قال لنا أستاذنا، إن إعرابياً كان متزوجاً من أربع نساء ويعشن معه في خيمة واحدة كبيرة، وكان عند عودته من عمله مرهقاً كل مساء يجد أن الجو مشحون بين النسوة اللواتي كن يحولن سهرته الى جحيم بخلافاتهن. وكان السبب اليومي لهذه الخلافات أن كل واحدة منهن تُعيّر الاخريات بالقول إن الإعرابي يُحبّها أكثر منهن، وأنه قال لها ذلك مراراً وتكراراً، وبطبيعة الحال فقد كان هذا الرجل يجد حرجاً شديداً في الإعراب عن حبه لواحدة بعينها أكثر من الأخريات كي لا يثير الثلات الباقيات ضده. في أحد الأيام جاءته فكرة، إذ أحضر ذات صباح أربع خرزات زرقاء وانفرد بكل زوجة من زوجاته وأخبرها أنه يُحبّها أكثر من غيرها، وسيؤكد ذلك علناً أمامهن عند اجتماعه بهن في المساء، وستكون كلمة السر بينه وبينها “الخرزة الزرقاء” التي أعطاها لها وحدها. أمام هذا التطور، هدأت “الجبهة النهارية” بين الزوجات الأربع، ذلك أن كل واحدة منهن كانت تمني النفس بأن تسمع الأخريات أنها هي ملكة عرش قلب هذا الإعرابي بعضمة لسانه. وفي المساء وعندما تحلقت النسوة الأربع حول الزوج ليشربن الشاي معه بعد عشاء أعددنه معاً بحب وشغف، وقبل الموعد اليومي لانطلاق الشجار المسائي اليومي المعهود، طلب الإعرابي منهن الصمت والاصغاء جيداً وعدم التعليق أبداً وقال “أريد هذه الليلة أن أقول لكن سراً وهو أنني أعشق أكثر ما أعشق بينكن صاحبة الخرزة الزرقاء”. فتبسمت كل واحدة من النسوة الاربع لظن كل واحدة منهن انها المقصودة بقول الإعرابي، وعمّ الوئام بينهن وارتاح رأس الاعرابي من مشاكلهن اليومية.
غادرنا اليوم المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، بعد جولة من المباحثات شملت قيادات رسمية ودينية وسياسية. وكان لافتاً للإنتباه أن المسؤول الفرنسي كان مُقلاً جداً في طلاته الاعلامية بعد كل لقاء، فيما اطلق المسؤولون اللبنانيون العنان لتعليقاتهم وكلها تشي بأن اللقاء مع لودريان كان “ايجابيا جدا”، وهي العبارة التي رددها رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يقود المفاوضات حول الشأن الرئاسي باسم القوى التي رشحت رئيس تيار المردة سليمان فرنجية كما رددها فرنجية نفسه ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الداعم لترشيح الوزير السابق والموظف الحالي في صندوق النقد الدولي جهاد ازعور، ناهيك عن الصرح البطريركي. وهنا يبرز التساؤل ان كان فعلا الجو “ايجابياً” فهل نحن على باب انتهاء محنة الانتخابات الرئاسية للبنان؟ والجواب بحسب ما تناقلته وسائل الاعلام بان لودريان سيعود الى بلاده ويضع تقريرا عن لقاءاته امام الرئيس ايمانويل ماكرون الذي بدوره سيلتقي مستشاريه للشان اللبناني ويعدون معا مبادرة ما او خطة ما يحملها لودريان مجددا الشهر المقبل إلى بيروت ويطلع القوى السياسية اللبنانية عليها ويحاول اقناعهم بها. اي ان فكرة “الجو الايجابي” لاجتماعات لدوريان مع المسؤولين اللبنانيين ما هي الا تصريحات تعكس رغبات هؤلاء المسؤولين لا حقيقة ما جرى في الاجتماعات، خاصة وانهم كانوا استبقوا وصول لودريان الى بيروت بتحليلات أوحت أن كل طرف لبناني يراهن على أن المبعوث الفرنسي يأتي إلى لبنان لاقناع الطرف الآخر بالتراجع عن خياره لان فرنسا باتت مقتنعة بمرشحه هو، أو أنها طبخت اتفاقاً مع السعودية وايران، وإلى ما هنالك من آراء تعكس فقط رغبات أصحابها.
اليوم انتهت زيارة لودريان وعاد الى بلاده، ومن يقرأ تاريخ هذا الرجل فإنه يرى أنه كان عضواً في حكومة الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند كما كان في حكومة الرئيس اليميني ايمانويل ماكرون كما انه يفهم الطبقة السياسية اللبنانية جيدا وقد يكون من قماشتها بعد أن تبين انه متورط في فضيحة فساد كبيرة في جمهورية مالي وبالتالي فإن رجلاً يحمل هذه الصفات لا بد ان يتمتع بحنكة الإعرابي الآنف الذكر، اما “الجو الايجابي” الذي تحدثت عنها الأطراف السياسية اللبنانية فليست بالمعنى الذي توحيه هذه الكلمات بل على طريقة رواية الإعرابي.. والخرزات الزرقاء!