سيناريو تأجيل الإنفجار فلسطينياً ليس هو الحل!

حذر أكثر من مسئول إسرائيلى سابق من أن ما يجرى فى إسرائيل بمثابة حرب أهلية بوسائل غير السلاح. يحصل ذلك بسبب سياسات الحكومة الحالية، حكومة اليمين الدينى المتشدد، التى تتجه، ضمن أمور أخرى، لإحداث انقلاب قانونى فى توازن القوى القائم بين السلطات وذلك لمصلحة السلطة التنفيذية على حساب السلطة القضائية.

لم تنجح محاولات الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في مبادرته لتجسير الفجوة بين الحكومة والمعارضة بشأن الإصلاح القضائي الذى تصر عليه حكومة بنيامين نتنياهو. صراع يعكس في العمق، حسب رأي أكثر من مراقب للسياسة الإسرائيلية، خلافا شاسعا في الرؤية. خلاف يتعدى مسألة البنية السياسية للسلطة ليتناول طبيعة السلطة وأسسها وإدارتها لشئون البلاد وكذلك الخلاف المستفحل حول الأولويات الوطنية. ذلك كله يعكس حجم الانشطار الحاصل في المجتمع الإسرائيلي.

ولعل ما سهّل لا بل شجّع على ذلك أن القضية الفلسطينية، كما أشرنا أكثر من مرة، كانت خارج الأولويات الإقليمية منذ فترة غير قصيرة لأسباب عديدة أهمها دون شك الحرائق التي كانت وما زال أكثرها مستمرا في المنطقة ولو خفت بعض الشيء. لكن المفارقة المثيرة للاهتمام أن السياسة الناشطة للحكومة الجديدة القائمة على الاستكمال السريع لتهويد الجغرافيا والديمغرافيا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قد أعادت إحياء الصراع على الأرض بشكل تصاعدي ومفتوح على جميع الاحتمالات، الأمر الذى أعاد فرض القضية الفلسطينية، نظرا لمخاطر التطورات الحاصلة على المنطقة ولو بدرجات وأوقات مختلفة، على جدول الأولويات الإقليمية.. ولكن لا يعني ذلك بأي حال أن هنالك توجها للتسوية المطلوبة بل ما نشاهده هو العودة إلى محاولة تخفيض أو تجميد الصراع على الأرض خوفا من تداعياته إذا ما أخذ منحى تصاعديا في غياب أي أفق للتسوية السلمية المطلوبة.

التهدئة ضرورية إذا كانت مرتبطة بجدول زمني أو خريطة طريق لإعادة إحياء المفاوضات على الأسس والمرجعيات الدولية المعروفة، بقدر ما أنها خطيرة فى تداعياتها إذا كانت في حقيقة الأمر هدفا مفتوحا في الزمان، أو عملية شراء وقت فيما تستمر إسرائيل في سياسة الضم الفعلي والشامل للضفة الغربية

وفي ما يتعلق بتصعيد الصراع من المنظور الإسرائيلي من خلال خطة الوزير بتسلئيل سموتريتش الهادفة إلى تنفيذ مشروعه السياسي المسمى بخطة الحسم والقائم على محو الخط الأخضر بين إسرائيل والضفة العربية للضم الكلي للضفة، لا بد من التذكير في هذا المجال للدلالة على المنحى الذى اتخذته السياسة الإسرائيلية بشكل فاضح وواضح، إن إسرائيل رفضت استقبال جوزيف بوريل، المفوض الأعلى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي الذى وجه نقدا لاذعا لإسرائيل كونها «الطرف الوحيد الذي يرفض السلام على أساس حل الدولتين، من بين باقي الأطراف».

وعلى صعيد آخر، جاء مؤتمر شرم الشيخ الخماسي (الولايات المتحدة، إسرائيل، فلسطين، مصر، والأردن)، يوم الأحد الماضي، تحت عنوان “تحقيق التهدئة”، ليؤكد مجددا على ما نتج عن اجتماع الأطراف ذاتها في العقبة في ٢٦ من الشهر الفائت: لا إقرار لبؤر استيطانية جديدة لفترة ستة أشهر، ووقف مناقشة إنشاء أي وحدات استيطانية جديدة لفترة أربعة أشهر. كما أكد المؤتمر على ضرورة إنهاء الإجراءات الأحادية في فترة تمتد من ثلاثة إلى ستة أشهر، إلى جانب التطلع «لوضع أسس لإجراء مفاوضات مباشرة للتوصل إلى سلام شامل ودائم وعادل». وبقدر ما أن التهدئة ضرورية إذا كانت مرتبطة بجدول زمني أو خريطة طريق لإعادة إحياء المفاوضات على الأسس والمرجعيات الدولية المعروفة، بقدر ما أنها خطيرة فى تداعياتها إذا كانت في حقيقة الأمر هدفا مفتوحا في الزمان، أو عملية شراء وقت من جهة فيما تستمر إسرائيل في سياسة الضم الفعلي والشامل للضفة الغربية من جهة أخرى. وهذا ما سيستمر عليه مسار التطورات على الأرض.

سيزيد ذلك ويُسرع دون شك من إمكانية الانفجار الشامل الذى متى حدث سيخلط «أوراق اللعبة» ويعيد الصراع إلى المربع الأول مع ما يحمله ذلك من تداعيات ناتجة عن التطورات المنتظرة في سيناريو من هذا النوع: سيناريو تأجيل الانفجار. وكنا قد تساءلنا في مقالة، في المكان نفسه لهذا المقال منذ أربعة أسابيع، ما إذا كانت التهدئة هى الحل؟ ونتطلع من منظور مبدئي وواقعي في الوقت ذاته، لأن تكون التهدئة مجرد محطة في طريق ليس بالسهل ومليء بالحواجز ولكنه ضروري من منطلق جد واقعي لتلافي الذهاب نحو المجهول.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  لبنان: 50% تلقيح "خارج المنصة".. المناعة المجتمعية بعيدة!
ناصيف حتي

وزير خارجية لبنان الأسبق

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  ما بعد الإنتخابات المحلية.. التغيير التركي آتٍ