في الاصطلاح السياسي يعني الاغتيال السياسي Political Assassination ظاهرة استخدام العنف والتصفية الجسدية بحق شخصيات سياسية كأسلوب من أساليب العمل والصراع السياسي ضد الخصوم، بهدف خدمة اتجاه أو غرض سياسي.
هذه الظاهرة تاريخية ولكنها تبقى مرذولة ومرفوضة دينياً وسياسياً واجتماعياً. ليس لبنان الوحيد بين الدول التي شكل الاغتيال أحد الأدوات التي استخدمت لأهداف سياسية، فهنالك اغتيالات انتجت تداعيات دولية وبينها الاشهر على الاطلاق اغتيال ولي عهد النمسا فرنتس فردينان في 28 حزيران/يونيو 1914 في سراييفو وأدى الى إعلان النمسا الحرب على صربيا ومن ثم إندلاع الحرب العالمية الأولى. هكذا إغتيالات غيّرت مجرى تاريخ العالم وحتماً كان الإغتيال بمثابة شرارة ليس إلا. هناك اغتيالات جاءت في سياق الصراعات الداخلية لدول معينة وكانت تداعياتها كبيرة على حياة ومصير جماعة او منطقة أو بلد بأسره.
أكدت جميع المعاهدات والقوانين الدولية والوطنية حرمة اللجوء إلـى عمليـات الاغتيـال السياسي، وورد ذلك في اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب الموقعة في 12 آب/أغسطس 1949، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الموقع فـي 10 كـانون الأول/ديسمبر 1948، والميثاق العربي لحقوق الإنسان للعام 1945، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في 16 كانون الأول/ديسمبر 1966، وغيرهـا الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التـي حظّرت أسلوب الاغتيال لما له من خطورة على الأمن والسلم الوطنيين والدوليين.
وتُعتبر الاغتيالات، ولا سيما التي لا يُكشف ولا يُحاسب مخططوها ومنفذوها، الأخطر بسبب غياب القوة الرادعة والمانعة لتكرارها، فيعم الخوف والترهيب في المجتمع ضد كل تغيير أو رأي مختلف مع تلك القوى التي اتخذت من الاغتيال وسيلة لالغاء الآخر.
لقد شرع النواب التغييريون في مناقشة مواصفات رئيس الجمهورية المقبل، فلماذا لا تكون قضية مواجهة “الاغتيال السياسي” إحدى تلك القضايا التي يجب ان يتبناها ويعمل بها أي مرشح رئاسي تتبناه هذه القوى، سعياً إلى مكافحة أخطر ظاهرة دموية إجرامية في حياتنا السياسية
ماذا عن لبنان؟
في لبنان، نشرت شركة “الدولية للمعلومات” بتاريخ 18 شباط/فبراير 2021 دراسة أكدت فيها أن لبنان شهد 220 عملية اغتيال ومحاولة اغتيال منذ 1943 حتى 2021، وفي أغلبها لم يُكشف عن الفاعل وكلها لم تصل إلى محاسبة الفاعل. وصنفت الدراسة 125 اغتيالاً كالتالي: 19 صحافياً، 18 رجل دين، 24 رجل سياسة، 39 حزبياً، 4 عسكريين، 17 دبلوماسياً وسياسياً وعسكرياً من عرب وأجانب. يضاف اليها 95 محاولة اغتيال.
لماذا إثارة الاغتيالات الآن؟
يشهد لبنان منذ 17 تشرين/أكتوبر 2019 مساراً يهدف إلى إحداث تغيير وازن في الحياة السياسية اللبنانية، غير أن إنتفاضة الشعب اللبناني جُوبهت بكثير من التخوين والعنف وكانت مباشرة على الشاشات ومعروف فيها الفاعل!. وذلك كان لحظة طرح شعار “حصرية السلاح في يد الدولة” كأحد المطالب التغييرية.
اختفى هذا المطلب مع الوقت، بغض النظر عن التبريرات والصيغ التي لجأ إليها المعنيون في الحراك لتحديد الأولويات بين المطالب وتقدير المٌلِح والاكثر الحاحاً، النتيجة أنه غاب هذا المطلب كلياً!.
هل تأثرت الانتفاضة بتداعيات ظاهرة الاغتيال المتجذرة في لبنان؟
لقد إتهم كثيرون حزب الله بالوقوف وراء آلة القتل. حصل ذلك في صلب إنقسام لبنان بين معسكري 8 و14 آذار. إلا أن الحديث عن مواجهة الاغتيال السياسي كظاهرة مؤثرة في الحياة السياسية اللبنانية لا ينحصر في فريق دون آخر، فالاغتيالات الاسرائيلية التي تتعرض لها شخصيات محسوبة على مشروع حزب الله أيضا هي من ضمن الأعمال المرذولة وهي في نفس الخانة من الرفض فالمبدأ واحد غير قابل للقسمة ولا يخضع، بالمنطق الوطني، للتمييز بين إغتيال وآخر.
لماذا لا تكون مواجهة ظاهرة الاغتيال السياسي في صلب القضايا الاصلاحية التغييرية في لبنان؟
لقد شرع النواب التغييريون في مناقشة مواصفات رئيس الجمهورية المقبل، فلماذا لا تكون قضية مواجهة “الاغتيال السياسي” إحدى تلك القضايا التي يجب ان يتبناها ويعمل بها أي مرشح رئاسي تتبناه هذه القوى، سعياً إلى مكافحة أخطر ظاهرة دموية إجرامية في حياتنا السياسية، استخدمت اما لتطويع الخصوم أو الغائهم وبالتالي الغاء آرائهم ومشروعهم.
إن المواجهة المؤجلة مع هذا النمط من السلوك السياسي المشبع بالخوف والتخويف الى حدود التصفية والالغاء يجب أن يتوقف.
الا يستحق هذا الواقع التغيير؟
لا شك أن التغيير في المجالات الحياتية التي ترتبط بيوميات المواطنين مسألة ضرورية وأساسية، الا أن وضع حد للاغتيال في حياتنا السياسية ليس بالأمر العابر.
إن الاغتيال السياسي هو نقيض السياسة، فالسياسة لا تكون إلا مدنية، وتقتضي بالضرورة اعتماد الحوار ومنطق الإقناع والقبول بالآخر، اما القصد من الإغتيال فهو كسر الوعي واخضاعه لإرادة الأقوى.