“الموساد” يرفع نقاطه.. “منع إيران من بناء قنبلة ذرية” (125)

في الحلقات السابقة من كتاب "انهض واقتل أولاً"، قدّم الكاتب رونين بيرغمان رواية الأجهزة "الإسرائيلية" لتدمير المفاعل النووي السوري واغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية، ثم اغتيال الجنرال السوري محمد سليمان. وفي ختام هذا الفصل بعنوان "قتل موريس"، يُصوّر الكاتب جهاز "الموساد" بأنه أصبح في عهد رئيسه مائير داغان "جهازاً أسطورياً"!.

بعد اغتيال الضباط السوري الكبير الجنرال محمد سليمان في منزله الصيفي في ساحل مدينة طرطوس، يقول رونين بيرغمان إن مائير داغان “أصبح الآن رئيساً لجهاز موساد مختلف عن ذلك الذي ورثه قبل ستة أعوام والذي كان خجولاً ومتوتراً بسبب اخفاقاته وعملياته المليئة بالأخطاء، فموساد داغان تمكن من اختراق حزب الله و”جيش الظل” للجنرال سليمان، واعتراض نقل الأسلحة والتقنيات المتطورة وقتل نشطاء في “جبهة التشدد”، حتى أنه تمكن من قتل عماد مغنية الذي بقي لزمن طويل متخفياً بالرغم من البحث الدؤوب عنه. كما طوّر داغان خطة لوقف الطموحات النووية لإيران، والتي أثبتت مع سيرها أنها ناجحة بشكل كبير وكانت تعتمد على خمسة تشعبات: ضغط دبلوماسي قوي، عقوبات اقتصادية، دعم الأقليات الإيرانية والمجموعات المعارضة لقلب نظام الحكم، اعتراض تدفق المعدات والمواد الخام للبرنامج النووي وأخيراً عمليات سرية تتضمن تخريب المنشآت وقتل الأشخاص الأساسيين في البرنامج النووي الإيراني”.

وينقل الكاتب عن مائير داغان أن جوهر الجهود الموجهة ضد إيران تتمثل في تنفيذ “سلسلة من العمليات الدقيقة تؤدي إلى تغيير الواقع” لأطول وقت ممكن بحيث يمنع إيران من بناء قنبلة ذرية. فإما تؤدي العقوبات إلى أزمة إقتصادية تُجبر قادة إيران على وقف البرنامج النووي أو أن الأحزاب الإيرانية المعارضة تصبح من القوة بما يسمح لها بإسقاط الحكومة. ولدعم هذه الجهود، حصل تعاون أمني رسمي رباعي موثق باتفاقية بين الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ورئيس الحكومة “الإسرائيلية” إيهود أولمرت هدفها توحيد الجهود بين جهازي الاستخبارات الامريكية (سي آي ايه CIA وان اس ايه NSA) من جهة وجهازي الاستخبارات “الإسرائيلية” الموساد وأمان من جهة أخرى بما يسمح لهذه الاجهزة الأربعة كشف كل مصادرها وطرق عملها المتوفرة أمام بعضها البعض (وبحسب ما قال احد مساعدي أولمرت في وصفه لهذا الاتفاق فإنه عبارة عن “عملية تعرٍ مشتركة كاملة Total mutual striptease”)”.

في اجتماع كان مُخصصاً لإقرار عملية ما في مكتب مائير داغان وقفت ضابطة استخبارات تعمل بأمرة نائب المدير تامير باردو وقالت إن والدها كان من كبار العلماء في البرنامج النووي “الإسرائيلي”، وأضافت أنه مع المضي بهذا التفكير المنتشر هنا “فإن والدي سيُصبح هدفاً مشروعاً للتصفية. أعتقد أن هذا الأمر غير أخلاقي وغير قانوني”

ويضيف بيرغمان أن وكالة الإستخبارات الأمريكية ووزارة الخزانة الأمريكية جنباً إلى جنب مع وحدة “الرمح” في “الموساد” شنّوا حملة شاملة لاطلاق تدابير اقتصادية تهدف لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، فأطلق البلدان أكبر جهد ممكن لتحديد عمليات الشراء الإيرانية للمعدات المخصصة لهذا البرنامج، وبالأخص تلك التي لا تستطيع إيران تصنيعها، وذلك من أجل منع وصول هذه المعدات إلى الداخل الإيراني، وقد استمر ذلك طوال فترة وجود الرئيس بوش في منصبه وحتى خلال مرحلة وجود الرئيس باراك أوباما، لكن الإيرانيين كانوا عنيدين، يقول الكاتب، ويضيف أنه في يونيو/حزيران 2009 بالتنسيق مع الاستخبارات الأمريكية والفرنسية تم اكتشاف أن الإيرانيين قد بنوا منشأة سرية أخرى لتخصيب اليورانيوم في مدينة قم. فكان الرد العلني على ذلك بأن أعلن أوباما إدانته للأمر، مع حزمة إضافية من العقوبات الإقتصادية القاسية، ولكن الرد السري تمثل بتنفيذ عمليات تخريب مشتركة للمشروع النووي (توقفت حواسيب فجأة عن العمل واحترقت محولات وتوقفت أجهزة طرد مركزي عن العمل إلخ..). وفي أكبر وأهم عملية أمريكية “إسرائيلية” مشتركة ضد إيران تم دس فيروسات كومبيوترية تسمى “الألعاب الأولمبية” وأحدها كان يعرف باسم “ستاكسنت” (Stuxnet)، وقد تسبب ذلك بضرر بالغ لمعدات تخصيب اليورانيوم في المشروع النووي الإيراني.

ويتابع الكاتب أن آخر مكونات خطة داغان ـ أي القتل المتعمد للعلماء الإيرانيين ـ تم تنفيذها بجهود “الموساد” وحده، فقد كان داغان يعلم أن الولايات المتحدة لن توافق على المشاركة في هذا الشق من الخطة. لذلك، قام “الموساد” بإعداد لائحة أهداف للتصفية تضمنت 15 إسماً لأبرز الباحثين الإيرانيين ومعظمهم أعضاء في “مجموعة الأسلحة”.

في 14 يناير/كانون الثاني عام 2007، وحسب رواية رونين بيرغمان، “توفي الدكتور أردشير حسينبور (44 عاماً) وهو عالم نووي يعمل في منشأة أصفهان لليورانيوم وذلك في ظروف غامضة. وجاء في الإعلان الرسمي عن وفاته أنه اختنق “جراء تسرب في الغاز” ولكن الإستخبارات الإيرانية كانت مقتنعة أنه كان ضحية عملية “إسرائيلية”. وفي 12 يناير/كانون الثاني 2010 وعند الساعة الثامنة وعشر دقائق صباحاً، غادر مسعود علي محمدي منزله في الضاحية الشمالية لطهران، وهي منطقة يعيش فيها أثرياء المدينة، وتوجه إلى سيارته. وكان علي محمدي قد حاز عام 1992 على شهادة دكتوراه في الفيزياء الجزئية الأولية من جامعة شريف للتكنولوجيا، لينضم بعدها إلى المشروع النووي ويصبح واحداً من كبار العلماء فيه. وما أن فتح علي محمدي باب السيارة حتى انفجرت عبوة ناسفة كانت موضوعة في دراجة نارية على مقربة منها، ما أدى إلى مقتله على الفور”.

إقرأ على موقع 180  حرب أوكرانيا.. هل آن أوان إستراحة المحاربين؟

لم تمر عمليات قتل العلماء الإيرانيين من دون إثارة نقاش داخلي في “الموساد”، ففي اجتماع كان مُخصصاً لإقرار عملية ما في مكتب مائير داغان وقفت ضابطة استخبارات تعمل بأمرة نائب المدير تامير باردو وقالت إن والدها كان من كبار العلماء في البرنامج النووي “الإسرائيلي”، وأضافت أنه مع المضي بهذا التفكير المنتشر هنا “فإن والدي سيُصبح هدفاً مشروعاً للتصفية. أعتقد أن هذا الأمر غير أخلاقي وغير قانوني”، ولكن كل تلك الاحتجاجات تم اسقاطها!

يتابع الكاتب رونين بيرغمان أن الإيرانيين “كانوا أكيدين أن أحداً ما كان يقتل علماءهم فأخذوا يحرسونهم بشدة وبالأخص رئيس “مجموعة الأسلحة” محسن فخري زاده الذي كان يُعتبر “دماغ البرنامج النووي الإيراني”، فنشر الإيرانيون سيارات شرطة حول منازل العلماء، ما جعل حياتهم كابوساً تسبب لهم ولعائلاتهم بقلق بالغ. كما كان لسلسلة العمليات تلك تأثير آخر؛ تأثير لم تبادر “إسرائيل” مباشرة لصنعه بل جاء في النهاية ليخدم مصالحها، فكل عضو في “جبهة التشدد” بدأ يخشى أن تكون “إسرائيل” قد اخترقت صفوفه وهكذا بدأ يبذل جهوداً كبيرة لتحديد مصدر التسريب ومحاولة حماية طواقم عمله من “الموساد”. وأصبح الإيرانيون أيضاً مرتابين من أن تكون المعدات والآلات التي استحوذوا عليها من السوق السوداء لبرنامجهم النووي ـ مقابل مبالغ مالية ضخمة ـ قد جرى تلويثها فقاموا بفحصها وإعادة فحصها قطعة قطعة مراراً وتكراراً، وقد أدت هذه الجهود إلى إبطاء نواح عديدة من البرنامج النووي بشكل كبير، وحتى أنها أدت إلى وقف بعضها.

ويختم الكاتب هذا الفصل من كتابه قائلاً “إن الموساد بقيادة داغان عاد مرة أخرى ليصبح الموساد ـ الأسطورة؛ الجهاز الذي كان تاريخياً إما محل خوف أو محل اعجاب ولكنه لم يكن يوماً محل تجاهل. وأصبح عناصره فخورين بالخدمة في صفوفه. لقد أعاد داغان الجرأة إلى الجهاز الذي كان سيكون مجرد جهاز متبجح لو لم يُصبح فعّالاً بشكل كامل وصارخ في زمنه”، يقول بيرغمان.

Print Friendly, PDF & Email
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "خوذ بيضاء" وأعلام صفراء... نهاية حملة "جيرة حسنة"