“يجب أن يبدأ رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بالتعود. واحداً وراء الآخر ينزل القادة في أوروبا وفي الولايات المتحدة عن الجدار، ويعبرون عن قلقهم من خطة إضعاف جهاز القضاء. من كانوا حذرين في البداية، يعبّرون الآن عن مخاوف حقيقية على مصير قيم ديمقراطية أساسية في حال تم تمرير الخطة. الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، هو آخر من في السلسلة، حتى الآن.
في الأسبوع الماضي، خرج وزير الخارجية الأميركي أنتوني بيلنكن علناً أيضا، وإن كان بصورة مهذبة، ضد الخطة في لقائه مع نتنياهو. سبقته رئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا ماتسولا، التي استضافت الرئيس اسحق هرتسوغ قبل نحو أسبوعين. أشارت ماتسولا إلى أنها تحدثت مع الرئيس عن “التطورات القانونية في إسرائيل” وأوضحت: “الاتحاد الأوروبي وإسرائيل مرتبطان بعلاقات صداقة قوية تقوم على قيم مشتركة من بينها الديمقراطية وسلطة القانون. لا يمكن التعامل معها كأمور قائمة بحد ذاتها”. الآن، يمكن الافتراض بأن الموضوع لن ينزل عن جدول الأعمال. يمكن أن يسمع نتنياهو انتقاداً مشابهاً في كل رحلة له في المستقبل القريب إلى البيت الأبيض والى عواصم رئيسة في أوروبا.
فاجأ ماكرون البعثة الإسرائيلية. وقدر نتنياهو بأن اللقاء في باريس – وهو زيارة عمل سياسية أولى له (باستثناء رحلة صغيرة إلى الأردن) – سيكون حدثا وديا ومسيطرا عليه. في لقاءات سابقة بين الطرفين أوضح رجال الإدارة في فرنسا بأن الرئيس ماكرون لن يحرج نتنياهو بقضايا مختلف عليها. ولكن في اللقاء الأخير، طرح ماكرون الموضوع في المحادثة، وعبّر عن الخوف من المس بالديمقراطية. أحد الحاضرين في اللقاء سرب هذه الأمور لصحيفة “لوموند”، وأشعل هذا النبأ النشر حول الموضوع في وسائل الإعلام. مصدر إسرائيلي شارك في اللقاء قال، إنه لاحظ هذا البند في صفحة الرسائل المكتوبة التي كانت موضوعة أمام ماكرون. وحسب قوله فإن هذا الموضوع طرح على هامش اللقاء، الذي تركز في الأساس حول المشروع النووي الإيراني.
تطرق نتنياهو نفسه للانتقاد العالمي باستخفاف. “لقد تولد لديّ الانطباع بأن ماكرون لم يكن ضالعا بكل تفاصيل الإصلاح”، قال مصدر في حاشية نتنياهو في محادثة مع المراسلين. وألمح إلى أن التوضيحات التي قدمها نتنياهو هدّأت مخاوف ماكرون. ولكن في بداية الأسبوع الماضي نجح نتنياهو كما يبدو بدرجة اقل عندما تطرق بلينكن لخطة نتنياهو – لفين بالتحديد بعد جلوسه مع نتنياهو وسمع توضيحاته حولها. من المبكر أن نعرف هل سيبقى الانتقاد العالمي منضبطاً أم أن وجهة الحكومة هي نحو مواجهة اكثر أهمية مع المجتمع الدولي في هذا الموضوع أيضا.
كانت زيارة نتنياهو إلى باريس طويلة جدا. وعلى الرغم من أنها امتدت من الخميس وحتى منتهى السبت إلا أنه في الجدول الزمني الرسمي ظهرت ثلاثة أحداث فقط: وجبة عشاء مع ماكرون يوم الخميس، ولقاءان قصيران مع رجال أعمال فرنسيين وأعضاء الجالية اليهودية هناك، اللذان استهدفا إعطاء إشارات داعمة لنتنياهو وسياسته. بصورة غير مفاجئة فإن المراسلين الذين رافقوا نتنياهو لم يسمح لهم بالانضمام للقاءين الأخيرين وأخذ الانطباع بصورة مباشرة حول مواقفهم. لم يعرض مكتب رئيس الحكومة قائمة رجال الأعمال الذين جاؤوا للالتقاء مع نتنياهو. بعد اللقاء، أصدر مكتب رئيس الحكومة بياناً عن لقاء مع رجال أعمال، دون ذكر أسماء، وورد: “ما يقال عن هرب المستثمرين هو هراءات. نحن نريد أن نزيد الاستثمارات في إسرائيل”.
في فرنسا وإسرائيل يشعرون الآن بأنه بعد بضعة اشهر ستنتهي صلاحية بنود قرار مجلس الأمن رقم 2231، التي تمنع ايران من تصدير أو إدخال صواريخ بالستية تحمل رؤوسا متفجرة بوزن 500 كغم وأكثر مع مدى اكثر من 300 كم إلى حدودها. انتهاء سريان القرار (في الخريف المقبل) يمكن أن يرسل ايران إلى سباق تسلح جديد
من رافق نتنياهو عن قرب في اللقاءات، يوم الجمعة الماضي، كان صديقه والمقرب منه عضو البرلمان مائير حبيب. في موازاة الأحداث أعلن المجلس الدستوري في فرنسا عن إنهاء انتخاب حبيب للبرلمان بعد أن اكتشفت “مخالفات ومناورات، يبدو أنها تهدف إلى التأثير على مصداقية التصويت”. في الأسابيع الأخيرة وعلى خلفية عزله المتوقع حاولت شخصيات في فرنسا الدفع قدما بتعيينه سفيرا لإسرائيل في فرنسا، وهكذا يحل محل السفيرة المستقيلة، ياعيل جيرمان.
جيرمان، التي ستنهي منصبها بعد نحو أسبوع، تم إقصاؤها عن الزيارة بتوجيه من مكتب رئيس الحكومة بسبب العداء بين الطرفين. مصدر مطلع على مبادرة تعيين حبيب وجه إليها الانتقاد. حسب أقوال هذا المصدر “من المشكوك فيه إذا كانت هذه العملية سيتم دفعها قدما. في الظروف التي نشأت فإن حبيب سيكون “الوجه الجميل لإسرائيل”، وقرار تعيين شخص تورط مع السلطات في فرنسا يمكن أن يفسر بطريقة غير جيدة. يمكن الافتراض بأن حبيب لن يسارع إلى التنازل عن جنسيته الفرنسية من اجل هذا المنصب”.
أوضح نتنياهو في نهاية الأسبوع بأن اللقاء مع ماكرون كان مهما وذا مغزى. الحديث عن خطة إضعاف جهاز القضاء قيل حقا على هامش المحادثة بينهما، ولكن الزعيمين انشغلا بتوسع في قضية النووي الإيراني. شعر نتنياهو أن هناك تقارباً بين الطرفين، وطلب من ماكرون أن يعمل على الاعتراف بالحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، ووافق الرئيس الفرنسي على الدفع قدما بهذا الموضوع. الحلف المقلق الذي يوجد بين ايران وروسيا يساعد إسرائيل في تجنيد المجتمع الدولي للعمل ضد ايران.
في فرنسا وإسرائيل يشعرون الآن بأنه بعد بضعة اشهر ستنتهي صلاحية بنود قرار مجلس الأمن رقم 2231، التي تمنع ايران من تصدير أو إدخال صواريخ بالستية تحمل رؤوسا متفجرة بوزن 500 كغم وأكثر مع مدى اكثر من 300 كم إلى حدودها. انتهاء سريان القرار (في الخريف المقبل) يمكن أن يرسل ايران إلى سباق تسلح جديد.
في موضوع أوكرانيا، الذي يشغل فرنسا بشكل كبير، لم يكن لنتنياهو أي بشرى. أوضح نتنياهو لماكرون بأنه حتى الآن فإن احتمالية أن تزود إسرائيل كييف بوسائل دفاع جوي هي احتمالية ضعيفة. “لا أعرف دولة توجد لها طائرات تقلع يوميا على بعد بصقة أمام الطيارين الروس. توجد لإسرائيل هذه المشكلة التي لا توجد لدول أخرى”، قال مصدر سياسي بعد اللقاء في الإليزيه”. (المصدر: صحيفة “الأيام” الفلسطينية).