غسان كنفاني يطرق.. “أبواب علي”!

يقول عالم النفس الفرنسي جاك لاكان "قد نجد الحقيقة في المهملات". أي قد نجد الحقيقة في آخر الكلام ذلك لأن المعرفة لا تتجزأ ولا يمكن أن تتجزأ.

الكون بأكمله يسير، له عمر طويل لا نعلم متى بدأ وقد لا نعلم نهايته. عُمري من عُمر متوسط عمر الانسان قبل ملايين السنين. لا أريد أن أظلم نفسي ولا الحظ، ولا حتى الحياة كهدية. أما الآن، أما اليوم، فأنا أعاني من سرعة الوقت وسرقته مني حتى خلال النوم! اي خسارة للوقت هي خسارة لي. أريد فقط أن اعيش كل لحظة بلحظة، أريد أن أعيشها بكل لحظاتها، أي الحياة. أما الفكرة وتطبيقها فهي أبسط من محاولة السفر ولف العالم. قد تكون أثناء جلوسي على أريكة ممددة أتأمل السماء كوني راضية عن نفسي وحينها تلك اللحظة ستساوي الدنيا وما فيها.

***

مررت بمراحل كنت مهجوسة بالكثير من المواقف المتعلقة بالغد وقد اخذت مني الكثير من الوقت الذي اصبحت أقدسه. الآن، أرغب وأعمل على تطوير نفسي عبر استكمال العلم أكاديميا، ولهذا ارى في نفس الوقت ان الحياة من دون اهداف ستكون مملة، قد يكون الهدف هو زرع شجرة. الأمر يتطلب الانتظار. عليه، درست في هذا العمر (إملأ الفراغ بالعمر المناسب) وانتظرت النتيجة ونجحت. عندما يحب الانسان نفسه، ليس على حساب الآخرين، سينجح وهذا ما حصل معي. أحببت وأحب نفسيتي. شكلي. جسمي. وأقدّر ذلك. أرتب هندامي، أحب عقلي الذي يفكر خارج الصندوق.

اشتغلت هذه السنة، تعلمت، ونجحت. لدي رؤيتي الخاصة الآن وهذا ما يوازي صناعة القرارات، أما المسار فلا بد منه كما ذكرت سابقا وهو التعليم. خضت مسيرة تحدي الذات والتقاط الشغف. اتساءل هل سانجح في الاختصاص او اكون مبدعة وهل سأطور نفسي أكثر وهذه قمة السعادة. السعادة في أن نمارس ما نحبه.

ها انا اضع قدراتي بمحلها (كومبيوتر ساينس) لأبرهن لنفسي اولا. لذا، لا بد من التعب الذهني بدل التعب الجسدي السابق (كنت اعمل في مجال توزيع الأدوية). كما ان العمل الجديد يعطي قيمة للنفس. لا اُحمّل نفسي أكثر مما أحتمل، لأنني أعيش خارج العادات والتقاليد المجتمعية البالية.

***

هدفي أن أكون سعيدة فقط. سعادتي غير مرتبطة بآخرين يُصرون على أن يبنوا لنا تصورنا. استمتع بكل لحظة من لحظات حياتي. أمشي في الشارع. في زحامه مع كل الوجوه العابرة. أمشي بين الزحام بكامل الهدوء ذلك لأنني خارج هذه الالتزامات التي تؤدي للتوتر اليومي. أعتبر أنني جئت سياحة على هذا الكوكب.. اعتبر أنني كائنة جاءت من لا شيء لكي تتفرج على العالم بيومياته (شوفير تاكسي، امرأة تشرب قهوة وراكب يحلّل الشخصيات في سيارة “الفان” مثلاً). اعيش، أتخيّل عن كل فرد، مما يؤدي الى سيناريوهات عامة وتفصيلية عن نمط حياة العالم المتماشية في الزحام. سعيدة بزمني بالرغم من كل شيء. والأهم أنني لا أجلد نفسي، لا أنكر الغلط، اعتذر عنه وأحاول الّا أكرره. احاول ان أكون وأن أقدم شخصية حلوة بكل الحياة التي أتيتها. نأتي ونختفي. لن اشتري بيتاً في لبنان كما جرّبت سابقاً قبل الثورة. لا اريد اعطاء اي مجهود مثل شراء بيت! فقط قررت أن استمتع.

***

نشاهد مسرحية علي الإبريق. علي يجلس على كرسي في مسرح تمر فيه الشخصيات كما يمر الليل والنهار. الكوكب كله مسرح.. فماذا لو كنت تشاهد الأحداث من فوق. كل انسان يتقمص شخصية ويبني هوية تتغير حسب الوقت والظروف. تجارب الحياة تُعلّم وتجعلك تكسب خبرات بالتعامل والتواصل مع الآخرين أكثر لنعرف هويتنا أكثر. لنعرف ما نحب وما نرغب، كما “نكتسب الخذلان أيضا عندما نفكر بطريقة وردية الامر الذي يؤدي الى تغيير داخلي آخر”.

علي هو قلب من قلوب صيدا. شاب من زمن ما بعد انتفاضة 17 تشرين اللبنانية، طمح بشيء ما وخذل والآن يطمح بجميع الأشياء او بشيء واحد. هو سيّان بالنسبة إليه مع الاكتفاء الذاتي الذي يعيشه الشاب.

لكن ما هو الاكتفاء الذاتي؟

الاكتفاء كما تحدث عنه غسان كنفاني بأن انساناً سار على درب والده، والطريقة الوحيدة لحل اللغز لا تكون الا بالذهاب خلف الباب (الباب الذي جسده رمزيا غسان كنفاني في مسرحية “الباب”). خلف الباب من المفترض أنه يوجد موت، بعدها يرى ان الله لا يوجد الا في خيالنا. هنا نجد أن غسان كنفاني تأثر بأعمدة وجودية مثل البير كامو وسارتر وفوكو.

استخدم غسان في مسرحية “الباب” مفردات مثل: الاكتفاء الذاتي، الموت، الخيار، الاختيار، القدر، الغفران، الذل، الطاعة، المطيع والمطاع، نزال مع الآلهة.. جميعها مفردات وجودية.. والكاتب يُمثّل جيله لكن على طريقته كقاص وصحفي وكاتب فلسطيني.

لا يتحدى غسان كنفاني في “الباب” الآلهة انما يتحدى أفكاره الى أن يعبرها ويتجاوزها الى العلمية المادية. وقد تم توارث هذه الفكرة من الأب “عاد” الى أحفاده. كان غسان كنفاني يكتفي بالوجود كوجود أما الوجه الآخر فهو العدم. وعليه، صار الاكتفاء بالنسبة لكنفاني هو هزيمة للذات.

إقرأ على موقع 180  رائدة طه وتين فلسطين.. حُزننا ملءُ حناجرنا

يحاول غسان كنفاني من خلال مسرحية “الباب” تفسير الآخر وتحليله من منطلق ذاته أولاً، الهزيمة او التحدي؟ يستعمل الرموز السابقة الذكر وتصبح المسرحية لعبة وهذه كلمة من الكلمات الرموز.

تلعب الحبكة والرغبة وتحليل الآخر دورا في المسرحية، أما الخيال فنجده واسعا وسع أفكار غسان وهوياته المتعددة وأولها الفلسطينية. قد يعتقد البعض ان “الباب” هو رمز لقضيتنا كما حصل مع “رجال في الشمس” الذين لم يدقوا الخزان. لم نعلم أي الغيوم اختار الحفيد لينازل هبا (الإله) مع “عاد”. تبقى التتمة مع انتظار غودو في الفصل الخامس من المسرحية وهذا التشبيه مخصص للفصل الاخير من المسرحية.

***

 اما الآن فسأكتفي بهذه المقدمة البسيطة في ختام هذا النص:

الوجود في الذات يشابه الوجود المحض، فيصبح الاكتفاء مثل شجرة مكتفية ذاتياً، أي أن الحياة بلا حياة وهو شبه الوجود المحض. لقد وصل الصوفيون سابقا وعن طريق بوذا الى الاكتفاء الذاتي، على اعتبار أن الجزء من الكل وعليهم التفاعل مع هذا الكل! الاكتفاء الذاتي أي الانضواء في الخلق.

(*) النص بلسان الكاتبة مستوحى من حوار بينها وبين “علي الإبريق”

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  عن مشروعَي أركون والجابري في ظِلال ميشال فوكو (5)