إسرائيل في عقدها الثامن.. مصير الهنود الحمر!

ما يحدث من احتجاجات داخل الكيان الصهيوني يؤكد بأننا في لحظة إنقلاب على الموروث الصهيوني مثل أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" و"القلعة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة" إلخ.. أما المآلات، فقد ألمح إليها رئيس "الموساد" الأسبق، تمير باردو، بقوله "اختارت دولة إسرائيل تفعيل آلية التدمير الذاتي"!

كلام رئيس “الموساد” الأسبق هذا، يعيد إلى الذاكرة ما كان كتبه صاحب “نوبل” للآداب الأديب الفرنسي جان ماري غوستاف لوكليزيو عن الهنود الحمر وأسباب زوالهم في كتابه الرائع “الحلم المكسيكي” بعدما أمضى سنوات طويلة في دراسة تاريخهم، فيقول: “الحياة الهندية على الأرض مُكرّسة للتدمير”.

يصف لوكليزيو فكر أميركا الهندية بالمبتور “فإحدى أكثر سماته غرابة أنه كان يحمل عناصر نهايته الذاتية، فالتدمير كان منتظراً في معظم الثقافات الهندية. فالعالم الهندي، بواسطة العرافين، والمتنبئين والقوانين الفلكية، كان متشبعاً بفكرة الدورة والكوارث والبراكين والخسوفات والنيازك والتي كانت تشكل لهم إرهاصات بحلول النهاية، والفارق بين التدمير في الأساطير الهندية والتدمير في الفكر المسيحي أن الأخير يرتبط بخلق العالم بطريقة واضحة في حين أن الحياة الهندية على الأرض مكرسة للتدمير وهي لحظة قصيرة بين الفوضى البدائية والفوضى النهائية”.

“فالعامل المباشر في هذا التدمير السريع هو سياسة “فرق تسد” التي اتبعها الغازي الأبيض بين القبائل المكسيكية. استغل القادة البيض مكرهم فوزعوا حجارة الخضراء “اليشب” وهي رموز الصلاة الهندية، وقطعوا شجرة الصبار المقدسة، أي التي تصلهم بالاَلهة”.

كلام لوكليزيو عن أن غزو الأسبان للهنود جعل “عرّافيهم وأنبيائهم” يفسرونه بأنه “نذير شؤم بالفناء”، يُذكرنا بأن سلسلة هزائم إسرائيل في لبنان منذ الإنسحاب الأول من بيروت عام 1982 ثم من جنوب لبنان عام 1985 وفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها بالقضاء على منظومة صواريخ المقاومة في حرب “تصفية الحساب” في تموز/يوليو 1993 ومن ثم في حرب “عناقيد الغضب” في نيسان/أبريل 1996 وإنسحابها المذل من لبنان بدون قيد أو شرط عام 2000 وصولاً إلى هزيمة إسرائيل المدوية في عدوانها على لبنان عام 2006 وصولاً إلى هزائم إسرائيل المتتالية على غزة واَخرها عملية “ثأر الأحرار” قبل أيام قليلة وقبلها “سيف القدس” في العام 2021 وعمليات الطعن الفردية المتتالية في القدس وأراضي 48 المحتلة وما نشهده من مظاهر مقاومة للجيل الفلسطيني الجديد في الضفة، جعلت قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين يتنبأون بانهيار إسرائيل وهزيمتها من الداخل بسبب الصراعات الداخلية واحتدام الصراع مع الأعداء على أكثر من جبهة.

أبرز هذه الأصوات جاءت – خلال احتفال إسرائيل بالذكرى الـ74 لاحتلالها فلسطين – على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، الذي عبّر عن مخاوفه من زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهداً بالتاريخ اليهودي حيث لم تعمر لهم دولة أكثر من 80 سنة.

يرى باراك أن “إسرائيل في عامها الـ74، وهي في العقد الثامن من حياتها، لم تعد طفلة ويلزمها حساب ذاتي واستخلاص العبر من تجارب الماضي. لقد ولدنا هنا قبل نحو 3500 سنة. لكن طوال الطريق، فقط في فترتين قصيرتين، قامت للشعب اليهودي سيادة كاملة في أرضه؛ مملكة سلالة داود وسليمان، ومملكة الحشمونائيم”.

ويوضح أن العقد الثامن “بشّر في الحالتين ببداية تفكك السيادة. في العقد الثامن من وجودها انقسمت مملكة سلالة داود وسليمان إلى يهودا وإسرائيل. وفي العقد الثامن لمملكة الحشمونائيم، نشأ استقطاب داخلي، وممثلو الأجنحة حجّوا إلى بومبيوس في سوريا، وطلبوا تفكيك مملكة الحشمونائيم وأصبح جناحهم تابعاً لروما حتى خراب الهيكل الثاني”.

ويحذر باراك إسرائيل من المصير نفسه بقوله: “الثورة الصهيونية هي المحاولة الثالثة في التاريخ. وككيانٍ سيادي وصلنا إلى “العقد الثامن”. ونحن، كمن استحوذ عليهم الهوس، بتجاهلٍ صارخ لتحذيرات التلمود، “نعجّل النهاية”، ومراراً وتكراراً ننغمس في كراهية مجانية”.

هناك طرح مشابه للصحفي الإسرائيلي آري شافيت، الذي استعرض – في كتابه “البيت الثالث”.. “دولة إسرائيل”- كيف أصبح الإسرائيليون “العدو الأكبر لأنفسهم في “العقد الثامن” من استقلال الدولة العبرية”. وأشار إلى أن إسرائيل تشهد حالة تفكك داخلي ومحاولات من أجل إعادة تجميعها، قائلا “لن يكون هناك بيت رابع. إسرائيل هي الفرصة الأخيرة للشعب اليهودي”.

مصير إسرائيل اليوم يتأرجح بين أربعة خيارات: الأول: خطورة البقاء كدولة لـ”العقد الثامن”؛ الثاني: دولة اَيلة إلى “الفصل العنصري/الأبارتيد”؛ الثالث: خيار “الإستسلام” الذي تحدث عنه بعض الباحثين اليهود؛ والرابع: خيار “الإنتحار” كما يؤكد المحلل الإسرائيلي روغل ألفر

مجموعة المؤرخين الجدد

يأتي في مقدمة من تنبأ بإنهيار إسرائيل مجموعة المؤرخين الجدد وعلى رأسهم المؤرخ الإسرائيلي الشهير بيني موريس، الذي أمضى سنوات طويلة في دراسة تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، حيث يختصر رؤيته بقوله “لا أرى لنا مخرجاً فالدولة اليهودية لا يمكن أن تدوم. الانتصار سيكون حليفهم حتماً ـ أي العرب ـ في غضون ثلاثين إلى خمسين سنة سينتصرون علينا.. فالحاصل عملية تحوّل عميقة لا يبدو أنها ستنقطع، لا سيما أن الحالة الفلسطينية وما يحيط بها تمر بمرحلة سيولة عالية”.

وفي هذا المجال، برز اسم أفراهام بورغ السياسي الإسرائيلي المخضرم ورئيس الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) سابقاً ورئيس الوكالة اليهودية السابق الذي أثار عواصف في الرأي العام الإسرائيلي على مدى سنوات بآرائه وكتبه التي حذرت من توافر أسباب زوال إسرائيل.

ففي العام 2007، أثار بورغ عاصفة كبرى حين نشر كتابه “هزيمة هتلر” الذي شبّه فيه حال إسرائيل بحال ألمانيا النازية قبيل هزيمتها. وتتلخص فكرة بورغ بالقول إن إسرائيل “غيتو صهيوني يحمل أسباب زواله في ذاته”.. وأن الكيان الصهيوني “أصبح على شفا الإنهيار، بعد أن أصبحت إسرائيل دولة بلا قانون تقوم على الفساد والظلم”، مؤكداً أن دولة بلا قانون “لا يمكن أن تعيش”.

يؤكد بورغ بأن الصهيونية “كانت بمثابة السقالة التي مكّنت الشعب اليهودي من الانتقال من حالة الشتات إلى حالة الحكم السيادي المركزي”، وهذا الدور “انتهى بعد تتويج هذه المساعي في أيّار/مايو عام 1948 ونجم عن هذا التتويج مأساة الفلسطينيين المرعبة”.

إقرأ على موقع 180  سلطنة عُمان: تحديات اجتماعية ومستقبل اقتصادي مبهم

ويضيف: “هناك من نسي إزالة هذه السقالات المتهالكة، والتي مع الأسف وبفضل دعائم وهمية تدعي وجود صهيونيّة ليبرالية، ما زالت تُستخدم للإقصاء والتمييز. فالأمة الإسرائيلية اليوم تستند إلى سقالة من الفساد، وأسس من الاضطهاد والجور. وهكذا فنهاية المشروع الصهيوني على عتبة بابنا بالفعل. هناك إمكانية حقيقية لأن يكون جيلنا هو آخر جيل صهيوني”.

دولة الفصل العنصري

في العام 2018 وتحديداً في شهر تموز/يوليو، كشفت إسرائيل عن أنيابها بشكل فاضح كدولة عنصرية، حيث دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقانون الدولة القومية اليهودية إلى الكنيست للتصويت عليه، بعدما كانت تغطي عنصريتها كدولة، بوثيقة “إعلان الاستقلال” للعام 1948، التي تقول: “إن إسرائيل دولة يهودية ودولة لليهود، لكنها ملتزمة بحزم بممارسة عدم التمييز بين مواطنيها وبضمان حقوق اجتماعية وسياسية متساوية لجميع سكانها، دون تمييز في الجنس أو العقيدة أو الأصل العرقي أو الرأي السياسي”.

تم اعتماد قانون الدولة القومية اليهودية في الكنيست عام 2018 فأصبح بموجب هذا القانون للمواطن “الإسرائيلي” غير اليهودي مكانة أدنى، وهنا يستذكر بورغ التمييز الذي لحق اليهود في الغرب ومعاملتهم بدرجة أدنى، بقوله: “مثل تلك التي كانت لدى اليهود قديماً، مما يعني أن الوضع الذي كنا نمقته أصبحنا الآن نلحقه بمواطنينا من غير اليهود”.

هذا الأمر جعل الكاتب كريس ماكغريل (صحافي في “الغارديان” البريطانية سابقاً في جنوب أفريقيا وإسرائيل) يقول إن ما أدهشه هو عدد المرات التي أجرى فيها الإسرائيليون البارزون مقارنات بين الاحتلال والفصل العنصري، “فبعض قادة إسرائيل البارزين – وبينهم رئيسا وزراء سابقان هما إيهود باراك وإيهود أولمرت، والزعيم السابق للمعارضة وعضو الكنيست لمدة 32 عاماً يوسي ساريد الوزير السابق في الحكومة الإسرائيلية – حذروا لسنوات من أن بلادهم تنزلق إلى نظام الفصل العنصري”.

أثار بورغ عاصفة كبرى حين نشر كتابه “هزيمة هتلر” الذي شبّه فيه حال إسرائيل بحال ألمانيا النازية قبيل هزيمتها. وتتلخص فكرة بورغ بالقول إن إسرائيل “غيتو صهيوني يحمل أسباب زواله في ذاته”.. وأن الكيان الصهيوني “أصبح على شفا الإنهيار، بعد أن أصبحت إسرائيل دولة بلا قانون تقوم على الفساد والظلم

سوف يكتب التاريخ أن عودة “البيبية” نسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي “تسجد كنوع من العبادة الشخصية لزعيم فاشل متهم بمخالفات جنائية لا يكلف نفسه عناء إخفاء غريزته الديكتاتورية”، على حد تعبير الكاتب الإسرائيلي روغل ألفر، هذه “البيبية” أسّست لفكرة القلق الإسرائيلي “بقرب انهيار أو بداية النهاية لدول الاحتلال الإسرائيلي”. فهو (نتنياهو) وأعوانه “هم الأعداء الحقيقيون لمستقبل إسرائيل المهدد بالفناء”، كما يقول بورغ.

ولهذا جاء تصريح رئيس الأركان الصهيوني الأسبق غادي آيزنكوت بأن “التحدي المركزي لإسرائيل ليس التهديد النووي الإيراني ولا الفلسطينيين أو مشروع دقة صواريخ (“حزب الله” وإيران)، بل هو الحصانة القومية للمجتمع الإسرائيلي”، مما يؤكد الحكمة الاستراتيجية التي طالما كان يوصي بها الراحل امين هويدي وزير حربية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حركات المقاومة بأن “القلعة تسقط من داخلها”.

الخلاصة؛ مصير إسرائيل اليوم يتأرجح بين أربعة خيارات: الأول: خطورة البقاء كدولة لـ”العقد الثامن”؛ الثاني: دولة اَيلة إلى “الفصل العنصري/الأبارتيد”؛ الثالث: خيار “الإستسلام” الذي تحدث عنه بعض الباحثين اليهود، حيث يؤكد أكبر المتخصصين في الاستراتيجية العسكرية اليهودية مارتين فان كريفلد “أن ظاهرة رفض الخدمة في جيش الاحتلال الإسرائيلي دليل على أن الجيش في حالة تفكك”؛ والرابع: خيار “الإنتحار” كما يؤكد المحلل الإسرائيلي روغل ألفر، في صحيفة “هآرتس”.

يشرح روغل ألفر فرضيته بالقول “في الحرب المقبلة لإسرائيل مع الأعداء، سيتلقى السكان اليهود في البلاد الأوامر بالانتحار”، إقتداء لما حدث في أسطورة “مسادا” وهي إحدى الأساطير اليهودية التي تُروّج للبطولة والشجاعة لدى اليهود، برغم تكذيب باحثين يهوديين لها وهما: ويبسي روز مارين التي كتبت في صحيفة “جويش بوست” بتاريخ 24-8-1970 أن نتائج دراستها تؤكّد أن “ماسادا” محضّ خرافة وأسطورة وأنه لا يمكن التدليل على سلامة الاكتشافات الأثرية.

“ففي عام 72 بعد الميلاد سار الحاكم الروماني فلافيوس سيلفا إلى قلعة “ماسادا” على رأس الفرقة العاشرة وبعض القطعات وآلاف من أسرى الحرب اليهود، وبعد حصار طويل فتح سيلفا ثغرة في سور ماسادا، وبدأ إليعازر بن يائير يقنع أتباعه بأن ينتحروا فيقتل بعضهم بعضاً وهكذا حتى يفنوا جميعاً، فذلك خير من أن يقعوا في أيدي الرومان، وألقى فيهم خطبته الحماسية العصماء وحثّهم فيها على الموت الجماعي بدل الاستسلام والسقوط في مهانة الأسر، وقال في مطلعها: “لن نكون أبداً خدماً للرومان ولا لأي أحد غيرهم سوى الله نفسه.. فهو الحق والعدل.. وهو ربّ البشرية”.

وقد فضح المؤرّخ الإسرائيلي نخمان بن يهودا هذه الخرافة في كتابه “أسطورة ماسادا” الصادر عام 1995 بقوله: “الأشخاص الذين احتموا بالقلعة هرباً من بطش الرومان كانوا في الواقع من اللصوص وقطّاع الطرق؛ ممن ارتكبوا العديد من المذابح، بينها مذابح ضدّ قرى يهودية. كما كانوا مكروهين من جانب المؤسّسة اليهودية آنذاك، ولم ينظر إليهم أحد كأبطال قوميين”.

Print Friendly, PDF & Email
محمد علي فقيه

المدير التنفيذي لمعهد الدراسات الدولية، لبنان

Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  عون "حارس الجمهورية الثانية" أم عدوها؟