كانت تعد هيمنة تايوان على صناعة الرقائق الدقيقة نعمة للاقتصاد العالمى، لكنها تمثل الآن تحديا وأزمة. تحتكر تايوان تقريبا صناعة الرقائق الدقيقة على مستوى العالم، والتى هى عمليا تدخل فى صناعة كل شىء: السيارات، صانعات القهوة، الآلات الزراعية. يعانى العالم بأسره من أزمة نقص مكونات إلكترونية دقيقة ــ بما فى ذلك نحو 92 فى المائة من جميع الرقائق الدقيقة المتقدمة المصنوعة بشكل كبير فى جزيرة تايوان التى تواجه فى الوقت ذاته تهديدات صينية.
تعتبر الصين تايوان منطقة انفصالية وتعهدت بإعادتها تحت سيطرتها. إذا استولت الصين على تايوان، فقد يحدث أحد الشيئين لإمدادات الرقائق: إما أن ينتهى الأمر إلى أن تسيطر الصين على مصانع الرقائق الدقيقة، أو تدميرها فى الصراع العسكرى. فى كلتا الحالتين، سيترتب على ذلك كارثة اقتصادية عالمية. فى السيناريو الأول، يمكن أن تقرر الصين الحد من وصول الولايات المتحدة وحلفائها إلى الرقائق المتقدمة، مما يقلل بشكل كبير من المزايا التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية الأمريكية. ولكن إذا حدث السيناريو الثانى، فقد يشهد العالم أزمة اقتصادية لم نشهد مثلها منذ الكساد الكبير.
لحسن الحظ، تتعلم تايوان الآن من الأزمة الروسية الأوكرانية. والدروس التى تستخلصها تايوان من هذا الصراع تشير إلى كيف يمكن للولايات المتحدة أن تساعد تايبيه ــ وهى نفسها ــ على تجنب تلك النتائج الوخيمة المذكورة آنفا.
من المحتمل أن تحتاج الولايات المتحدة إلى عدة عقود على الأقل من الاستثمارات الإضافية قبل أن تتمكن من تصنيع معظم الرقائق الدقيقة التى تتطلبها محليا. إضافة إلى ذلك، أن شركة TSMC لها ميزات يصعب تخيلها تتكرر فى مكان آخر
***
أردف الكاتب القول بأن واحدة من الشركات المصنعة الرئيسية فى الجزيرة التايوانية هى شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات المحدودة، وهى تصنع العديد من الرقائق الدقيقة الأكثر أهمية فى العالم لشركات Nvidia وQualcomm وApple وآلاف الشركات الأخرى. قبل خمسة وثلاثين عاما، عندما كانت المسابك المعدنية لشركة TSMC (شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات المحدودة) قد بدأت للتو، كانت شركة Intel الأمريكية قد صنعت نحو 65 بالمائة من الرقائق المتقدمة فى العالم. لكن الوضع قد تغير الآن، حيث تسيطر إنتل فقط على أقل من 10 فى المائة، بينما تبلغ حصة TSMC 53 فى المائة.
تكمن أهمية حماية استقرار صناعة الرقائق فى مجال صناعة السيارات الأمريكية، التى توقعت خسارة إيرادات تقدر بنحو 210 مليارات دولار العام الماضى بعد أن أدى تباطؤ المصانع الناجم عن الجائحة إلى نقص فى سلسلة التوريد لرقائق السيارات. إذ نشب صراع مع الصين، فإن تدمير تصنيع الرقائق الدقيقة فى تايوان لن يعنى تباطؤا وحسب، بل وقفاً مفاجئاً وكاملاً لما يقرب من ثلثى إمدادات العالم للصناعات التى تعتمد عليها.
تتمثل الخطورة الحقيقية فى شبه احتكار تايوان لصناعة الرقائق الدقيقة، لذلك فإن أفضل طريقة للخروج من هذه الكارثة المحتملة هى زيادة الإنتاج فى أماكن أخرى، بما فى ذلك فى الولايات المتحدة. ولعل قانون صناعة الرقائق الذى تم تمريره أخيرا بدعم من الحزبين الجمهورى والديمقراطى خطوة جيدة لمحاولة السيطرة على هذا الاحتكار، الذى بموجبه سيتم تمويل برامج صناعة الرقائق بقيمة 53 مليار دولار. إن تطوير التصنيع المحلى لأشباه الموصلات أمر بالغ الأهمية للتنافسية والأمن القومى للولايات المتحدة.
لكن هذا القانون لن يوفر الحماية للصناعات الأمريكية من التهديدات الصينية، إن فكرة استبدال واردات الرقائق الدقيقة من تايوان بمنتجات أمريكية الصنع تغض النظر عن المدة التى استغرقتها تايوان حتى تصبح الجزيرة القادرة على المنافسة عالميا. لذا، من المحتمل أن تحتاج الولايات المتحدة إلى عدة عقود على الأقل من الاستثمارات الإضافية قبل أن تتمكن من تصنيع معظم الرقائق الدقيقة التى تتطلبها محليا.
إضافة إلى ذلك، أن شركة TSMC لها ميزات يصعب تخيلها تتكرر فى مكان آخر. على سبيل المثال، قسم الأبحاث المتقدمة الخاص بالشركة لديه مهندسون يعملون فى ثلاث نوبات للتمكن من العمل 24 ساعة فى اليوم، سبعة أيام فى الأسبوع؛ ولهذا يعرفون على أنهم «درع السيليكون» فى تايوان.
***
لدى الولايات المتحدة خيار ثالث هو أن تجعل غزو الصين لتايوان مكلفا للغاية من خلال تمكين تايوان الدفاع عن نفسها
يشير الكاتب إلى مشكلة أخرى ألا وهى المشكلة الزمنية، أى قد يكون الأوان فات عند تحرك أمريكا للدفاع عن تايوان والرقائق الدقيقة. بالتالى، سيكون العالم بالفعل فى طريقه إلى السقوط فى الهاوية الاقتصادية.
أما بالنسبة لموقف تايوان العسكرى، فيرى كاتب المقال أن أفضل طريقة للرد على غزو الصين هى تحرك الولايات المتحدة للدفاع عن تايوان. شارك الرئيس جو بايدن نفس الرأى عندما سئل فى مقابلة أجريت معه أخيرا فى برنامج 60 دقيقة، عما إذا كانت القوات الأمريكية ستدافع عن الجزيرة. قال: «نعم، إذا كان هناك هجوم غير مسبوق».
لكن لدى الولايات المتحدة خيار ثالث هو أن تجعل غزو الصين لتايوان مكلفا للغاية من خلال تمكين تايوان الدفاع عن نفسها. فى وقت سابق من هذا الشهر، طلبت إدارة بايدن، ومن المتوقع أن يوافق الكونجرس، على بيع أسلحة بقيمة 1.1 مليار دولار لتايوان تضمنت صواريخ مضادة للسفن وصواريخ جو ــ جو، بالإضافة إلى ما يقدر بنحو 665 مليون دولار لدعم برنامج رادار المراقبة فى تايوان. لكن ربما تحتاج تايوان إلى مزيد من الدعم لردع الغزو الصينى.
للأسف، تتمتع تايوان بتاريخ مؤسف فى سياسة الإنفاق العسكرى، أى تنفق تايوان الكثير على أسلحة باهظة لا يحتمل أن ينجو أى منها فى الأيام الأولى من الحرب مع الصين. على الصعيد الآخر، لفت الكاتب الانتباه إلى أن بعض أنواع الأسلحة التى وافقت الولايات المتحدة على بيعها لتايوان يستخدمها الأوكرانيون حاليا فى حربهم الدفاعية ضد روسيا.
ختاما، تعد إحدى عقبات عملية تسليح تايوان بالسرعة التى تريدها أمريكا هى الأزمة التى تمر بها عملية تصنيع الأسلحة الأمريكية الناجمة عن نقص الرقائق الدقيقة على حد قول الكاتب، لكن تلك المشكلة مؤقتة. إن هذه الأزمة تؤكد على ضرورة تعزيز الولايات المتحدة أنظمة تايوان الدفاعية للحفاظ على أمن واستقرار الصناعة الأمريكية.
(*) بالتزامن مع “الشروق“، النص الأصلي في “ذا أتلنتيك“.