مؤتمر الفرص العراقية الضائعة في.. عمّان!

تعدّدت وجهات النظر بشأن نتائج “مؤتمر بغداد” الذي عقد بنسخته الثانية في الاردن في العشرين من الجاري، وما إذا كان رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني قد خرج منه رابحاً أم خاسراً؟

ثمة رأي أول يقول إن المؤتمر الذي تشكّل في زمن رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفی الكاظمي يراد منه في نهاية المطاف “إبعاد العراق عن إيران وصولاً إلى إنخراطه في منظومة علاقات بديلة تستطيع تلبية احتياجاته بضوء أخضر أمريكي”. أما الرأي الثاني، فإنه يشير إلى أن الآخرين بحاجة للعراق أكثر من حاجة العراق إليهم. فالأردن ومصر بحاجة للنفط العراقي الرخيص من دون أن يقدما أي التزامات تخدم الأمن والتنمية في العراق؛ فيما فرنسا صاحبة فكرة المؤتمر تسعی للاستحواذ علی السوق العراقية وخصوصا سوق النفط والغاز أو علی الاقل مشاركة الشركات الامريكية العاملة في هذين المجالين. أما الرأي الثالث فيعتبر أن مثل هذه المؤتمرات التي لا تغني أو تسمن من جوع لديها أجندات وأهداف تتعدی الحاجة العراقية لتندرج في خانة التطبيع مع الكيان الصهيوني عبر النافذتين الأردنية والمصرية اللتين ترتبطان بعلاقات دبلوماسية مع الكيان “الإسرائيلي”.

وبعيداً عن هذه المقاربات، فان وجود العراق في مؤتمر يبحث آليات دعمه أمنياً وسياسياً واقتصادياً لا يمكن التعامل معه إلا بوصفه خطوة ايجابية تخدم العراق والمنطقة شريطة أن تتوفر للعراق رؤية واضحة وقراءة واعية للتطورات الاقليمية والدولية والمكانة التي يتبوأها العراق في المنطقة وآلية الاستفادة من نتائج هكذا مؤتمرات لبناء العراق ووضعه علی السكة الصحيحة التي يتطلع إليها، داخلياً واقليمياً ودولياً.

بداية؛ لم توضح الحكومة العراقية لماذا تم ترحيل “مؤتمر بغداد” الی خارج بغداد والعراق ولماذا تم إختيار الأردن تحديدا؟ لم تسعفني الذاكرة بأن مؤتمراً سمي بإسم مدينة معينة تم ترحيله إلی خارجها؛ خصوصاً أنه يحمل هدفاً واضحاً لدعم هذه المدينة، اللهم إلا أن تكون هذه المدينة قاصرة عن استضافة المؤتمر الذي سمي باسمها؛ ناهيك عن أن استضافة هذه المدينة لرؤساء دول اقليمية ودولية هو دعم لها ويزيد من مصداقيتها ويؤشر علی تضامن هذه الدول مع هذه المدينة علی أرضها.. والعكس صحيح.

ما يدعو للاسف أن العراق، وبعد مرور 19 عاماً على سقوط النظام السابق، لم ينجح في وضع تصور لما يجب أن يكون عليه. خطط متعثرة؛ تصورات متضاربة؛ موازنة متلكئة؛ لا هو يعرف ماذا يريد؟ ولا الآخرين يعلمون ذلك!

الدول التي شاركت في المؤتمر أكدت “دعمها للعراق في مواجهة مختلف التحديات التي تواجهه؛ واستمرار التعاون والتنسيق مع العراق دعماً لأمنه واستقراره وسيادته وللحوار سبيلاً لحل الخلافات الاقليمية”.

وخلال المؤتمر برزت عدة إشارات إيجابية، ومنها سعي العراق لتعزيز وتطوير علاقاته العربية والاقليمية والدولية بمختلف المجالات؛ وتعزيز آلية التعاون الثلاثي بين العراق والاردن ومصر والمضي بالمشاريع المتفق عليها سابقاً (قمة الشام الجديد)؛ وأهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي بين العراق والدول الخليجية إضافة إلی تطوير علاقات اقليمية بنّاءة قائمة علی حسن الجوار والحوار لحل الخلافات.

انخراط العراق في مؤتمرات اقليمية أو دولية خطوة في الاتجاه الصحيح؛ وبالتالي العراق عضو مؤسس للجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي ومنظمة الأمم المتحدة وهو يعيش البيئة العربية والاسلامية والدولية ولا يمكن بأي حال من الاحوال الابتعاد عن بيئته الحقيقية والطبيعية؛ لكن الظروف التي مرّ بها بعد العام 2003 خلقت استحقاقات ومناخات معينة تجعله منخرطاً بشكل أو بآخر فيها وبما وبما يترتب عليها من نتائج وتداعيات. أضف إلی ذلك امتلاك العراق ثروات تؤهله للتكامل الاقتصادي مع بقية دول الاقليم والعديد من الدول الاجنبية، سواء في الشرق او الغرب.

وإذا كان كل ذلك صحيحاً، فالصحيح أيضاً ان ينجح العراق في رسم تصوراته واحتياجاته المستقبلية التي تتعلق بالاقتصاد والسياسة والامن والعلاقات الدولية.

وما يدعو للأسف أن العراق، وبعد مرور 19 عاما على سقوط النظام السابق، لم ينجح في وضع تصور لما يجب أن يكون عليه. خطط متعثرة؛ تصورات متضاربة؛ موازنة متلكئة؛ لا هو يعرف ماذا يريد؟ ولا الآخرين يعلمون ذلك!

خلال السنوات الماضية، كُتبت تصورات وبرامج لكنها بقيت حبيسة الصدور وأدراج المكاتب؛ لم يؤمن بها إلا كتبتها لسبب بسيط: لم تكن الهّم الأول للعراقيين.

البلد ينهض بنُخبه. وهذه النخب تحتاج إلی عقل جمعي واع لآلية بناء المستقبل يستند علی الواقعية السياسية والطموح والابداع. وللأسف لا توجد مؤشرات تشير إلی وجود مثل هذا المناخ. وإن وُجِدَ فانه لم يستطع اقناع العراقيين بهذه التصورات؛ ونتائج الانتخابات وصناديق الاقتراع دليل واضح علی ما اقول.

أمام حكومة الرئيس محمد شياع السوداني فرصة ثمينة لايجاد تحول في الآليات التنفيذية الحكومية مستفيدة من البرلمان الذي يساندها لاقرار برامج تكون ملزمة للحكومات اللاحقة.

إن علاقة الحكومة ورئيسها بمكون سياسي معين أمر ايجابي وظاهرة تسير في اطار التجربة السياسية الفتية التي يمكن أن تُثري العمل الحكومي والحزبي بما يحقق طريق البناء والتقدم.

إقرأ على موقع 180  الإنسان في زمن "كورونا".. تحدي الحقيقة

العراق يستطيع أن يستفيد بشكل أكبر من علاقاته الاقليمية والدولية إذا كانت له رؤية مستقبلية ويعرف ماذا يريد؟ وإلی أين يسير؟.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  "ثورة الدانتيل".. والإنتحار الجماعي!