ليس من السهل دراسة آثار وأسباب هذه الاحتجاجات لارتباطها بعوامل إقتصادية واجتماعية وسياسية متعددة دفعت العديد من الشباب والطلاب للنزول إلى الشارع في مواجهة النظام السياسي في إيران.
القانون الذي التزمت به قوات الشرطة لمراقبة النساء اللواتي لا يلتزمن بالحجاب هو بالأساس قانون ثقافي بامتياز صادر عن مجلس الثورة الثقافية عام 1981 ويدعو 25 جهة حكومية وشبه حكومية لتنفيذ القانون بما في ذلك جهاز الشرطة. واللافت للإنتباه أن جميع هذه الجهات لم تنفذ القانون بجدية ما عدا جهاز الشرطة الذي حاول تنفيذ قانون ثقافي بآليات أمنية، فكان أن انعكس التنفيذ بشكل سلبي علی الهدف من وراء إصدار هذا القانون.
والأمر الآخر الذي لفت إنتباه كثيرين أن جميع الحكومات التي تشكلت بعد اصدار هذا القانون، وهي حكومات الرؤساء علي خامنئي وهاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ومحمود احمدي نجاد نفذت القانون المذكور لكنها سحبته في مرحلة لاحقة لأسباب متعددة؛ لكن لم يجرؤ أحد على المطالبة بتغيير هذا القانون.. وبقي جهاز الشرطة هو الحلقة الأضعف الذي انكسرت الجرة برأسه جراء تنفيذ القانون بطرق وأساليب لا يُتقن غيرها. هذا مطب وقعت فيه الحكومات المتعاقبة لمعالجة ظاهرة ثقافية ـ دينية في نظام يستند إلی التعاليم والقيم الاسلامية منذ قيامه قبل 43 عاماً.
دوافع المحتجين لم تكن متجانسة حتی وإن كان حدث وفاة مهسا أميني هو الذي تسبب في خروجهم إلى الشارع. منهم من كان يطالب بالحريات العامة؛ ومنهم من كان يُحرّكه الواقع الاقتصادي الإجتماعي المأزوم؛ وثمة من كانت أهدافه سياسية أو أمنية، وهكذا دواليك؛ مما ساهم بتحويل الشعارات التي تطالب بحرية الحجاب إلی شعارات تريد تغيير النظام السياسي!.
تخطیء الجهات الأجنبية في تحليل الشخصية الإيرانية الطموحة لتحقيق مطالبها لأن من حقها أن تتطلع دائماً للأفضل. هي تريد الحرية لكنها لا تقبل الفوضی. هي تنتقد عمل قوات الشرطة لكن لا تريد إضعافها وإهانته
في دراسة أجرتها وحدة المعلومات في “المركز العربي للدراسات الإيرانية” حول طبيعة المشاركين في الإحتجاجات؛ اظهرت أن أعداد المحتجين إزدادت خلال الأيام الثلاثة الأولی من 30 محتجاً أمام المستشفی التي توفيت فيها مهسا أميني إلی 700 محتج تقريباً في طهران (علی سبيل المثال لا الحصر في العاصمة التي يبلغ عدد سكانها حوالي الـ 15 مليون نسمة)، لكنها توقفت عند هذا العدد؛ ولاحظت اتساع الإحتجاجات جغرافياً لتشمل مدناً إيرانية متعددة فيما كان اللافت للإنتباه ظهور هذه الاحتجاجات في بعض الجامعات الإيرانية، وهو ما يؤشر الی خطورة مثل هذه الظاهرة، وخلصت الدراسة إلی أن ثلاثة أسباب تقف وراء عدم إتساع أعداد المحتجين هي الآتية:
أولاً؛ لأن الشعارات المرفوعة استهدفت قوات الشرطة وبالتالي الأمن والاستقرار في المناطق الإيرانية وان كانت تتعلق بالحريات.
ثانياً؛ إن الشعارات استهدفت “الحجاب” وهو من القيم الإسلامية حيث ان الشارع الإيراني هو شارع متدين ومحافظ لا يقبل في نهاية المطاف ان تٌستهدف القيم والمبادیء الاسلامية.
ثالثاً؛ إن مسيرات الاحتجاج وشعاراتها كانت متأثرة إلی حد بعيد بجهات أجنبية كقناة “إيران انترناشيونال” التي تبثُ من لندن برعاية سعودية، إلى حد أن هذه القناة أصبحت بمثابة غرفة عمليات لإدارة الاحتجاجات في الشوارع والجامعات، وفق الدراسة نفسها.
ودخل مسؤولون أمريكيون على خط التحريض وتقديم رزم من الانترنت لتشجيع حالة الإحتجاج وزيادة الفوضی، فيما لجأت الحكومة الامريكية الی فرض عقوبات علی خلفية “حقوق الانسان” إستهدفت المواطن الإيراني الذي كان ولا يزال ضحية العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الادارات الامريكية المتعاقبة. كما أن معظم الإيرانيين، وإن كانوا متعاطفين مع مهسا أميني لكنهم ليسوا مستعدين للوقوع تحت تأثير جهات خارجية تسعى لتعميم الفوضی وإستهداف النظام العام.
تخطیء الجهات الأجنبية في تحليل الشخصية الإيرانية الطموحة لتحقيق مطالبها لأن من حقها أن تتطلع دائماً للأفضل. هي تريد الحرية لكنها لا تقبل الفوضی. هي تنتقد عمل قوات الشرطة لكن لا تريد إضعافها وإهانتها.
لجأت الحكومة الأمريكية الی فرض عقوبات علی خلفية “حقوق الانسان” إستهدفت المواطن الإيراني الذي كان ولا يزال ضحية العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الادارات الامريكية المتعاقبة
كما أن معظم إستطلاعات الرأي المستقلة في إيران تشير إلی أن المواطن الإيراني لا يثق بصدقية المسؤولين الأمريكيين عندما يدافعون عن حقوق الانسان؛ لأنه يشعر أن هؤلاء فرضوا أشد العقوبات عليه بما في ذلك الدواء؛ ويتذكر المواطن الإيراني جيداً كيف منعوا عنه لقاحات كورونا، الأمر الذي أدی إلی وفاة الآلاف جراء تأخر وصول اللقاحات. وهذا المواطن يعلم جيداً ان حقوق الانسان تصبح قضية الرئيس الامريكي بقدر ما تلبي مصالحه والعكس صحيح. الأمريكيون يريدون إستغلال قضية مقدسة للضغط علی الحكومة والمواطنين الإيرانيين لتقديم المزيد من التنازلات في القضايا التي تدخل فيها إيران طرفاً تفاوضياً؛ وهناك الكثير من الممارسات ضد حقوق الانسان في العالم لكن لا يرف للولايات المتحدة حاجبٌ أو رمشٌ.
في الخلاصة، كان المرشد الإيراني علي خامنئي محقاً عندما اعتبر أن الغرب يخشی القوة الإيرانية والمسار الذي تطمح إليه إيران بعيداً عن أي مفهوم من مفاهيم حقوق الإنسان. هذا الوعي يلمسه الإيراني بشكل واضح بالشكل الذي تصبح المراهنة علی تثويره بمقاسات أجنبية أمنية غير قابلة التحقيق.