الإنتفاضة الفلسطينية الثانية.. الإستشهاديون يفوقون الأحزمة الناسفة (99)

في كتابه "انهض واقتل اولا، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية"، يضع الكاتب رونين بيرغمان لهذا الفصل عنواناً مستعاراً من عبارة قالها احد قادة حركة حماس في زمن الإنتفاضة الفلسطينية الثانية: "مفجرون انتحاريون اكثر من الاحزمة الناسفة".

شكّلت الإنتفاضة الفلسطينية الثانية التي انطلقت عام 2000 ما وصفه قادة الاستخبارات “الإسرائيلية” حربا شاملة في الكيان، فبالاضافة الى العدد الكبير من القتلى والجرحى، شلّت الهجمات الانتحارية الاقتصاد “الإسرائيلي” ووضعته على شفير الانهيار، فانحسر منسوب الاستثمار الاجنبي واحجم السكان عن ارتياد المطاعم والملاهي وحتى عن ركوب الحافلات، واخذ الرعب والاحباط يتسلل الى الدوائر العسكرية والاستخبارية بعد ان كان حكرا على المدنيين ووقفت الاجهزة الامنية  عاجزة في مواجهة العدد الكبير من الانتحاريين.

يقول رونين بيرغمان، “حتى نهاية العام 2001 حبس جهاز “الشين بيت” نفسه في المواجهة الدائرة مع المنظمات الفلسطينية في اطار ملاحقة ما كان يعرف بـ”القنابل الموقوتة”، اي الاشخاص الذين إما يخططون لهجوم او على وشك تنفيذ هجوم او انهم متورطون بشكل مباشر في هذا السلوك – الشخص الذي يأمر ويجند المهاجمين الانتحاريين او صانعي القنابل مثلاً. وقد برزت مشاكل عدة في مقاربة الامر، اولها، تحديد الاهداف، وهذا ما عبّر عنه الناطق باسم حركة “حماس” بالقول “هناك مهاجمون انتحاريون اكثر من عدد الاحزمة الناسفة”. هؤلاء شبان صغار في العمر وكبار، متعلمون واميون، اناس ليس لديهم ما يخسرونه وآخرون لديهم عائلات كبيرة العدد. في البداية، كان هؤلاء المهاجمون من الذكور الناضجين ولكن لاحقاً شجع قادة “حماس” النساء والأطفال أيضاً على التضحية بأنفسهم”.

يتابع الكاتب ان النجاح في تحديد المهاجم “لا يعني بالضرورة توقيف الهجوم، فاجهزة المراقبة الالكترونية ومكاتب الضباط والمترجمين والمحللين الاستخباريين والتقنيين، كل هؤلاء بامكانهم تتبع الهجوم من اللحظة التي “ينطلق فيها” – بحسب اللغة الاحترافية للجهاز – وصولا الى “تقريبا لحظة الانفجار”، ولكن كل هؤلاء لا يمكنهم ان يوقفوا الهجوم لانه لم يكن باستطاعة “إسرائيل” ان تنفذ عمليات مكشوفة في الاراضي الفلسطينية المعادية، وفي الوقت الذي يصل فيه المهاجم الى الاراضي “الإسرائيلية” يكون الوقت قد فات على فعل اي شيء. وقد كان يحصل الكثير من الانهيارات العصبية بين ضباط المكتب والمراقبين في تلك الفترة، ففي احدى المرات، تعقبت ضابطة في مايو/ايار عام 2001 هجوماً على سوق في مستعمرة ناتانيا وفعّلت كل النظم من اجل وقفه، ولكن المهاجم تمكن من دخول الاراضي “الإسرائيلية” من دون ان يتم تحديد مكانه حتى تمكن من تفجير نفسه وقتل خمسة مدنيين، بحسب ما يقول رئيس جهاز “الشين بيت” حينذاك آفي ديتشر. يضيف أن هذه الضابطة جلست في مكتبها تبكي واجهزة التلفزة من حولها تبث مشاهد عن الجثث التي يتم انتشالها، ولكن في غضون ذلك اتى انذار آخر فما كان عليها الا ان تمسح دموعها وتواصل عملها”.

وبما ان تحديد المفجرين الانتحاريين لم يكن فعالاً، يقول بيرغمان، فقد قرر آفي ديتشر تغيير التركيز في العمل، “وبدءاً من نهاية العام 2001 بدأت “إسرائيل” تستهدف “البنى التحتية للقنابل الموقوتة” الذين يقفون خلف الهجوم. فالشخص الذي يُفجّر نفسه أو يزرع العبوة او يكبس زر التفجير، كان في النهاية، وبصورة عامة الحلقة الاخيرة في سلسلة طويلة، فقبله كان من يجند ومن ينقل ومن يؤمن الاسلحة بالاضافة الى الذي يؤمن البيوت الآمنة والذي يُهرّب الأموال – وهؤلاء كلهم يُشكلون منظمة غير مرئية من القادة والخلايا المناطقية الذين يكون فوقهم القادة العسكريون الاساسيون، وهؤلاء يكونوا مساعدين للقادة السياسيين في المنظمات. كل هؤلاء ينبغي ان يكونوا اهدافا بحسب التخطيط الجديد لديتشر، وبات حكم الاعدام معلقا فوق رؤوس كل نشطاء الجناح العسكري لحركة “حماس”، المعروف باسم “كتائب عز الدين القسام”، بالاضافة الى حركة الجهاد الاسلامي”.

وينقل رونين بيرغمان عن احد كبار ضباط “الشين بيت” حينها ايزحاك ايلان، الذي اصبح لاحقا نائب رئيس الجهاز قوله عن السياسة الجديدة “انها ستجعلهم يتيقنوا سريعاً ان لا احد منهم – من مسؤول المنطقة الى سائق التاكسي والمصور الذي يصور رسالة الوداع المتلفزة للمهاجم الانتحاري – محصناً من القتل”.

يتابع بيرغمان ان استهداف المهاجمين الانتحاريين “لم يكن مجدياً، فهؤلاء بحسب تعريفهم كان بالامكان الاستغناء عنهم وبالامكان استبدالهم بسهولة بينما الاشخاص الذين قاموا بتهيئتهم وتنظيمهم وارسالهم لم يكونوا كذلك. الاخيرون لم يكونوا، كقاعدة عامة، تواقون للشهادة مثل الذين تم تجنيدهم، ورأت اجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية” انه كان هناك حوالي 300 شخص متورطين في تنظيم التفجيرات الانتحارية ولا يوجد اكثر من 500 ناشط بين كل المنظمات والمجموعات “الارهابية” مجتمعة. لا يعني ذلك قتل كل هؤلاء، بحسب ديتشر الذي ينقل عنه الكاتب شرحه للجنة الدفاع والشؤون الخارجية في الكنيست بالقول “ان الارهاب كبرميل له قعر، انت لا تحتاج الى ان تصل الى اخر ارهابي لوقف الارهاب، اذ يكفي ان تصل الى الكتلة الحساسة وتضعها عند حدها”.

إقرأ على موقع 180  تل أبيب وإغتيال فخري زاده: تغيير قواعد اللعبة

وبحسب بيرغمان، “طوّرت ادارة “تطوير الاسلحة والبنى التحتية التكنولوجية” في وزارة الدفاع نموذجا رياضيا لتحديد الكمية “المتوفرة” او احتياط القوة  البشرية في حركة “حماس” فجاءت النتيجة بانه اذا تم تحييد (قتل او اعتقال) 20 الى 25 بالمئة من المنظمة فانها ستنهار، وبحسب قول رئيس هذه الادارة بن يزرائيل “المثال البسيط لذلك هو السيارة”.

وينقل بيرغمان عن ايزحاك ايلان قوله “بالطبع، من يتم اغتياله سوف يُستبدل بسرعة بالذي خلفه في سلسلة القيادة، ولكن مع الوقت فان معدل العمر سينخفض كما ينخفض مستوى الخبرة كلما اخذ من يتولون الامر يصبحون اصغر واصغر في العمر”، ويتابع “في احد الايام احضر مسؤول حركة الجهاد الاسلامي في جنين الى غرفة التحقيق، وهو بالصدفة وقع في اسرنا بدلا من ان يقتل، كنت سعيدا عندما عرفت ان عمره 19 سنة، لاني عرفت اننا نربح اذ اننا قضينا على السلسلة كلها التي سبقته في المسؤولية”.

“الآن وبعد ان تم تطوير استراتيجية متماسكة بات من الواجب معرفة كيفية ايجاد الاهداف المناسبة وقتلها، يقول بيرغمان، وقد اعلم جهاز “الشين بيت” رئيس الوزراء أرييل شارون بالامر، واخذا بعين الاعتبار عدد عمليات الاغتيال المطلوب تنفيذها كان لا بد من وضع كل مصادر دولة إسرائيل المناسبة لذلك تحت تصرف هذه الاستراتيجية”.

يتابع بيرغمان، “لقد اعتاد فلسطينيو الاراضي المحتلة لوقت طويل ان يشاهدوا المُسيّرات تئز في سمائهم ويقول موشيه يعالون، نائب رئيس الاركان حينها، “كانوا يطيرون هنا وهناك طوال الوقت” وكانت هذه المُسيّرات تجمع المعلومات الاستخبارية عبر كاميراتها العالية الجودة، ويتابع يعالون “تماما كالشمس والقمر كان هناك المُسيّرات مع الضجيج”. ولكن معظم المدنيين، من العرب و”الإسرائيليين”، لم يواكبوا المدى الذي بلغه التطور التكنولوجي للمُسيّرات في العقود التي مرت منذ ان استخدمتها “إسرائيل” للمرة الاولى، فقد باتوا الان اكبر وبامكانهم البقاء في الجو لفترة اطول (وصولا الى 48 ساعة متواصلة) وباتوا يحملون عدسات متطورة وحمولات اثقل قد تصل الى صاروخ موجه بدقة بوزن طن واحد”..

في تمرين يحاكي الحرب مع سوريا في اغسطس/آب 2001، يقول رونين بيرغمان، ان الجيش “الإسرائيلي” وجد ان باستطاعة هذه المُسيّرات ان تحارب بصورة فعالة ما كان يعتبر حتى ذلك الوقت التحدي العسكري الاكبر له – ترسانة الدبابات الكبيرة التي يملكها الجيش السوري والتي كانت تبلغ عدة الاف – ويقول يعالون لقد “بات لدينا الان قنابل اكثر مما كان هناك اهداف في كل الشرق الاوسط”. تماما كما الولايات المتحدة الامريكية في حرب عاصفة الصحراء وفي حرب البلقان كان باستطاعة “إسرائيل” ان تخوض حربا عن بعد ولكن بفارق ان “إسرائيل” كانت حينها تملك قدرات اكثر تطورا من تلك التي كانت موجودة في الولايات المتحدة، ليس فقط بامتلاكها اسلحة عالية الدقة كتلك الصواريخ الموجهة بل ايضا الطائرات التي بامكانها الوصول الى مقربة من اهدافها ولديها احتمال مقبول وعال جدا لان تصيبها، لان المُسيّرات تستطيع ان تُكيف نفسها خلال الطيران وفقا لحركة الاهداف”.

كان الجيش “الإسرائيلي” ومعه سلاح الجو، كما يقول بيرغمان، يفضلان الاحتفاظ بسرية القدرات التي يملكانها بانتظار الحرب الشاملة، ولكن عندما احتج الجيش على طلب شارون استخدام المُسيّرات ضد اهداف بشرية وبالتالي كشفها للفلسطينيين ضرب رئيس الوزراء يده على الطاولة وينقل عنه ياووف جالانت قوله انه “قرر ان هذا النظام من الاسلحة يجب استخدامه ضد العدو الراهن بدلا من ابقائه على الرف بانتظار حصول الحرب التي صنع لأجلها والتي لم تكن واقعة”.

Print Friendly, PDF & Email
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
free online course
إقرأ على موقع 180  مع الرد الإيراني.. هل يُكمل نتنياهو الصعود إلى الهاوية؟