من المتوقع أن نشهد خلال ولاية دونالد ترامب الثانية تحولات سياسية على الصعيد الخارجي، بينها تأثيرات مباشرة على مستقبل القضية الفلسطينية، إلا أن الأمر لن يخلو من مواجهة تحديات وعقبات داخلية أميركية قد تؤثر حتى على دخوله إلى البيت الأبيض بسلاسة، أبرزها ترقب إصدار محكمة نيويورك حكمًا بحق ترامب في العاشر من الشهر الجاري، برغم عدم توقع أن يشمل الحكم أي نوع من التوقيف أو الاعتقال بحق ترامب.
ومن أهم التحديات التي بدأت قبل تولي ترامب السلطة هي انتخاب مايك جونسون، مرشح ترامب لرئاسة مجلس النواب، حيث واجه الأخير صعوبات كبيرة للحصول على دعم النواب الجمهوريين، برغم أن الحزب الجمهوري يمتلك الغالبية في المجلس، وقد تدخل ترامب شخصيًا لإقناع النواب، ما أدى إلى إعادة التصويت وانتخاب جونسون، وهو ما يعكس احتمالية وجود معارضة داخلية داخل الحزب الجمهوري، ما قد يؤدي إلى تعقيد علاقة ترامب بالكونغرس، لا سيما في ظل الاتهامات الموجهة لجونسون بالمرونة المفرطة مع الديموقراطيين.
وعلى رغم سيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ، يحتاج تمرير مشاريع القوانين الكبرى، مثل الموازنة، إلى توافق بين الحزبين، ويتطلب تمرير الموازنة تحديدًا 60 صوتًا في مجلس الشيوخ، وهو أمر غير متوفر لأي من الطرفين، مما قد يفرض توافقات سياسية مرحلية.
من جانب آخر، سيُركز ترامب في ولايته الثانية على القضايا الإقتصادية والاستراتيجية الدولية، مع استمرارية نهجه الصدامي. كما أن تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على كندا والإتحاد الأوروبي، واطلاقه تصريحات مثيرة للجدل حول إمكانية ضم كندا كولاية أمريكية أو شراء جزيرة غرينلاند من الدانمارك وسيطرة بلاده على قناة بنما، هي عبارة عن تمنيات لا تمت بصلة إلى الواقع.
وسيعمل ترمب جاهداً لإنهاء الحرب في أوكرانيا مُتبعاً مساراً يؤدي إلى تقليل التزامات الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا ورئيسها فولوديمير زيلينسكي، ولكن مدى النجاح في ذلك غير محسوم حتى الآن، وسيعمل في الوقت نفسه من أجل احتواء الصين في ظل التوتر المتصاعد بشأن تايوان والحرب التجارية المستمرة بين البلدين.
وعلى صعيد الشرق الأوسط، فإن فترة ترامب الثانية ستشهد دعمًا غير مسبوق لإسرائيل، مع استمرار تأجيج الصراعات الإقليمية.
فالقضية الفلسطينية ستواجه تحديات جسيمة في ظل إدارة ترامب الثانية، حيث من المتوقع أن تدعم إدارة ترامب خطة ضم مناطق “ج” التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية لإسرائيل، تنفيذًا لتعهدات قطعها ترامب لمتبرعين يهود في حملته الانتخابية.
وستعمل إدارة ترامب على عرقلة التحركات الفلسطينية في الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، ومن المتوقع أن تمارس ضغوطًا على المحكمة الجنائية الدولية لوقف التحقيقات في جرائم الحرب الإسرائيلية، بما في ذلك محاولة سحب مذكرات التوقيف الصادرة بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين.
ومن البديهي أن تواصل إدارة ترامب دعمها المطلق للسياسات الإسرائيلية في غزة، بما يشمل العمليات العسكرية الهادفة لتدمير القدرات العسكرية لحركة حماس وضمان استمرار السيطرة الإسرائيلية على القطاع، وقد يدفع ترامب نحو هدنة مؤقتة يتم خلالها إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين والأمريكيين.
وعلى صعيد القضية الفلسطينية، من الخيارات المتاحة فلسطينياً في ظل الدعم الأمريكي للاحتلال وغياب أي مسار سياسي، هو إعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال، مما يُحمّل الأمم المتحدة مسؤولية إدارة الأراضي المحتلة ويزيد من الضغط الدولي على إسرائيل.
وبالامكان أيضاً تبني نموذج إدارة دولية على غرار تيمور الشرقية، بحيث تتولى الأمم المتحدة إدارة الأراضي الفلسطينية حتى انتهاء الاحتلال.
باختصار، “الأجندتان” الداخلية والخارجية حافلتان بالاستحقاقات، وها هي منطقة الشرق الأوسط تعج بالصراعات في كل جنباتها، فهل سنشهد في ولاية ترامب الثانية المزيد من تصاعد ألسنة النيران أم أن هاجس الصفقات يدفعه إلى إخماد الحروب دفعة واحدة؟