حقّق حزب “العدالة والتنمية” الحاكم وحلفاؤه نتيجة مهمة في الانتخابات النيابية، إلا أن رياح النتائج الرئاسية لم تأتِ كما تشتهيها سفن إردوغان، فكانت النتيجة أقل من 50 بالمئة، أي أقل من النسبة الضرورية للفوز من الجولة الانتخابية الأولى.
ويمكن ملاحظة أهمية العامل الكردي في الانتخابات، كما الفروقات بين نتائج المدن الساحلية من جهة والمدن والقرى الأناضولية من جهة أخرى، إضافة إلى تصويت المغتربين والمناطق المتضررة من الزلزال الذي وقع جنوب شرق تركيا في شهر شباط/فبراير الماضي.
ويمكن القول إنه على إردوغان الصلاة مجدداً لأرواح ضحايا الزلزال وذويهم لمرات ومرات. فلولا الأصوات المرتفعة التي حصل عليها في المحافظات التي تدمرت جراء الكارثة الطبيعية، لكان وضعه أسوأ بكثير، وهذا يدل على أن الأتراك كانوا راضين على استجابة الدولة السريعة بعّيد الزلزال، وذلك على عكس ما كانت المعارضة تبتغيه من تأليب للرأي العام هناك على إردوغان وحزبه. ففي مركز الزلزال، في مدينة كهرمان مرعش، حصل إردوغان على حوالى 71 بالمئة من الأصوات، كما حصل على حوالى 65 بالمئة في ولاية كيليس، وحوالى 59 بالمئة في ولاية غازي عنتاب، وهذا ينسحب أيضاً على ولايات أخرى من أصل 11 ولاية تضررت جراء الزلزال، تمكن إردوغان من الفوز فيها، باستثناء ولاية ديار بكر ذات الأغلبية الكردية.
واللافت للإنتباه أن الصوت الكردي الموالي لحزب “الشعوب الديمقراطي” شكّل رافعة أساسية لمرشح المعارضة كمال كيليجدار أوغلو، إذ حصل هذا الأخير على الصدارة في الولايات التي للحزب شعبية مهمة فيها. أما في أقصى الشرق التركي، وتحديداً في ولايات فان، هاكاري، ماردين، تونجلي وموش وغيرها من الولايات المتاخمة للحدود الإيرانية والعراقية والأرمنية، فلم يبلِ إردوغان بلاءً حسناً، فيما حصل في بعض الولايات على أقل من 25 بالمئة من الأصوات مثل ولايتي شرنق وإغدير.
سيلعب سنان أوجان دوراً أساسياً في الجولة الثانية من الانتخابات، وذلك بحكم الأصوات التي حصل عليها والتي إن جيّرها لأحد منافسيه ستكون كفيلة بفوزه. أما هو، أي أوجان، فيريد تعهداً بأن يكون نائب رئيس الجمهورية التركية مقابل تجيير أصواته إلى أي من المرشحين
على مقلب آخر، يمكن مقارنة نتائج المدن التركية والولايات الساحلية مع المدن والقرى الأناضولية. في تلك الأخيرة، تقدم إردوغان بشكل كبير وحقق نتيجة مهمة، وصلت في الكثير من القرى والبلدات والمدن الأناضولية إلى حدود الـ80 بالمئة. إلا أن صناديق المدن الكبرى والولايات الساحلية، لم تعطِ رئيس البلاد ما يتمناه، بل أغدقت على منافسه الكثير من الأصوات.
تقدم كيليجدار أوغلو في إسطنبول وأنقرة وإزمير، وهي أكبر المدن التركية بعدد سكانها. وعلى طول الخط الساحلي المطل على البحر الأبيض المتوسط، أتت أصوات إردوغان مخيّبة للآمال، إذ خسر الأكثرية في ولايات أضنة، مرسين، أنطاليا وولايات أخرى.
أوحت الانتخابات ونتائجها أن إردوغان يملك الأكثرية في الأناضول والأرياف، فيما يملك كيليجدار أوغلو الأكثرية في المدن الكبرى والساحلية. وهذا أمر متوقع بحكم ميل سكان المدن الكبرى والساحلية إلى الأفكار الغربية والعلمانية التي يطرحها مرشح المعارضة، وميل سكان الأرياف والوسط الأناضولي إلى الأفكار المحافِظة التي يتبناها إردوغان.
أما المرشح الثالث، سنان أوجان، فجمع حوالى 5.2 بالمئة من الأصوات (حوالى 2.8 مليون صوت) في كامل تركيا، متكلاً على أصوات القوميين المتطرفين الذي لم يغرقوا في الاستقطاب السياسي والشعبي الحاد الذي فرضته الانتخابات بين المرشحين الأساسيين.
وفي جميع الأحوال، سيلعب سنان أوجان دوراً أساسياً في الجولة الثانية من الانتخابات، وذلك بحكم الأصوات التي حصل عليها والتي إن جيّرها لأحد منافسيه ستكون كفيلة بفوزه. أما هو، أي أوجان، فيريد تعهداً بأن يكون نائب رئيس الجمهورية التركية مقابل تجيير أصواته إلى أي من المرشحين، ولا يبدو من تصريحاته وحركته ومواقفه أنه يفضل إردوغان على كيليجدار أوغلو أو العكس، بل يُفضل الصفقة التبادلية الأكثر منفعة له.
أما أصوات أتراك الخارج، فأتت لصالح إردوغان بحدود الـ54 بالمئة فقط، على الرغم من تعويله وتعويل حزبه في الحصول على أكثر من ذلك بكثير. وفي النتائج، حصل إردوغان على أكثرية مريحة بين الأتراك الذين يسكنون في الدول العربية (باستثناء الإمارات وسلطنة عمان)، وفي ألمانيا وهولندا وفرنسا والنمسا وبلجيكا، إلا أن منافسه حصل على أكثرية الأصوات في الولايات المتحدة الأميركية وكندا وروسيا وإسرائيل ومجمل الدول البلقانية والقوقازية.
يُذكر أن الانتخابات النيابية والرئاسية التي جرت الأحد الماضي شهدت نسبة مشاركة تخطت الـ88 في المئة، في حين ستجرى الدورة الثانية والأخيرة نهاية الشهر الحالي بين إردوغان وكيليجدار أوغلو حصراً، ليحسم الأتراك اسم رئيس بلادهم للسنوات الخمس القادمة.