“معاريف”: الإنتخابات الإسرائيلية.. إنقلاب 1977 يتكرر في 2022!

Avatar18026/11/2022
"إسرائيل ما بعد الانتخابات ليست هادئة أو متكتلة أكثر. العكس هو الصحيح. في الواقع، التوترات الداخلية يمكن أن تزداد بسبب المخاوف المنتشرة بين أوساط الفئات المختلفة من أن يحدث تغيير دراماتيكي وسريع". هذا ما يخلص إليه الكاتب الإسرائيلي ميخائيل ميلشتاين في مقال له في صحيفة "معاريف". وهذا نصها الكامل: 

“هناك أوجه شبه كثيرة ما بين الانتخابات الأخيرة وانقلاب عام 1977. في الحالتين، تم انتخاب قيادة يمينية واضحة من معسكر اليمين المتطرف، تريد أن تضع إسرائيل على مسار إستراتيجي جديد مختلف كلياً عن النظام القديم: حكم “مباي” الطويل و”حكومة التغيير” القصيرة العمر. في الحالتين، كانت مشاعر الإحباط تسيطر على فئات واسعة في المجتمع الإسرائيلي، اتسع تأثيرها بعد الانتخابات: الشرقيون في انتخابات 1977، والصهيونية الدينية اليوم.

اتّسم انقلاب 1977 بصعود قيادة تحمل رؤية سياسية ورأياً مختلفاً عن القيادة التي كانت تسيطر على إسرائيل. لكن من الناحيتين الثقافية والاجتماعية، يدور الحديث عن ممثلين من طبقة “النُخب” تتشارك في أمور عدة، وبصورة خاصة في مجال تعريف المصالح الإستراتيجية الأساسية لإسرائيل والعلاقات بين فئات المجتمع، وما بينها وبين مؤسسات الحكم المختلفة.

أسئلة حول الهوية والقيم والرؤية

في الانتخابات الأخيرة، تعززت قوة فئة ثورية تمثلت في الأحزاب المنضوية في تيار الصهيونية الدينية، والمعنية بتغييرات أساسية، في الداخل والخارج، أبرزها: الصورة الجغرافية لإسرائيل (تطبيق السيادة على المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية، والتشدد بالخط المعتمد حيال السلطة)؛ مكانة الدين في حياة السكان الإسرائيليين، والعلاقة بين السلطات، مع التركيز على تقليل تأثير المنظومة القضائية. وهذا كله، من دون وضوح في السياسات المتبعة تجاه”المواطنين” العرب في إسرائيل، وأسئلة عديدة عن معرفة قيادة المعسكر بأهمية العلاقات الخارجية الإسرائيلية.

إذاً، يدور الحديث عن ائتلاف حكومي، ربع أعضائه على الأقل يريدون تغييراً دراماتيكياً للواقع، ولا يريدون بقاء الوضع القائم على ما هو عليه. فحتى قبل تنصيب الحكومة الجديدة، هناك الكثير من المخاوف من الداخل والخارج، بعضها مؤسساتي، والآخر يدور حول الاتجاهات. لكن بعضها أصلي ويرتبط بأسئلة الهوية والقيم والرؤية. لذلك، هناك حاجة إلى بعض الحساسية من طرف الحكومة المقبلة، ذلك لأنها من الممكن أن تؤدي في المستقبل إلى نمو بؤر توتُّر ومواجهات مباشرة داخل المجتمع اليهودي، تدور بين السلطة والمؤسسات الرسمية المختلفة من جهة، وبين الدولة والمواطنين العرب من جهة ثانية، وبين إسرائيل وجاراتها في الساحة الإقليمية والدولية من جهة ثالثة.

يدور الحديث عن ائتلاف حكومي، ربع أعضائه على الأقل يريدون تغييراً دراماتيكياً.. وعن قوائم تمثل طريقة حياة وقيم ثقافية عامة أكثر مما هي رؤى وبرامج سياسية

في ما يتعلق بالمنظومة السياسية نفسها، تظهر تغييرات أُخرى: تقريباً نصف أعضاء الكنيست المنتخبين محسوبين على أحزاب لا تُجري انتخابات داخلية، وهو ما يعني مشاركة محدودة نسبياً في الحياة السياسية داخل الأجسام المنتخبة نفسها. لذلك، يُفضَّل أن تُسمى “قوائم” أكثر مما هي “أحزاب”. الحديث يدور عن ظاهرة ليست بجديدة (خاصة داخل الأحزاب الحريدية، وليس فيها فقط). لكن حجم هذه الظاهرة ازداد مؤخراً، وخصوصاً في معسكر أحزاب “الوسط”، مثل “يوجد مستقبل”، و”المعسكر الرسمي”، و”إسرائيل بيتنا”.

إذا كانت فروع الأحزاب سابقاً تشكل بؤر حياة سياسية للجمهور- خصوصاً في الأيام التي كانت للأحزاب السياسية برامج وأفكار عميقة وواضحة ووظيفة مركزية في صوغ الهوية الشخصية والجماعية للمواطنين- فاليوم، يدور الحديث عن قوائم تمثل، في أغلب الأحيان، طريقة حياة وقيم ثقافية عامة أكثر مما هي رؤى وبرامج سياسية.

القوائم نفسها تعيش داخل الفضاء الافتراضي في لقاءاتها مع جماهيرها، أو داخل الجلسات المنزلية (التي تزداد وتيرتها قبل الانتخابات) أكثر بكثير مما تعيشه معهم في الواقع وفي الحيز العام. وأحياناً تتحول هذه القوائم إلى رموز. وحدها أحزاب “الليكود” و”حداش” و”راعام” وحزب “العمل” التي لا تزال تحافظ على التقليد القديم، وتدمج ما بين دعوة الجمهور إلى المشاركة في اللعبة السياسية وبين وجود فروع للحزب كمواقع نشطة في الحيز العام.

فجوة بين اليهود والعرب

اتجاهات عميقة أُخرى تعكسها هذه الانتخابات تتطرق إلى قصة اليهودية – العربية في إسرائيل. فانتخابات سنة 2022 أشارت، ليس فقط إلى الفضل (من الممكن أن يكون موقتاً) لـ”التجربة” التي في أساسها إشراك حزب عربي في الحكم، إنما أيضاً إلى عمق الفجوة بين المجتمعيْن. وهذا ما تشير إليه أنماط التصويت. فالتخوف من سيطرة العرب- الذي رافقه خوف من عودة “أحداث” أيار/مايو 2021 (حارس الأسوار)، وفقدان السيادة الكاملة في مواقع مختلفة في الدولة (خاصة منطقة النقب)-كان له  دور مركزي في التصويت داخل الجمهور اليهودي، وأجواء مشابهة يدلّل عليها التصويت لـ”التجمع”، الذي كان على عتبة عبور نسبة الحسم.

داخل المجتمع العربي، شكلت الانتخابات الأخيرة، إلى حد ما، نهاية السياسة القديمة. تلك التي بدأت تتفكك مع دخول “القائمة العربية الموحدة” إلى الائتلاف الحاكم وقيامها بخطوة “ثورية” عندما رفضت الوقوف جانباً. وتلقت السياسة القديمة ضربة عميقة مع تفكُّك القائمة المشتركة نهائياً عشية الانتخابات والضياع العميق بعد ذلك. الحزبان المتنافسان- “الجبهة العربية للتغيير” و”حداش-تعل”- وجدا نفسيهما سوياً في المعارضة من دون تأثير، في الوقت الذي بقي “التجمع” خارج النظام البرلماني، ويمكن أن يتحول إلى البديل خارج السياسة الرسمية، مستغلاً شعور الإحباط والخوف والاغتراب المسيطر على فئات واسعة من الجمهور العربي في أعقاب الانتخابات.

إقرأ على موقع 180  حادثة نطنز بعيون عبرية: قرار الرد بيد "المرشد"

الانتخابات الأخيرة ليست فقط تعبيراً عن تغييرات في الرؤى والمزاج العام لشرائح عديدة وكبيرة داخل إسرائيل، إنما تعكس أيضاً الميزان الديموغرافي الداخلي. لقد تعزّز موقع قوة اليمين، وهذا لم يكن نتيجة التوتر الحاصل بين العرب واليهود فقط، أو “موجة أعمال العنف والإرهاب”، أو التغييرات في الساحة الإقليمية، إنما أيضاً انعكاس لحقيقة مفادها أن الوزن الديموغرافي للفئات المقربة من الرؤية ذاتها يتحسن. في الجمهور العربي، لا توجد الاتجاهات نفسها، إما بسبب المشاركة المنخفضة في الانتخابات، وإما بسبب نسبة الولادات التي تنخفض بالتدريج (اليوم نسبة الولادات لدى النساء اليهوديات في إسرائيل أعلى منها لدى النساء المسلمات).

في البعد الثقافي، عبّرت الانتخابات الأخيرة بشكل صارخ جداً عن وزن “الجيل Z”. هذا الذي وُلد ما قبل عام 2000 بقليل أو بعدها، وبعضهم شهد عدة جولات انتخابية في الأعوام الأخيرة. المميزات الأساسية لهذا الجيل تغلغلت إلى عمق اللغة السياسية، وأثّرت إلى حد معين في نتائج الانتخابات: مركزية شبكات التواصل الاجتماعي كأداة تمرير الرسائل والمعلومات وتشكيل رأي، والميل إلى مضامين سطحية وشعارات يتم فيها دمج أخبار كاذبة، وصعوبة في التعامل مع القضايا المعقدة، وتفضيل رد واضح، قاطع وسريع لمشاكل الساعة على محاولات تفسير الاتجاهات وتوضيح أنه لا توجد حلول سحرية (الحديث يدور عن نوع قيادات كانت موجودة سابقاً واختفت).

إسرائيل ما بعد الانتخابات

بعد ثلاثة أعوام ونصف من الفوضى السياسية المستمرة، حسمت إسرائيل طريقها الاستراتيجي. صحيح أنها لا تبدو الدولة نفسها كما كانت عليه في نهاية سنة 2018. فمعسكر “اليسار” تقلص، وتقريباً اختفى؛ القضية اليهودية- العربية شهدت زعزعة عميقة وبقيت كقصة مفتوحة يمكنها أن تنفجر. ويوجد عملياً معسكر سياسي- جماهيري واحد فقط تقف أمامه مجموعة من المؤسسات المتناقضة داخلياً، ولا يمكن القول إنها “معسكر”، استصعبت ولا تزال تستصعب العمل بتنسيق، والأسوأ أن تتوحد.

وزن “الجيل Z” في الانتخابات الأخيرة كان صارخاً: استخدم شبكات التواصل الاجتماعي كأداة لتمرير رسائل ومعلومات تشكل رأي عام بمضامين سطحية وشعارات وأخبار كاذبة، وتطرح صعوبة في التعامل مع القضايا المعقدة

دول أُخرى في العالم كانت ستنهار بسبب الفراغ السياسي والاستقطاب الاجتماعي المتصاعد كما حدث في إسرائيل خلال الأعوام الأخيرة. “الأمراء” الذين ساعدوا إسرائيل لتنجح في عبور هذه الفترة كان المجتمع المدني المتماسك، والاقتصاد القوي، والمنظومات الأمنية والبيروقراطية المستقرة والمؤسساتية، بالإضافة إلى حقيقة أن أغلبية أعداء إسرائيل، وعلى رأسها إيران، تعاني من ضعف عميق في الداخل، ومنشغلة بتحديات أُخرى، بدلاً من استغلال الأوضاع الحسَّاسة المسيطرة على الداخل الإسرائيلي، زعزعة الاستقرار والأمن الداخلي في الدولة.

إسرائيل ما بعد الانتخابات ليست هادئة أو متكتلة أكثر. العكس هو الصحيح. التوترات الداخلية يمكن أن تزداد في الواقع، بسبب المخاوف في أوساط الفئات المختلفة من تغيير دراماتيكي وسريع. الخطاب السائد الذي سيطر على الداخل الإسرائيلي خلال الأعوام الأخيرة، هو: “نعم بيبي.. ولا بيبي”. صحيح أن قرارات منع النقاش في القضايا الاستراتيجية بدأت تتراجع، لكن ذلك من شأنه أن يفتح المجال واسعاً لنقاشات محتدمة ومتوترة بشأن قضايا جوهرية”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية)

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  ما بعد الحرب الثانية.. الأمم المتحدة أين كانت وأين أصبحت؟ (10)