تمحورت المحادثات التي أجراها عبد اللهيان مع نظرائه وكبار المسؤولين في هذه الدول الخليجية حول العلاقات الثنائية وعلاقة إيران بدول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث جاءت جولة عبد اللهيان غداة الزيارة المهمة التي قام بها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى طهران.
وفي ظل هذه الأجواء، تتحدث وزارة الخارجية الإيرانية عن مشروع “منتدی الحوار والتعاون” بين الجانبين الإيراني والخليجي المنوي طرحه علی الدول الخليجية الست في اجتماع يُعقد علی هامش إجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول المقبل، وهو يهدف إلى إعادة صياغة العلاقات الإيرانية الخليجية بما يُحقق الأمن والإستقرار بين دول المنطقة من جهة وبما يُحقق مصالح كافة الأطراف المعنية بهذا الحوار من جهة أخری.
حتى الآن، لا تفاصيل رسمية بشأن مشروع المنتدى، لكنها ليست المرة الأولی التي تطرح فيها إيران مشروعاً من هذا النوع، على مدى العقد الماضي، ذلك أنها طرحت في عهد الرئيس حسن روحاني “مبادرة هرمز للسلام” (2019)، فيما طرح وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف فكرة “منتدی الحوار الاقليمي” (2018)، لكن هذين المشروعين لم يلقيا آذاناً صاغية لدى الدول الخليجية نظراً لتوتر العلاقات الخليجية الإيرانية لأسباب متعددة في السنوات الماضية.
وتتطرق المصادر الإيرانية إلى فكرة “منتدی الحوار والتعاون” التي تستند إلی أربعة مسارات تأخذ بالاعتبار الفرص المتاحة ونقاط القوة والتحديات، وذلك على الشكل الآتي:
المسار الأول؛ إعادة العلاقات الدبلوماسية إلى حالتها السابقة عن طريق إعادة فتح السفارات والقنصليات، وزيادة الزيارات الدبلوماسية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية، وتطوير السياحة وباقي المجالات الثنائية.
المسار الثاني؛ خلق مناخ ملائم للتعاون والتوافق على الصعيد الإقليمي من خلال تعزيز العلاقات الثنائية والعمل علی الانغماس بالخيارات السياسية لحل أزمات المنطقة وتحديداً ما يتعلق بأزمتي سوريا واليمن؛ مع الإيمان بضرورة وجود بنية إقليمية قوية لمواجهة التحديات الراهنة والمحتملة وهو ما يتم الاتفاق عليه بالإجماع من قبل الدول المشاركة.
المسار الثالث؛ بناء أطر سياسية، أمنية واقتصادية فاعلة في مواجهة التحديات وصولاً إلی تبلور منظمة إقليمية قادرة على مناقشة وحل القضايا الإقليمية البارزة.
المسار الرابع؛ تطوير “الأمن الجماعي” الإقليمي وصولاً إلی قيام منظمة إقليمية تعني بالأمن والتعاون علی غرار “منظمة الأمن والتعاون” الأوروبية، وهي كيان تحوّل إلى منظمة رسمية بعد عقدين من الحوار الأمني منذ مؤتمر هلسنكي عام 1973.
يُمكن تفهم القلق الإيراني من السلوك الخليجي، وفي الوقت ذاته، تفهم القلق الخليجي من السلوك الإيراني، إلا أنه لا بد من إنطلاقة ما ولعل البداية تكون من عند الإجابة على السؤال الآتي: كيف يمكن إزالة القلق عند الجانبين وبناء علاقات أمنية وسياسية مستدامة وصولاً إلى تكامل إقتصادي تتطلع إليه كل شعوب المنطقة؟
وفي هذا المجال، تبرز ملاحظات عديدة علی مشروع “منتدى الحوار” الهادف إلى إعادة صياغة العلاقات بشكل استراتيجي ثابت بين دول لم تكن العلاقة بينها مستقرة طوال السنوات الأربعين الماضية.
ومن يطلع على أبرز عناوين هذا المشروع يستنتج أولاً أن من أشرف علی صياغته لم يستوعب بعد طبيعة العلاقة بين الجمهورية الاسلامية الإيرانية والدول الخليجية؛ ثانياً، يجهل طبيعة الأسباب التي أدت إلی رفض هذه الدول كافة المشاريع السابقة التي طرحت من قبل إيران؛ وثالثاً، لم يأخذ في الإعتبار الثوابت المختلفة التي يلتزم بها الجانبان حيال قضايا إقليمية ودولية.
لذا، يمكن القول إن الفكرة طموحة وممكنة وتصب في مصلحة كل دول المنطقة وتؤسس لحياة سياسية وأمنية جديدة علی أساس المصالح المشتركة لدول المنطقة؛ لكنها تصطدم بالأسباب الثلاثة التي ذكرتها أعلاه وهي أسباب غير سهلة وتحتاج إلى إزالة تراكمات عمرها أكثر من أربعة عقود من الزمن ولا تنتهي بشحطة قلم.
ومن يُراجع العلاقات بين إيران والدول الخليجية، يجد أنها مرّت بمراحل متذبذبة منذ نجاح الثورة الاسلامية عام 1979 حتى الأمس القريب. ويمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل:
الأولی منذ 11 شباط/فبراير 1979 تاريخ انتصار الثورة الاسلامية حتی 22 أيلول/سبتمبر 1980 تاريخ بدء الحرب العراقية ـ الإيرانية.
الثانية منذ العام 1980 (إندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية) وحتی انتهاء هذه الحرب في 20 أغسطس/آب 1988.
الثالثة منذ إنتهاء الحرب (1988) حتی يومنا هذا.
وفي كل مرحلة من هذه المراحل، لم تكن العلاقات محكومة بنمطية ثابتة بل بمسارات متذبذبة، كما تأثرت بمؤثرات داخلية وخارجية. ولا تقتصر مسؤولية التأزيم والتوتر على جهة واحدة بل يتحمل الجميع مسؤولية ما شاب تلك المراحل من إستعصاءات وتوترات وشوائب.
وليست هذه هي مناسبة الخوض في جدلية الأسباب والأطراف لكن المقاربة التقييمية النقدية من شأنها أن تقود هذه الدول إلی وضع اقتراحات عملية وواقعية تؤسس لحقبة جديدة من التعاون في الأمن والسياسة والإقتصاد ومن خلال أطر ضامنة تؤمن الإستمرارية.
ومن المفيد الإشارة إلى أن كاتب هذه السطور كان قد نبّه أكثر من مرة وفي أكثر من دراسة وحديث ومقالة ونقاش إلی قضية “الثقة” المفقودة بين الجانبين الإيراني والخليجي بشأن النوايا والتصورات والسلوك، وهذه كلها بمثابة جادة في اتجاهين يحتاج سلوكهما إلى رؤية واضحة وطرق “عملية” ونظم “واقعية” لتعزيز هذه “الثقة”.
بهذا المعنى، يُمكن تفهم القلق الإيراني من السلوك الخليجي، وفي الوقت ذاته، تفهم القلق الخليجي من السلوك الإيراني، إلا أنه لا بد من إنطلاقة ما ولعل البداية تكون من عند الإجابة على السؤال الآتي: كيف يمكن إزالة القلق عند الجانبين وبناء علاقات أمنية وسياسية مستدامة وصولاً إلى تكامل إقتصادي تتطلع إليه كل شعوب المنطقة؟.
أنا كتبت في مقالة سابقة أن طريق العلاقات الإيرانية السعودية يحتاج إلى سجادة حمراء غير متوفرة وبالتالي يجب بذل جهود مضنية وواقعية لوضع هذه العلاقات علی السكة الصحيحة لأن هذه العلاقات ليست مهمة للبلدين فحسب وانما لكل دول المنطقة ناهيك عن بقية دول مجلس التعاون الخليجي.