شارون يستثمر 11 أيلول.. بتشريع الإغتيالات دولياً (102)

يروي الكاتب رونين بيرغمان في هذا الفصل من كتابه "انهض واقتل اولاً، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية" كيف اطلقت تل أبيب حملة علاقات دولية عامة لتبرير "برنامج القتل المتعمد" (الإغتيال) من دون ان تجد آذاناً دولية صاغية، إلى أن حصل الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001.

يقول رونين بيرغمان، إن رئيس الوزراء “الإسرائيلي” آرييل شارون إحتفظ في ادراج مكتبه بكتيب كان يستنجد به لمشاركة محتوياته مع الدبلوماسيين الزائرين له. وكان شارون قد تلقى هذا الكتيب من الشرطة “الإسرائيلية” وتضمن صوراً لحافلة بعد دقائق قليلة من تعرضها لهجوم انتحاري نفذه “إرهابي” (فلسطيني) عندما فجّر نفسه داخل الحافلة. وتظهر الصور أجساداً مقطوعة الرؤوس وأطرافاً بشرية متناثرة في الحافلة، فيما التهمت النيران ملابس الضحايا لتظهر الأجساد مصبوغة باللونين الأخضر والازرق. وينقل بيرغمان عن دوف ويسغلاس، كبير مستشاري شارون وامين سره حينها قوله “عندما كان يأتي أحد هؤلاء الدبلوماسيين المزعجين لزيارتنا مرة ثانية ليتحدث عن تصفية هذا الإرهابي أو ذاك كان أريك (شارون) يُجبر هذا الشخص ان ينظر مُقلباً الملف صورة تلو الأخرى، وهو يراقب كيف كانت تتسع حدقات أعينهم لفظاعة المشاهد، ولم يكن يسمح لهم بأن يشيحوا بأنظارهم عن جسد محروق أو رقبة بلا رأس، وما أن ينتهي كان يسأل بهدوء أخبرني الآن هل أنت مستعد لمثل هكذا أمور في بلادك”؟

يضيف بيرغمان أنه “لأجل تجهيز شارون بمزيد من المواد لإبرازها أمام الدبلوماسيين الزائرين، احضر مساعدو ويسغلاس صوراً من وكالة الصحافة الفلسطينية تظهر عرباً يتم اعدامهم للاشتباه بتعاملهم مع “إسرائيل”. البعض من هؤلاء كانوا في الحقيقة عملاء لجهاز الشين بيت والبعض الاخر كانوا مجرد ضحايا لعمليات تصفية حسابات داخلية. وكان عدد قليل من الاعدامات المصورة قد تم تنفيذها على يد محمد طبوة، وهو قائد مجموعة مسلحة محلية كان يُطلق عليه لقب “هتلر” بسبب “همجيته”. ويقول ويسغلاس “كان (طبوة) يطلق النار عليهم وكأنهم كلاب فيما كانت مجموعة من الغوغائيين القتلة تتجمع حوله. كان الفلسطينيون يبدون وكأنهم مجموعة من الغوغاء المهووسين بالفوضى”.

ينقل بيرغمان عن مستشار شارون للشؤون الخارجية شالوم تورجمان قوله “شعر شارون وكأنه فوق الغيم، ومع كل شكوكه وسخريته، لم يستطع سوى ان يتأثر بهذه المعاملة وعرف ان الاميركيين يريدون ان يعملوا معه”

وبطبيعة الحال لم يكن شارون يشارك ضيوفه بالهجمات “الإسرائيلية” التي كانت تعقب ذلك، ويقول بيرغمان إن كل استعراضات شارون المرئية “لم تغير في الامر شيئاً؛ فقد واصل باقي العالم انتقاداته لبرنامج القتل المتعمد وانتقاداته لسياسة شارون الإستيطانية.. حتى أن الولايات المتحدة اعتبرت ان سياسة القتل المتعمد غير شرعية “ان لم نقل جريمة حرب”، كما اعتبرت ان توسيع المستوطنات استفزاز لا حاجة له”.

رفض شارون هذه الادعاءات الخارجية، يقول بيرغمان، ويضيف نقلاً عن شارون ادعاءه “مشكلتي هي أنني ولدت قبل وقت طويل حتى قبل ان تولدوا أنتم جميعاً. نعم انا أتذكر الآلاف من اليهود الذين قتلوا على ايدي العرب قبل الاحتلال، لا يوجد أي رابط بين الامرين”. ومع ذلك، فقد اعتبر انه لا بد من التوصل الى نوع من الاتفاق مع الولايات المتحدة. وينقل بيرغمان عن شارون قوله “إن كان هناك من شيء تعلمته من تلك الفترة (في إشارة الى فترة توليه رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع) فهو أن لا تدخل ابداً في صراع مع الأميركيين”.

ويتابع بيرغمان، “لحسن الحظ، فان شارون كان قد اقام علاقة مع الرئيس جورج دبليو بوش الذي تولى منصبه تقريباً في الوقت نفسه الذي تولى فيه منصبه كرئيس للحكومة، وكان بوش قد زار “إسرائيل” في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1998 بعد وقت قصير من انتخابه حاكماً لولاية تكساس (منصب شكّل حجر الأساس في رحلته السياسية إلى البيت الأبيض)، وكانت الزيارة مُنظمة من قبل رجال أعمال يهود جمهوريين في تكساس. في ذلك الوقت، كان شارون لا يزال منبوذاً سياسياً، ولكنه مع ذلك فقد جال البلاد مع الحاكم بوش بطائرة هليكوبتر، وقدم شارون خلال هذه الرحلة محاضرة عن التهديدات الأمنية التي تواجه “إسرائيل”، وقام بتسلية ضيفه بقصص مغامراته العسكرية، وفي نهاية تلك الزيارة كان بوش مقتنعاً بأن “شارون رجل بالإمكان الوثوق به”، بحسب فِريْد زايدمان، احد الأشخاص الذين نظموا رحلة بوش، وأضاف ان الحاكم كان متأثراً كثيراً بهذه الجولة وردّد لاحقاً “كشخص من تكساس، من الصعب أن أصدق كم هو قليل عدد سكان هذا البلد الصغير الواقع على مدى تاريخه بين خطوط العدو ومراكز سكانية كبيرة”.

بعد عامين ونصف العام من هذه الزيارة وبعد انتصاره الساحق في الانتخابات الأميركية، سافر شارون الى واشنطن. تبلغ مساعدو بوش من زملائهم “الإسرائيليين” كم كان شارون متشككاً بالولايات المتحدة وكم شعر بالأذية من موقفها تجاهه شخصياً في العقدين السابقين. إطلع الرئيس بوش على التقارير وامر بفعل كل شيء لجعل شارون يشعر انه مرحبٌ به، فتم تنظيم لقاءات له مع مسؤولي الإدارة واستضافة رئاسية في “بلير هاوس” تضمنت استعراض حرس الشرف وإطلاق واحد وعشرين طلقة تحية. وينقل بيرغمان عن مستشار شارون للشؤون الخارجية شالوم تورجمان قوله “شعر شارون وكأنه فوق الغيم، ومع كل شكوكه وسخريته، لم يستطع سوى ان يتأثر بهذه المعاملة وعرف ان الاميركيين يريدون ان يعملوا معه”. وهنا اقترح ويسغلاس على شارون فكرة قائلاً له “أريك، أي دعم وعلاقة دافئة وصداقة يمكنك ان تحظى بهم من الحكومة الاميركية في دورك كمحارب للإرهاب سوف تخبو عندما تضع فوق رأسك قبعة توسيع المستوطنات. وكلما أظهرت امتثالا للمطالب الاميركية في إيقاف مشروع المستوطنات، كلما تراخى الاميركيون في مواجهتك عندما يطال الموضوع التخلص من الأشخاص السيئين”.

إقرأ على موقع 180  كتاب بيرغمان: أدرك "الموساد" خطورة عرفات.. متأخراً (19)

وبضوء اخضر من شارون، أبرم ويسغلاس اتفاقاً سرياً مع مستشارة الامن القومي الأميركي كوندوليسا رايس ونائبها ستيفن هادلي، يقول بيرغمان، ويتضمن الاتفاق ان تقوم “إسرائيل” بتخفيض عمليات بناء مستوطنات جديدة في مقابل ان يدعم الاميركيون الحرب ضد الفلسطينيين وسياسة “إسرائيل” في القتل المتعمد. وينقل بيرغمان عن ويسغلاس قوله “من جهة، لم تعد اقسى التدابير التي نتخذها ضد الفلسطينيين تقابل أميركياً بالتوبيخ بل بالصمت او في بعض الأحيان بالتعبير الملزم عن الأسف اذا ما قتل أناس أبرياء في أي ضربة، ومن جهة ثانية، فان نشر أي شيء ولو كان صغيراً او حتى أي منشور هامشي لكاتب يميني عن خطة توسيع المستوطنات كانت تستدعي اتصالاً هاتفياً بي من كوندي (رايس) في الثالثة صباحاً لتصرخ بي. وفي اللحظة التي كان بوش يحصل فيها على تأكيد من ممثليه في “إسرائيل” والأراضي المحتلة بأن شارون ملتزم بكلمته فان التعاون الاستخباري والعملياتي بين البلدين كان يتعمق أكثر وبصورة ملحوظة”.

ينقل بيرغمان عن شارون قوله “إن كان هناك من شيء تعلمته من تلك الفترة (فترة توليه رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع) فهو أن لا تدخل ابداً في صراع مع الأميركيين”

يواصل بيرغمان، “في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول (2001)، صدم جهاديون طائرتين مخطتفتين ببرج التجارة العالمي في نيويورك فيما صدموا طائرة ثالثة بمبنى البنتاغون وتحطمت طائرة رابعة في أحد حقول بنسلفانيا بعدما تمكن المسافرون من السيطرة على الخاطفين”. وهنا ينقل بيرغمان عن اللواء غيورا آيلند رئيس مجلس الامن القومي “الإسرائيلي” قوله “بضربة واحدة، توقفت كل الشكاوى ضدنا وسقطت من جدول الاعمال الدولي”. كل شروحات “إسرائيل” للعالم على مدى عقود بشأن تدابيرها العنيفة أصبحت فجأة بلا ضرورة، ففي ذلك الوقت بدا ان الكل بات يفهم الامر. من جهته، شارون أمر كل أجهزة الاستخبارات بأن تُقدّم للأميركيين كل الملفات في “القزم الأزرق”، وهو الاسم السري لتطور عمل تنظيم “القاعدة” في السودان وكل المعلومات الاستخبارية المتعلقة بالتنظيم. وفي وقت لاحق، أمر جهاز “الشين بيت” والجيش “الإسرائيلي” بأن يشاركوا خبراتهم مع الضيوف الذين أتوا من الخارج “ليتعلموا من البلد الذي يملك أفضل برنامج لمحاربة الإرهاب في العالم”. وينقل بيرغمان عن يوفال ديسكين (رئيس جهاز “الشاباك”) الذي استضاف كبار الزوار قوله “لقد كان هناك طوف من الناس الذين أتوا إلينا”. وكان شارون قد أصدر تعليمات كجزء من علاقته ببوش “أن نُطلع (الاميركيين) على كل شيء وأن نعطيهم الكثير وأن نسمح لهم بالوصول الى أي مكان ومن ضمن ذلك الى غرفة الحرب المشتركة حتى في الوقت الذي تكون هذه الغرفة مشغولة في إدارة العمليات”. أكثر ما اثار دهشة الأميركيين، يقول بيرغمان، هو كيف كان يعمل نظام دمج الاغتيال لدى كل اذرع الاستخبارات وكيف طوّرت “إسرائيل” القدرات على تنفيذ عدد من العمليات بصورة متوازية، هذا النظام الذي كان محل ادانة قبل أسابيع فقط.. أصبح الآن نموذجاً قابلاً للنقل والتعميم (دولياً)”. باختصار، هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول “أعطت حربنا مشروعية دولية مطلقة وبات بإمكاننا أن نفك الحبال التي كبلتنا”، يقول يوفال ديسكين.. والرواية دائماً لرونين بيرغمان.

Print Friendly, PDF & Email
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  شارون وعرفات.. قصة مطاردة "السمكة المالحة" في بيروت (45)