الأمن القومي الأمريكي.. منطقتنا بأدنى المراتب!

في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن "استراتيجية الأمن القومي" ومحورها دولياً "التغلّب على الصين وكبح جماح روسيا"؛ وداخلياً التركيز على "استعادة الديمقراطية المتراجعة في الولايات المتحدة"، ومعالجة آثار حقبة دونالد ترامب وما أحدثته من تصدّعات طالت "القيم الأمريكية".

وتعتبر استراتيجية جو بايدن استمرارًا لاستراتيجية جورج دبليو بوش التي عرفت بـ”الاستراتيجية الوقائية” والتي كان من بين قراراتها الخطيرة غزو أفغانستان عام 2001، واحتلال العراق عام 2003، بزعم “القضاء على الإرهاب” و”نزع أسلحة الدمار الشامل” و”إقامة أنظمة ديمقراطية”، في حين أن استراتيجية باراك أوباما الذي عمل بايدن نائبًا له اعتمدت على “القوة الناعمة” للتغلغل والتأثير على الشعوب والبلدان تحت عنوان “إقامة عالم خال من الأسلحة النووية للتغلب على الفقر والمرض”.

ويمكن القول إن الحرب الروسية ـ الأوكرانية التي بدأت منذ شباط/فبراير 2022، ألقت بظلالها على الاستراتيجية الأمريكية، يضاف إليها ارتفاع حدّة التوتّر مع الصين والعقوبات المفروضة عليها وعلى روسيا أيضًا والتي تعاظمت في الفترة الأخيرة بعد التوغّل العسكري الروسي في الأراضي الأوكرانية.

وثمة تحديات عالمية أخرى تطلّبت من واشنطن أخذها بالاعتبار مثل أزمة تغّير المناخ والتي التأمت قمة عالمية لها في مصر في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2022. وقد سبق لإدارة ترامب أن أعلنت انسحاب الولايات المتحدة في العام 2019 من اتفاقية باريس للتغيّر المناخي المبرمة في 2015، الأمر الذي أضعف من ثقة المجتمع الدولي بها وطرح تساؤلات كبيرة بشأن التزاماتها كدولة عظمى وعضو دائم العضوية في مجلس الأمن الدولي. ويأتي حضور واشنطن قمة المناخ في شرم الشيخ (كوب 27) لترميم السياسة الأمريكية الخارجية وعودة إلى فترة ما قبل ترامب.

واشنطن وعلى الرغم من تداعيات النظام الدولي الذي تشكّل بعد انتهاء الحرب الباردة في نهاية الثمانينيات الماضية تسعى للحفاظ على مكانتها من خلال قوّة الاختيارات واختيارات القوّة، وهذا أمر لا يرتبط بسياستها الداخلية أو الخارجية، بل يعتمد على ميزان القوى على المستوى الدولي

إن استراتيجية واشنطن الأخيرة أولت اهتمامًا إضافيًا مكثّفًا في مواجهة ما تسمّيه “التهديد الصيني” من خلال تعظيم نقاط القوة الأمريكية والاستثمار أكثر في البنية التحتية والتعليم والتدريب والأمن السيبراني والطاقة الخضراء ومجالات أخرى. عمليًا يعني ذلك المشاركة بصورة أكبر من السابق في السوق العالمية والابتعاد عن مفهوم الأسواق الحرّة التي لا تتدخل فيها الدولة، لأن الأمر يتعلّق بقيود مفروضة على التكنولوجيا كما هي مسألة الرقائق الإلكترونية الدقيقة في العلاقة مع الصين.

أما حصّة الشرق الأوسط من الاستراتيجية الأمريكية، فقد تدنّت إلى حدود كبيرة لم يسبق لها مثيل، ومن تبريرات ذلك أن “خطر الإرهاب” انخفض ولم يعد يشكّل تحديًا كبيرًا كما كان في العقد الماضي، في حين ارتفع التركيز على قضايا الداخل الأمريكي ومواجهة الصين وروسيا في الخارج، علمًا بأن ما يحدث في الشرق الأوسط يمثّل تهديدًا خطيرًا للسلم والأمن الدوليين من جهة ولمصالح الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، لا سيّما في ظل سياسة “إسرائيل” العدوانية، يضاف إلى ذلك تخفيض إنتاج النفط من جانب الأوبك (أكتوبر/تشرين الأول المنصرم)، الأمر الذي أدّى إلى احتكاكات وتوتّرات مع بعض دول الأوبك الحليفة لواشنطن، فضلًا عن تداعيات أزمة الطاقة على عموم أوروبا، بل والعالم بكلّ ما تحمله من صراعات واحتدامات داخلية وصعود تيارات شعبوية متطرّفة في العديد من بلدان أوروبا كان آخرها في إيطاليا.

أما بخصوص القضية الفلسطينية، فإن حلّ الدولتين الذي أخذت به الإدارات الأمريكية منذ عهود بيل كلينتون وجورج بوش وباراك أوباما، بقي غامضًا وملتبسًا، خصوصًا في ظلّ نقل سفارة واشنطن في “إسرائيل” إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لها كما فعل ترامب، وحتى الآن وإن اختلفت سياسة بايدن عن سياسة سلفه، إلّا أنه لا توجد أية مبادرة على هذا الصعيد لفرضها على حليفتها “إسرائيل” التي تتمادى بانتهاك حقوق الشعب العربي الفلسطيني بما فيه حقّه في تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف طبقًا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية 2002.

ويبقى موضوع إيران شغلًا شاغلًا لواشنطن التي ترصد اليوم الاحتجاجات الواسعة فيها تساوقًا مع ما ورد في استراتيجية الأمن القومي من تأكيد على “ردع أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة..”، وكذلك التوجّه لمنعها من تطوير الأسلحة النووية.

ويبدو أن سياسة بايدن تحذو حذو سياسة الرئيس فرانكلين روزفلت في العام 1941، لا سيّما بعد مهاجمة اليابان لميناء بيرل هاربر الأمريكي وكذلك عدم السماح لأية قوّة دولية بتعريض الملاحة للخطر بما فيها لمضيق هرمز وباب المندب. وتعتمد الديبلوماسية الأمريكية على تعزيز التكامل الإقليمي، خصوصًا مع دول القارة الأمريكية ودعم حقوق الإنسان وفقًا للمنظور الأمريكي. وهذا يعني أن واشنطن وعلى الرغم من تداعيات النظام الدولي الذي تشكّل بعد انتهاء الحرب الباردة في نهاية الثمانينيات الماضية تسعى للحفاظ على مكانتها من خلال قوّة الاختيارات واختيارات القوّة، وهذا أمر لا يرتبط بسياستها الداخلية أو الخارجية، بل يعتمد على ميزان القوى على المستوى الدولي.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  "حزب الله" في موسكو.. الصورة أولاً
عبد الحسين شعبان

أكاديمي، باحث ومفكر عراقي

Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  المبادرة الفرنسية تنتعش.. الأولوية للحكومة وليس للحريري!