اللجوء والإستقرار اللبناني.. ومسؤولية العرب

تعود قضية اللاجئين السوريين بقوة إلى واجهة الأحداث فى لبنان لجملة من الأسباب أبرزها الوضع الاقتصادى الكارثى الذى يعيشه لبنان، والانسداد الحاصل أمام احتمال الخروج من النفق.

أولاً؛ الكل ينتظر الانتخابات الرئاسية اللبنانية لتبدأ عملية الإنقاذ الوطنى. العملية التى دونها الكثير من التحديات والشروط الواجب توفيرها من أهل السلطة أيا كانت الاصطفافات الحاصلة ولعبة تبادل المسئولية في ما هو حاصل، وفى ما وصل إليه لبنان. وأعتقد أننا ما زلنا بعيدين عن توفير الشروط المطلوبة لبنانيا للإنقاذ. فالصراع قائم حول الشخص الذى يطمئن هذا الطرف أو ذاك وليس حول الالتزام ببرنامج إصلاح واضح لإنقاذ لبنان من السقوط الكلى.
ثانياً؛ صحيح أن الأزمة اللبنانية التى أشرنا إليها ليست وليدة مشكلة النزوح السورى، بل هى نتيجة تراكم سياسات مالية واقتصادية تعبر خير تعبير عن طبيعة السلطة السياسية فى لبنان وأدائها. ولكن هذا الأمر زاد من وطأة الأزمة بسبب حجم النزوح الذى يبقى كبيرا نسبة إلى عدد السكان وضاغطا لعدم قدرة لبنان على تحمل تداعياته وتكلفته. وسمح للبعض عن قصد (سياسى أو غيره) أو عن غير قصد من تحميل النزوح السبب الرئيسى للأزمة الاقتصادية بتداعياتها الاجتماعية وغيرها الحادة التى يعيشها لبنان، وهذا طبعا ليس بالأمر الصحيح كما أشرنا سابقا، ولكن كما يذكر المثل الشعبى فإن الفقر يعلم النقار.
ثالثاً؛ لا بد من التذكير بالاختلاف الكبير فى احتساب عدد اللاجئين السوريين فى لبنان، بسبب القصور الفاضح والواضح فى التعامل العلمى والموضوعى مع هذا الأمر منذ بدايته، مما أدى إلى فجوة كبيرة فى احتساب العدد بين الأطراف المعنية، والتسييس الذى تبع ذلك أو عبر عنه. وزاد فى ذلك الأوضاع السياسية والأمنية وغيرها وضعف وهشاشة دور الدولة الأمر الذى سمح ويسمح للعديدين من التنقل بين لبنان وسوريا رغم أن ذلك يسقط صفة اللجوء عن الشخص الذى يقوم به دون أن يحصل ذلك بالفعل للأسباب التى ذكرناها.

هنالك مسئولية لبنانية أساسية لبلورة موقف فعلى وعملى واحد ليكون موقفا فعالا أمام «مؤتمر بروكسيل لدعم سوريا ودول الجوار»

رابعاً؛ رغم أن لبنان ليس عضوا فى الاتفاقية الخاصة باللاجئين لعام ١٩٥١ ولا فى البروتوكول الصادر عام ١٩٦٧، الاتفاقية التى تقوم على العودة الطوعية للشخص اللاجئ، ولكن لبنان يلتزم بمبدأ عدم الإعادة القسرية (principe du non refoulement). ويؤكد على مبدأ العودة الآمنة والكريمة والتدريجية للنازح (التوصيف المستعمل رسميا للشخص اللاجئ) بسبب ما أشرنا إليه سابقا.

خامساً؛ إن التطورات الحاصلة من حيث عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، التى جاءت بعد مسار تطبيع العلاقات السورية العربية ثنائيا بسرعات وأشكال مختلفة، وانتهاء الحرب فى سوريا، برغم عدم انتهاء الحرب حول سوريا واستمرار الصراع بالوكالة فى بعض المناطق الذى يتغذى ويغذى نزاعات ما زالت قائمة، كلها تطورات تعطى قوة دفع كبيرة لإعمال مبدأ العودة الآمنة والتدريجية للنازحين الذى أشرنا إليه سابقا.
سادساً؛ برغم الهوة القائمة بين موقف المنظمات الدولية المعنية بقضية اللجوء من جهة ومعها قوى دولية تدعمها لأسباب مختلفة منها ما هو سياسى يتعلق بحاضر العلاقات مع سوريا ومع مستقبل تلك العلاقات، والموقف اللبنانى من هذا الأمر من جهة أخرى، فإن هنالك مسئولية لبنانية أساسية لبلورة موقف فعلى وعملى واحد ليكون موقفا فعالا أمام «مؤتمر بروكسيل لدعم سوريا ودول الجوار»، فى دورة انعقاده السابعة فى ١٤ و١٥ من هذا الشهر. موقف، تبنى عليه دبلوماسية ناشطة لاحقا على الصعيدين الرسمى والعام، يستند إلى ما أشرنا إليه من معطيات. موقف يستدعى دعما عربيا، لأنه لا يتعلق فقط بلبنان، فى إطار العلاقات العربية العائدة مع سوريا، وليكون إحدى البنود الرئيسية فى إعادة بناء هذه العلاقات بغية تسهيل عملية العودة الآمنة والكريمة والتدريجية للاجئين السوريين إلى بلدهم.
إن معالجة هذه المشكلة الإنسانية أولا والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بتداعياتها المختلفة الأوجه والأبعاد مسئولية لبنانية أولا، ولكنها مسئولية عربية أيضا فيما يتعلق لبنان وكذلك الدول العربية الأخرى المعنية للإسهام فى توفير الاستقرار المنشود والمطلوب فى أحد أهم جوانبه وأبعاده.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  مصارف لبنان: نحن الأقوى.. بلطوا البحر!
ناصيف حتي

وزير خارجية لبنان الأسبق

Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  سأكتبها.. "تعودنا" ونستحق أكثر!