكل تفاصيلها وتفرّعاتها، مثلما صدمته عملية غزو الكويت في 2 آب/أغسطس 1990 والحرب على العراق في 17 كانون الثاني/يناير 1991 ومن ثم الحصار الدولي الجائر على العراق.

والتقى خلال حياته الطويلة أدباء ومثقّفين عرب كبار وعالميين ولأجيال مختلفة، كما التقى ملوكًا ورؤساء وزعماء وقادة، وانتسب وجدانيًا إلى حركة السلم العالمية، وحضر مؤتمراتها وانتخب نقيبًا للصحفيين العراقيين العام 1959 ورئيسًا لاتحاد الأدباء والكتّاب في العام نفسه، وترأس بعد انقلاب العام 1963 “لجنة الدفاع عن الشعب العراقي” التي ضمّت أدباء ومثقّفين وسياسيين مرموقين.

ومع كلّ ذلك لم يكن الجواهري سياسيًا بالمعنى المعروف للكلمة، فعلى الرغم من انتمائه إلى حزب الاتحاد الوطني برئاسة عبد الفتاح ابراهيم العام 1946 والذي أجازه وزير الداخلية سعد صالح (جريو) في وزارة توفيق السويدي، وانتسابه إلى الحزب الجمهوري ضمن الهيئة المؤسسة التي ترأسها عبد الفتاح ابراهيم أيضًا (بعد الثورة العام 1958)، لكنه في كل ذلك لم يكن متحزّبًا ولا حتى سياسيًا ولا متأدلجًا، بقدر ما كان يعبر عن هموم وطنية عامة، فإنها هموم مثّقف مبدع وشاعر حسّاس، وهي هموم إنسانية قبل كلّ شيء.

***

إنْ كنت في حضرة الجواهري ستكون في حضرة الشعر، بل أن مثل هذا الشعور لا يكاد يفارقك، وكأنك تدخل بجلال وهيبة مملكة الشعر؛ فكل شيء في تلك الحضرة ينبض بالشعر. الجواهري بقامته المديدة وفصاحته وأصابعه الطويلة كأنه عازف بيانو، يدهشك حين يستحضر التاريخ، بقصيدته العمودية الموروثة والملّونة بأطياف الحداثة؛ بتحديه وتناقضه؛ بانفعالاته وردود أفعاله؛ بمعاركه الأدبية وخصوماته السياسية والشخصية، يظهر واضحاً جليًا، لا يعرف الأقنعة وقد امتهن الشعر فناً وذهناً ومزاجاً.

لم يستطع الزمن رغم عادياته أن يروّضه أو يطوّعه أو يحتويه، فقد تمكّن سلطان الشعر منه وامتلكه بكل معنى الكلمة، والشعر بالنسبة للجواهري سلاحه الأول والأخير في التعبير وفي الهجوم والتراجع، وهو درع وقايته أيضًا من تقلبات الزمن وغدر الأيام وهجومات الأعادي.

***

من النجف بدأ تمرّده الأول، حيث جاء ملفّحاً بالعباءة ومعتمراً العمامة الصغيرة البيضاء وبجسم ضئيل، لكنه منتصب مثل نخيل العراق. ومن البيئة النجفية الدواوينية- التلقينية، ذات الموروث التاريخي العريق والتقاليد الشديدة والقاسية، حيث عايش فقهاء النجف، الذين زاملوا وتتلمذوا على يد جمال الدين الأفغاني تطلّع إلى الجديد، فانطلق ليحلّق في الأفق الشاسع مثل نسر رفرف بجناحيه فوق بغداد، وهو يتطلّع نحو دمشق والقاهرة وبيروت، ثم ليستريح في باريس قليلاً، وليبدأ رحلة الشعر والمنفى والحنين التي قاربت ثلاثة عقود ونيّف من الزمن كانت محطتها الرئيسة براغ الذهبية.

كان الجواهري يُبحر في ثنايا الاحداث ولا يعرف المرسى إلاّ عند شاطئ الشعر. وهو المسافر الذي تفيض منه الألوان كقوس قزح في سماء شرقية تتراقص كواكبها بعذوبة ورّقة متميزة، مدوّرة مثل خبز تنور عراقي طازج، ومتدفقة مثل دجلة والفرات وشط العرب.

ظل الجواهري عنيداً أمام السؤال، ضعيفاً أمام إغواء الشعر وإغراء القصيدة، معمّراً مثل لبيد العامري، مفكرًا وحكيمًا مثل المعرّي الذي رصّع قصائده بالمعرفة والحكمة؛ وشفيفًا ومبدعًا مثل البحتري، ومنفياً ورائدًا مثل المتنبي، فقد عاش أكثر من ثلث عمره البيولوجي في الغربة ونحو نصف عمره الإبداعي فيها أيضًا، وقد أرّخ في سنواته الأولى للغربة في مجموعته الشعرية “بريد الغربة” وقصيدة “يا دجلة الخير“.

***

المتتبّع لحياة الجواهري وشعره لا يقف على أرض مستوية، بل أنه يتحرك في منطقة شائكة وعلى أرض مزدحمة بالشعر والهمّ العام. كنت أشعر أنني أمام حالة شعر بكل ما تعنيه هذه الكلمة الواسعة بطقوسها وفضاءاتها وعبق شذاها، فالقصيدة لدى الجواهري هي التي تدلّك على مملكة الشعر أو صومعة الشاعر، حيث يمارس الخلق بجو أقرب إلى التبجيل والاحتفاء، وبمعاناة فائقة، فتراه غير عابئ باليومي والطارئ أحياناً، وفي أحيان أخرى تراه مستغرقاً لدرجة الانفعال بكل ما حوله، وفي أحيان ثالثة منشغلاً بالحسّي والملموس، ومثلما يكون الآني جزءًا من المستقبلي متواصلاً معه أو منفصلاً عنه، يكون المستقبل والمستحيل جزءًا من الحاضر والراهن، لكنه في كل الأحوال لا يرغب إلاّ أن يراه ويتفحصه وكأنه يعيش فيه.

***

لم يكن الجواهري يريد أن تفلت لحظة من بين أصابع يديه، كان يريد أن يعيش كل لحظة، أي لم يرغب أن يُبدّد ثانية فكان يريد الدنيوي والأُخروي، الحياة والخلود، الحاضر والمستقبل، وإذا ما استعرت تعبيراً لمكسيم غوركي في وصف لينين، حيث قال: كان نصف عقله يعيش في المستقبل، وربما ينطبق ذلك على الجواهري الذي سيعيش نصف إبداعه في المستقبل أيضًا.

في حالة الجواهري لم نكن نحن أمام شاعر، بل كنّا أمام غابة شعرية تحفل بكل الألوان والأصناف، وكان كل ما فيها متغضّناً بأنفاس الشعر، حركته وصوته، عقله وقلبه، نفسه وروحه، كل ذلك معجون في بوتقة الشعر. حين يبدأ بقراءة مطلع قصيدته تشعر وكأن عناقيدًا من المعاني والمباني تنهمر عليك مثل شلال أو زخّة مطر أحياناً. ثم تبدأ بعدها بالتأمل لتسير مياه أنهاره وسواقيه وجداوله بعذوبة ورقّة لتصل نهري دجلة والفرات، رمزا بلاد ما بين النهرين “الميزوبوتاميا”، وكان أمين الأعور المثقّف والإعلامي اللبناني هو من أطلق على الجواهري باستحقاق “النهر الثالث” باعتباره رمزاً آخر للعراق.

***

ساهم شعر الجواهري في رسم أو إعادة تصوير حياتنا، بتفاصيلها وشخوصها وتاريخها ومعالمها، لا بنكهتها الواقعية وحسب، ولكن بإطارها المتخيّل والواهم أحياناً، مشتملاً على نكهة حبٍ ومذاق تحدٍّ وجوار أضداد، تلك التي شكّلت سمة عنيفة للقصيدة الجواهرية.

كان يتراءى لي وأنا بصحبة الجواهري أنني لست أمام شاعر فريدٍ فحسب، أو حقبة كاملة، فقد كنت أحياناً أشردُ بخيالاتي لأتصور أنني أمام حزمة لقرون من الشعراء المبدعين أو حقبة شعرية تاريخية كاملة، متجسدة في شاعر اختزن من التاريخ نحو ألف عام ما بعد المتنبي، لكأن جذوره ممتدة من الفترة الأموية – العباسية على حد تعبير الشاعر سعدي يوسف، التي شغلت القرن العشرين كله في مغامرة ممتدة بهرمونية جمعت التناقض المحبب والأضداد المتجاورة بتناسق باهر ليس له نظير.

إقرأ على موقع 180  جثة الكاظمي.. لمصلحة من؟

لم يكن بإمكان الجواهري ألّا يستجيب لإغراء المغامرة والتحدي بما جمعه من متناقضات، بصعوده ونزوله، بقوته ونقاط ضعفه الإنسانية، بشبابه وشيخوخته، فلم يرغب الجواهري الجلوس على مقاعد مطلية بالذهب، لأن خياره كان الشعر والمغامرة، فهذا الهاجس الأول والأخير له، فقد كان يكفيه أنه جلس على قمة الشعر الكلاسيكي، ماسكًا بحلقته الذهبية الأخيرة، ناظراً بطريقته البانورامية ومن خلال مشغله الشعري لمشهد الجمال والخلق.

***

عرفت الجواهري عندما كنت طفلاً من خلال دواوينه التي تملأ مكتبة الأعمام والأخوال، وكنت كلما أذهب إلى مدرستي “السلام” الابتدائية أمرّ من أمام جامع الجواهري في “منطقة القباب الزرق” المدفون فيها جدّه الأقدم صاحب كتاب “جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام” والمتوفى عام 1850، وهذه المنطقة معروفة بمحلة العمارة في النجف في الفرات الأوسط، والنجف حاضنة شعرية وأدبية ومنارة علمية مضى على تأسيس جامعتها أكثر من ألف عام، وحين وصلها الإمام الطوسي هاربًا من بغداد عام 448 – 449 هـ كانت صرحاً شامخاً، أسهم هو في ترسيخه وتأطيره حتى توفي عام 460 هـ، وظلّت تحمل من بعده مشعل التنوير رغم محافظتها الشكلية، لكنها ضمّت “الفكر المنفتح في المجتمع المنغلق” على حد تعبير الشاعر مصطفى جمال الدين.

 قابلتُ الجواهري للمرة الأولى في مطلع عام 1959 في ساحة الكشافة ببغداد، وقد حاولت الاقتراب منه لأتفحص ملامحه وأراقب حركته، واجتمعت به بعد عودته من براغ، حيث قضى سبع سنوات عجاف هناك، في منزل خالي المحامي جليل شعبان وهو أحد رواة شعره والمتأثرين به وبقصيدته ولديه ديوان فيه قصيدة مهداة إلى الجواهري، وكان ذلك بحضور نخبة من الأدباء بينهم عبد الغني الخليلي، إضافة إلى الشاعر الشعبي عباس ناجي، لكن علاقتي به توطدت وتوثقت خلال السبعينيات في براغ، المدينة الأليفة ذات القباب الذهبية، كما تعززت وتعمقت علاقتي به خلال الثمانينيات في دمشق، وكنت قد سألت الجواهري في إحدى المرات وماذا كان هناك في الغربة يا أبا فرات: أهو زمهرير المنفى أم فردوس الحرية؟ فأجاب بعد أن سحب نفساً عميقاً من سيكارته التي لم تكن تفارقه: الاثنان معاً… أي والله!

***

كنت قد أصدرت عنه كتاباً بالتعاون معه عام 1986 عن دار طلاس والموسوم بـ “الجواهري في العيون من أشعاره” وهو عبارة عن ذائقة لسبعة عقود من الزمن، ومن المفارقة أن أذكر أنني نشرت قصيدة كان قد كتبها لجلال الطالباني، لأول مرة في هذا الكتاب، جواباً على رسالته التي يستثيره فيها على أن “يُغنّي” بعد صمت غير قصير، فما كان من الجواهري إلاّ أن يجيبه بعنوان مضاد قابلاً التحدي، وهو “ماذا أغني؟” وهذه القصيدة أرسلها الجواهري في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 1980 إلى صديقه الطالباني الذي ظل يحتفظ بصداقته منذ الخمسينيات، كما أعرف وضمتني معهما أكثر من جلسة.

ثم عدتُ ونشرت هذه القصيدة مرة أخرى في كتابي عن الجواهري، الذي صدر بطبعته الأولى وهو مازال على قيد الحياة، في عام 1996- 1997، وكان بعنوان “الجواهري جدل الشعر والحياة” أما طبعته الثانية المزيّدة والمنقّحة فقد صدرت في مطلع عام 2009 عن دار الآداب في بيروت، وكانت الطبعة الثالثة من دار الشؤون الثقافية في بغداد، 2010. ولديّ حوارات مطولة نشرت قسماً منها وأستعد لنشر القسم الآخر الأهم والأوسع، بعد الانتهاء من نشر “جواهر الجواهري” وهو جولة جديدة في الذائقة الشعرية من شعر الجواهري الكبير.

سعى الجواهري إلى تجاوز المألوف والعادي من الأشياء إلى ما هو خارق أو مستحيل في السلوك والتمرّد والتدفّق الشعري والنفي والترحال بموهبة باهرة، حيث ظلّ مبحراً بسفينته ضد التيار، ولم يكن ذلك بمعزل عن تفجر ذاتي ومعاناة مذهلة وأزمة شعر وشاعر، كانت القصيدة معه تأتي غيمة فضية قبل أن تنقدح عن شرارة البرق التي تخطف البصر، كما قالت الدكتورة نجاح العطار.الجواهري هو القائل:

أنا العراق لساني قلبه ودمي فراته وكياني منه أشطار

وهو القائل:

حييت سفحك عن بعدٍ فحييني / يا دجلة الخير يا أم البساتين

***

يوم توفّي الجواهري في 27 تموز/يوليو 1997 كنت حينها في لندن، فتوجّهت إلى دمشق على الفور صباح اليوم التالي بناءً على اتصال هاتفي من دمشق، لحضور مجلس الفاتحة الذي التأم في المزّة في مقر المنتدى العربي. وكانت الدولة السورية كلّها قد استنفرت لحضور مجلس الفاتحة، ولم أشهد في حياتي لا في داخل العراق ولا في خارجه حضورًا عفويًا متدفقًا ودون انقطاع لكتل بشرية مجتمعة ومتفرّقة، تلك التي جاءت لتقديم واجب العزاء، مثلما شاهدته في مجلس عزاء الجواهري.

 وبغض النظر عن أي اعتبار سياسي فإن ذلك كان دليل محبة خالصة وإن كانت بتوجيه أحيانًا، لكن ذلك لا يمنع الاندفاع الشعبي لحضور مجلس عزاء بهذا الحجم والضخامة والهيبة والبهاء، فالنقابات والاتحادات والجمعيات والأحزاب وقيادات المقاومة، ناهيك عن كبار المسؤولين، حضروا مجلس الفاتحة وبعضهم حضر لثلاثة أيام متتالية، وكان ذلك تقديرًا لرمز ثقافي وإبداعي عربي كبير.

وكم اكتظّت الندوة التي أقامها المركز الثقافي العراقي على روح الراحل بعد انتهاء مجلس الفاتحة، والتي تحدّث فيها هادي العلوي وكاتب السطور وأدارها الشاعر جمعة الحلفي على ما أتذكّر.

نستعيد اليوم وبعد ربع قرن على رحيل الجواهري “طائر العاصفة” كما أطلق عليه الشاعر عبد الوهاب البياتي في قصيدته التي يقول فيها:

ماذا أسمّيك وأنت المدى / وطائر العاصفة القدسي

علمًا بأن البياتي رحل هو الآخر في 3 آب/اغسطس 1999 ليدفن في دمشق أيضًا بالقرب من قبر ابن عربي، في حين دفن الجواهري في مقبرة قرب السيدة زينب بضواحي دمشق، والتي أطلق عليها “مقبرة الغرباء” ودفن بجوار السيد مصطفى جمال الدين الذي توفي في 22 تشرين الأول/أكتوبر 1996، وكانت والدتي نجاة حمود شعبان قد أوصت بدفنها في ذات المقبرة، حيث توفيت في 7 نيسان/أبريل العام 2007.

***

ظلّ الجواهري خارج حدود التصنيف التقليدية، لكونه شاعراً تجاوز مكانه وزمانه بنزعته الإنسانية وإبداعه المتميّز والعبقري، إنه جد المثقفين العراقيين ومرجعيتهم الثقافية.

(*) تنشر المقالة بالتزامن مع جريدة “القدس العربي”

Print Friendly, PDF & Email
عبد الحسين شعبان

أكاديمي، باحث ومفكر عراقي

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  عن رجل يمكن أن.. أحبه