“في غضون أقل من أسبوع، تحول التفاؤل الذي ساد القدس وبيروت وواشنطن، بشأن آفاق إتمام صفقة على الحدود البحرية الإسرائيلية اللبنانية، إلى تشاؤم لا يبشر بالخير. في 6 تشرين الأول/أكتوبر، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، تعليماته إلى جيش الدفاع الإسرائيلي بالاستعداد للتصعيد على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، بما في ذلك “الاستعداد الدفاعي والهجومي”.
على هذا النحو، وبدون أي سابق إنذار، تحولت بوادر السلام إلى طبول حرب. والسبب؟ ليست خلافات جوهرية بين الجانبين، ولا تغييراً جذرياً في شروط الصفقة الناشئة، ولكن سياسات شرق أوسطية بسيطة ومبتذلة.
على الجانب الإسرائيلي، يشن زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو وحلفاؤه حملة لترويج الخوف والأكاذيب بهدف ممارسة ضغط سياسي على رئيس الوزراء المؤقت، يائير لابيد، لمنعه من توقيع اتفاق مع لبنان قبل الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر.
على الجانب اللبناني، يحاول الأمين العام لحزب الله، (السيد) حسن نصرالله، الإبقاء على قبضته الخانقة على الاقتصاد اللبناني الفاشل، حتى يكون له الفضل في السماح للحكومة اللبنانية بالتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل وتسهيل وصول البلاد إلى ثرواتها الغازية على طول شواطئها، وللعمل مرة أخرى كمدافع عن البلاد إذا اندلعت حرب مع إسرائيل.
حتى قبل أسبوعين تقريباً، تبنى محللو المخابرات الإسرائيلية وجهة نظر متفائلة نسبياً بخصوص نوايا نصرالله. وأكد مسؤول أمني إسرائيلي كبير لـ”المونيتور” أن زعيم حزب الله “لا يريد حرباً، ولا يمكنه تحمل جولة قتال عنيف من شأنها أن تُضعف الدولة اللبنانية أكثر مما هي ضعيفة الآن”. وأضاف المسؤول الأمني أن نصرالله لا يزال يعاني من صدمة حرب تموز/يوليو 2006، والتي دفعته إلى الاختباء منذ ذلك الحين. والآن كل ما يريده هو إصدار تهديدات وجني ثمارها.
بيد ان هذا التقييم قد تغير في الآونة الأخيرة. فنصرالله يضع في الحسبان أيضاً إمكانية التصعيد مع إسرائيل. ووفقاً لهذا السيناريو، يفضل نصرالله يومين أو ثلاثة من الاشتباكات المحلية على طول الحدود بدلاً من حرب شاملة، لكنه يعلم أيضاً أنه في ظل الظروف الحالية، يمكن لأي تصعيد أن يتدهور في غضون ثوانٍ ليغرق ساحات عدة بحرب كارثية للمنطقة بأكملها.
على الرغم من الشعور العام بالضيق والتشاؤم بشأن المفاوضات، فمن السابق لأوانه إعلان انتهاء صلاحيتها. لم يكن لدى الأميركيين الكلمة الفصل في هذا الشأن. ولا يزال لابيد على استعداد للتوقيع على الصفقة، برغم أنه يعلم أن فرص حدوث ذلك قبل انتخابات الأول من تشرين الثاني/نوفمبر ضئيلة
ما الذي أدَّى إلى انتكاسة الاتصالات التي توسطت فيها الولايات المتحدة، في الوقت الذي كان المفاوضون يقتربون من خط النهاية؟ هل كان ذلك بسبب تهديدات حزب الله المستمرة ضد مشروع إسرائيل لاستخراج الغاز بالقرب من الحدود اللبنانية؟ أم أنها كانت حملة التحريض والخداع التي يقودها نتنياهو لتعزيز فرصه في الانتخابات المقبلة وتقويض فرص منافسه لابيد؟ ربما يكون كلا التفسيرين صحيحين.
في نهاية الأسبوع الماضي، سلَّم لبنان الوسيط الأميركي، عاموس هوكشتاين رده وملاحظاته على مسودة اقتراح اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل أساسه حقول الغاز المتنازع عليها. في الوقت نفسه، وصلت انتقادات نتانياهو وهجومه على الاتفاق إلى الذروة، متهماً حكومة لابيد بالخيانة، ومحاولة إلزام إسرائيل باتفاق دون موافقة الكنيست، ونقل أراضي الدولة الإسرائيلية وكنوزها الوطنية إلى العدو.
ويبدو أن نتنياهو لا يُبالي كون مثل هذه الاتهامات لا تصمد طويلاً. هدفه هو إعاقة تقدم لابيد وإقناع الناخبين، الذي يوصفون بـ”اليمين الناعم”، بأنه يجب عليهم ألا يعهدوا إلى لابيد وكتلته من يسار الوسط بإدارة شؤون الدولة ومستقبلهم.
في البداية، وصفت مصادر أمنية ودبلوماسية إسرائيلية ملاحظات لبنان الخطية على مسودة هوكشتاين بأنها مقبولة إلى حد ما، وجديدة ومهمة، وتكاد تكون خالية من أي شرط من شأنه أن يفسد الصفقة. ولكن بعد أيام قليلة فقط، وفي أعقاب هجوم نتنياهو ونجاحه في إقناع بعض الناخبين بأن “لابيد يستسلم لنصرالله”، وجد لابيد نفسه مضطراً للتعامل مع الواقع السياسي.
فقد سارع لابيد للإعلان بأن إسرائيل ترفض مطالب لبنان، وقال للإسرائيليين إنه لن يجري مفاوضات تحت الضغط، ولن يساوم على أمن إسرائيل ومصالحها الاقتصادية برغم أنه سيكون سعيداً بتوقيع اتفاق مع لبنان بموجب الشروط المتفق عليها بالفعل. في الوقت نفسه، أعلن أن منصة كاريش للتنقيب عن الغاز المتاخمة للمياه الاقتصادية اللبنانية ستبدأ عملها على الفور، بعد أن تلقت الضوء الأخضر من شركة الطاقة التي تشغلها (إنرجيان باور).
وحذر لابيد من أن تكرار إطلاق حزب الله لطائرات مسيَّرة، سواء كانت مسلحة أم لا، باتجاه منصة كاريش على غرار هجماته في في تموز/يوليو من شأنه أن ينسف مفاوضات الترسيم. وأضاف أن اللبنانيين سيعرفون على من يقع اللوم في الفشل في تحقيق الثراء الاقتصادي الذي يكمن في مياه البحر المتوسط الغنية بالغاز قبالة سواحلهم.
ذات مرة، قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، إن إسرائيل ليس لديها سياسة خارجية، بل سياسة داخلية فقط. وقد ثبت على مر السنين أن هذا القول صحيح. والشيء نفسه ينطبق على لبنان. ومع إصابة الجانبين بالشلل، فإن النتائج المحتملة قد تكون كارثية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الشعور العام بالضيق والتشاؤم بشأن المفاوضات، فمن السابق لأوانه إعلان انتهاء صلاحيتها. لم يكن لدى الأميركيين الكلمة الفصل في هذا الشأن. ولا يزال لابيد على استعداد للتوقيع على الصفقة، برغم أنه يعلم أن فرص حدوث ذلك قبل انتخابات الأول من تشرين الثاني/نوفمبر ضئيلة.
إذا نضجت الصفقة مع لبنان بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، فسوف يعرضها لابيد على الكنيست المُنتخب للموافقة عليها. وفي هذا الخصوص يؤكد لابيد أنه بمجرد أن تصبح تفاصيل الصفقة واضحة ومعروفة، سيُدرك كل إسرائيلي مدى فائدتها لإسرائيل. موقف لابيد يلقى دعماً وتأييداً من قبل جميع أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية التي تفضل توقيع صفقة سريعة لتخفيف التوترات مع لبنان وإزالة خطر الحرب. ولكن، كما يتضح من السنوات الأخيرة لنتنياهو في السلطة، لم يعد خبراء الأمن يتمتعون بنفوذ كبير. يعيش الإسرائيليون في عصر الواقع المزيف والوعي المهندَس والفوضى. وقد حان الوقت ليتعلموا التكيف”.
– النص بالإنكليزية على موقع “المونيتور“.