“عموماً، حين يكون هناك موضوع استراتيجي حاسم، فإنه يستغرق أعواماً حتى ينضج وتقوم الأطر الرسمية والسياسية بتطوير المواقف إزاءه، بالتدريج، وعموماً، يتحول إلى موضوع “مثير للخلافات”.
في موضوع الحدود البحرية، ومع إطلاق العمل في حقل كاريش، وفي حقول أُخرى، قيل إن جزءاً منها على الأقل موجود داخل المياه اللبنانية، لم تكن المنظومة الإسرائيلية مستعدة في الوقت الملائم، على صعيد الوعي. هذه المسألة ولّدت مشكلة في العامين الأخيرين، وخصوصاً في فترة حكومة بينت-لابيد. في البداية، بات معروفاً أن إدارة بايدن سحبت تأييدها لمشروع خط أنبوب الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا EASTMED، هذا المشروع الذي تشارك فيه إسرائيل واليونان وقبرص. بعدها بدأت وساطة الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين الذي لم يُسمع عنه شيء قبل أن يبدأ بالشرح للإسرائيليين، بلسان إدارة جو بايدن، ماذا يجب على إسرائيل أن تفعله مع غازها وكيف تصدِّره.
يقول د. دوري غولد، المدير السابق لمركز القدس للشؤون العامة والسياسة: “المفاوضات على الحدود البحرية وحقول الغاز هي جزء من المفاوضات، ومن المواجهة مع إيران”. ومن المعروف أن الجزء الأخير من المحادثة الهاتفية التاريخية القصيرة التي جرت بين الرئيس الأميركي جو بايدن وبين رئيس حكومة تصريف الأعمال يائير لابيد خُصِّص للتوجيهات الأميركية: يجب عليكم إنهاء موضوع الحدود البحرية مع لبنان فوراً. ما هو مقدار الابتزاز الذي يستطيع الإيرانيون استخدامه بواسطة كيلوغرامات اليورانيوم المخصب؟
وكما كشف أريئيل كهانا في هذه الصحيفة هذا الأسبوع، لا يمكن تخطّي موافقة البرلمان الضرورية عندما يتعلق الموضوع بتغيير الحدود. وزير الدفاع واثق بالتوصل إلى اتفاق، وحزب الله سيقول إن هذا حدث بفضله. لكن إذا أخذنا في الاعتبار طبيعة الهجوم الذي نفّذه حزب الله ضد منصة كاريش، فإن في إمكان الحزب أن يتوقع رداً إسرائيلياً فاتراً، وإسرائيل ستحتوي الوضع
عشية الخطاب الذي سيُلقيه لابيد في الأمم المتحدة، قال غولد: “موضوع الحدود البحرية وتهديدات حزب الله بمهاجمة منصة كاريش، يجب أن يكونا محور خطاب لابيد. ويجب عليه أن يطرح الموضوع على الأجندة الدولية. فهذه هي تهديدات إيران ضد تزويد أوروبا بالغاز. والعنوان الذي يجب أن تُرسَل إليه الرسالة الإسرائيلية هو دول، مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا التي تعاني جرّاء وقف تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا”. وسيحظى مثل هذه الرسالة الإسرائيلية بتأييد دولي لمصلحة إسرائيل، في حال انتقلت المشكلة إلى المجال العسكري. وما ينطبق على الحدود البرية ينطبق أيضاً على الحدود البحرية الإسرائيلية.
طريقة تصرُّف لابيد غير منفصلة عن نهجه الخاطئ بشأن سياسة “الغرف المغلقة” إزاء الاتفاق النووي الإيراني، وكذلك بشأن طريقة تعامُله مع خطة الغاز الإسرائيلي بأكملها. قبل بضعة أعوام، تحدث لابيد عن إلغاء خطة الغاز. ثم تراجع عن ذلك. ما سبب معارضته لها؟ حتى الآن، لم يتضح الأمر. عندما استلمت وزيرة الطاقة في حكومته كارن ألهرار منصبها تحدثت عن طاقة خضراء نظيفة، وأعلنت وقف إعطاء تراخيص التنقيب عن الغاز. ومثل هذه الخطوات الحكومية يرسل تلميحات إلى السوق العالمية.
ثمة انطباع أنه كما في موضوع العداء للسامية والموضوع النووي الإيراني، يتصرف لابيد وفق سياسة الإدارة الديمقراطية. والتداعيات الإسرائيلية حيال الإملاءات الأميركية، يجري التعبير عنها حتى على خط التماس، مع إحياء الخط الأخضر العائد إلى سنة 1967. موجة الهجمات تتركز على المعابر الحدودية، والجنود المتمركزون في المواقع اعتقلوا هذا الأسبوع مسلحين يبدو أنهم خافوا من إطلاق النار.
في الموضوع اللبناني، وكما كشف أريئيل كهانا في هذه الصحيفة هذا الأسبوع، لا يمكن تخطّي موافقة البرلمان الضرورية عندما يتعلق الموضوع بتغيير الحدود. وزير الدفاع واثق بالتوصل إلى اتفاق، وحزب الله سيقول إن هذا حدث بفضله. لكن إذا أخذنا في الاعتبار طبيعة الهجوم الذي نفّذه حزب الله ضد منصة كاريش، فإن في إمكان الحزب أن يتوقع رداً إسرائيلياً فاتراً، وإسرائيل ستحتوي الوضع”.
(*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية