إسرائيل عن حصيلة “شقائق النعمان”: ليتنا لم نقتل عرفات وياسين (114)

يختم الكاتب رونين بيرغمان هذا الفصل من كتابه "انهض واقتل اولاً، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية" بتقييم للمسار الذي قضى باغتيال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وزعيم حركة "حماس" ومؤسسها الشيخ أحمد ياسين باستنتاج مفاده أن عملية "قطف شقائق النعمان"، غيّرت مجرى التاريخ في الشرق الأوسط "ولكن ليس نحو الأفضل بل نحو الأسوأ إذ أن الرئيس محمود عباس (أبو مازن) لم يتمكن من توحيد الشارع الفلسطيني تحت قيادة سلطته، وحركة حماس استطاعت إقامة كيان لها في قطاع غزة وازدادت ارتباطاً بايران على عكس رغبة وقرار مؤسسها".

يقول رونين بيرغمان في تقييمه هذا، “لقد نفّذت “إسرائيل” عدداً من التدابير في حربها على “الارهاب” الفلسطيني في الانتفاضة الثانية، من ضمنها الغزوات البرية للجيش “الإسرائيلي” من اجل القيام بعمليات اعتقال مكثفة، وانشاء جدار فاصل بين الضفة الغربية و”إسرائيل” لجعل تسلل “الارهابيين” الانتحاريين الى “إسرائيل” اكثر صعوبة. ولكن فيما اعاقت هذه التدابير عمل المنظمات “الارهابية” فإن الإحصاءات تُظهر أن هذه المنظمات واصلت بعد كل تلك التدابير محاولاتها لتنفيذ هجمات “إرهابية”، وأن الهجمات “الارهابية” توقفت فقط بعد تنفيذ عمليات مكثفة للقتل المتعمد والاغتيال (عملية قطاف شقائق النعمان) ضد قادة “الارهابيين”. ويعود الفضل لاجهزة القتل المتعمد في عملياتها الانسيابية في تمكن عالم الاستخبارات “الإسرائيلية” من الانتصار في شيء كان يعتبر على مدى سنوات طويلة أنه غير ممكن أن يهزم، أي “الإرهاب” الانتحاري. وباستثمار مصادر البلاد كلها، وبالإصرار العنيد والتعاون بين الاستخبارات والأذرع العملياتية وبالقيادة الصارمة والحاسمة لأرييل شارون أثبتت “إسرائيل” أنه بالامكان إركاع “القتلة” وشبكات “الارهاب” التي كانت تبدو وكأنها لا تقهر”.

ويتابع بيرغمان “استخدام القتل المتعمد كان يصاحبه كلفة عالية ايضا. فقد دفع الثمن اولا وقبل اي شيء آخر الابرياء الفلسطينيون الذين اصبحوا “أضرارا عرضية” لعمليات الاغتيال. الكثير من الناس الابرياء قتلوا والآلاف من ضمنهم اطفال جرحوا وباتوا معوقين لبقية حياتهم وآخرون أصبحوا يعانون من ندوب عقلية او باتوا بلا مأوى”.

دان حالوتس: “إنها مدونة السلوك الرئيسية في الشرق الأوسط، لقد فهموا أننا مجانين وأننا جاهزون للذهاب بالأمر حتى النهاية، وأننا غير جاهزين لبلع اعمالهم أكثر من ذلك”

وينقل بيرغمان عن مسؤول رفيع في “الشين بيت” قوله “في الماضي عندما كان كل شيء يجري بسرية وبشرعية مشكوك فيها كان يمكننا تنفيذ القليل من عمليات الاغتيال، فكم من هذه العمليات كانت تتم من دون ان تكشف؟ وفي اللحظة التي جعل فيها المحامي العام في الجيش الإسرائيلي هذه العمليات شرعية وقانونية وعلنية فقد فتحنا الباب لخط انتاج الاغتيالات، وهكذا فان ضميرنا الآن أكثر راحة ولكن عدداً اكبر من الناس باتوا قتلى”.

وينقل بيرغمان عن البروفسور (الضابط) في القانون في جامعة هارفرد منذ العام 2018 غابرييلا بلوم وهي ممن أصدروا مذكرة تشريع الاغتيالات قولها: “انا قلقة جداً مما كان تم التصريح به في الاساس كعمل استثنائي يتخذ في حالات استثنائية أصبح ممارسة دائمة”.

الى ذلك، يقول بيرغمان، إن حملة القتل المتعمد “ساهمت الى حد كبير جداً في عزل “إسرائيل” واعتبار أعمالها غير قانونية بعيون العالم. لقد بات ديفيد يتصرف تماماً مثل غوليات (ديفيد وغوليات هي رواية توراتية مذكورة في القرآن باسم داوود وجالوت، وفيها أن “الإسرائيليين” في القرن العاشر قبل الميلاد كانوا يستعدون لخوض معركة فاصلة مع الكنعانيين الفلستيين Philistines وكان في صفوف الكنعانيين عملاق جبار، غوليات، يتقدم كل يوم ولعدة ايام نحو “الإسرائيليين” ويتحداهم بان يرسلوا من يقاتله فان انتصر عليه وقتله فسيصبح “الإسرائيليون” خاضعين ورعايا للكنعانيين وان انتصر “الإسرائيلي” يذعن الكنعانيون لنفس المصير، وكان غوليات هذا مُغطى بالحديد ومنظره يثير الرعب بين “الإسرائيليين” فكانوا يهربون منه في كل اتجاه كلما اقترب منهم. وكان ديفيد فتى صغيراً ويعمل راعياً للغنم وقد أرسله والده إلى “جيس” ليحمل طعاماً لإخوته المقاتلين، فشاهد العملاق وسمع ان ملك “الإسرائيليين” سول مستعد لمكافأة من يقتل هذا العملاق ويزوجه ابنته الوحيدة ويجعله خليفته. ذهب ديفيد إلى الملك سول وأقنعه بأنه شجاع جداً وسبق له أن قتل اسداً ودباً هاجما قطيعه وأنه قادر على قتل العملاق غوليات. سمح له الملك بذلك وتقدم ديفيد نحو غوليات من دون دروع وهو يحمل مقلاعاً صغيراً ومجموعة من الحصى المسننة في كيس جلدي صغير. فاستهزأ غوليات بالفتى وقال له تعالَ لاقتلك بسيفي واطعمك للطيور. لقّّم ديفيد حصاة في مقلاعه ورمى بها غوليات فانغرست الحصى في جبينه وسقط على الأرض جثة هامدة. فأصبح ديفيد صهر الملك ثم أول ملك لسلالة ملكية حكمت إسرائيل لأكثر من 350 عاماً، بحسب الرواية التوراتية، كما أصبحت هذه الرواية تدل على قدرة الضعيف على هزيمة القوي بفضل مهارته وذكائه وقد استخدمت “إسرائيل” هذه الرواية مراراً في دعايتها خلال وبعد كل مواجهة لها مع العرب).

بيرغمان: آمي يعالون “كان محقاً عندما قال إن قتل القادة السياسيين يُغير مجرى التاريخ إلى مجرى جديد ولكن ليس بالضرورة أن يكون أفضل من المجرى السابق”

ويتابع بيرغمان تقييمه لعملية “قطف شقائق النعمان” بنقله ما قاله رئيس أركان الجيش “الإسرائيلي” دان حالوتس عندما شرح لماذا أقرت “إسرائيل” سياستها في القتل المتعمد بقوله “إنها مدونة السلوك الرئيسية في الشرق الأوسط، لقد فهموا أننا مجانين وأننا جاهزون للذهاب بالأمر حتى النهاية، وأننا غير جاهزين لبلع اعمالهم أكثر من ذلك”.

إقرأ على موقع 180  كتاب"أيام مع الخميني": رصاصة تنطلق في القرن الـ14 وتصيب القرن الـ20

ومع ذلك، يضيف بيرغمان، “موت شخصيتين رفيعتي المستوى، وهما أحمد ياسين وياسر عرفات، ترك تأثيراً دراماتيكياً على المنطقة برمتها” (من الملاحظ هنا أن الكاتب استخدم كلمة موت وليس قتل لوصف ما حصل لياسين وعرفات، علماً أن “إسرائيل” كانت تبنت رسميا عملية قتل ياسين، وبالتالي فان ورود اسم عرفات هنا يعني تبني فكرة قتل عرفات تماما مثل ياسين وإن بطريقة مواربة). أما آمي يعالون “فقد كان محقاً عندما قال إن قتل القادة السياسيين يُغير مجرى التاريخ إلى مجرى جديد ولكن ليس بالضرورة أن يكون أفضل من المجرى السابق – فقد ينتهي الامر بأن يكون المجرى الجديد إطالة أمد الوصول لتحقيق السلام”، يقول بيرغمان.

وما انتهت اليه الأمور، بحسب بيرغمان، أن عرفات “كان الشخص الوحيد القادر على الحفاظ على الشعب الفلسطيني موحداً إلى حد ما تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وبعد غيابه فشل خلفه محمود عباس في ذلك وتمكنت حركة “حماس” من السيطرة على قطاع غزة وأسّست كياناً فلسطينياً ثانياً هناك. هذا الواقع الجديد بات يشكل تهديداً خطيراً جداً لـ”إسرائيل”، واكبر بكثير من ذلك الذي كان شكّله عرفات طوال حياته”.

ويعود الفضل في نجاح حركة “حماس” في السيطرة على قطاع غزة إلى الدعم الهائل الذي تلقته من ايران، يقول بيرغمان، “ومن الصعب التصديق أن حماس كان يمكنها أن تنجح في إقامة دولتها الخاصة في قطاع غزة لو كان الشيخ أحمد ياسين لا يزال حياً، فياسين كان يعارض بشدة أي تعاون أو أي روابط مع إيران وقد فرض رؤيته هذه على المنظمة التي أسّسها وقادها. مما لا شك فيه أن قتل الشيخ ياسين شكّل أكبر ضربة قاسمة لحركة حماس في كل تاريخها والعامل الأكبر وراء رغبتها في التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع “إسرائيل”، ولكن أيضاً فان هذه الضربة قادت الى تغيير غير مرغوب به لمجرى التاريخ في الشرق الأوسط: فبفضل إزاحة ياسين من المشهد فرضت ايران، أخطر عدو لـ”إسرائيل”، آخر خطوة في خطتها لتصبح قوة إقليمية في المنطقة”.

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  هل تقتدي إيران بإسرائيل.. حفظ القنابل في القبو؟