ما بعد الصفقة بين إيران وأمريكا.. محادثات مباشرة؟ 

بعد أسابيع طويلة من المفاوضات المعقدة والمضنية بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان وقطر، توصل الجانبان إلى صفقة تبادل سجناء بينهما والإفراج عن جزء من الودائع الإيرانية المحتجزة لدی العراق وكوريا الجنوبية وصندوق النقد الدولي والتي تقدر بـ 24 مليار دولار.

فور الإعلان عن هذه الصفقة، أعلنت السلطات الإيرانية نقل المعتقلين لديها من السجن إلی “الإقامة الجبرية” إلى حين استكمال عملية نقل الأموال الإيرانية المحتجزة في بنوك كوريا الجنوبية. وقالت مصادر مطلعة إن هذه الأموال تم نقلها بالفعل إلی مصرف في سويسرا حيث يتم تحويلها إلى اليورو قبل نقلها لاحقاً إلى مصرفين آخرين في بلدين أوروبيين ومن ثم يتم نقلها إلى الحساب الإيراني المفتوح في أحد البنوك القطرية في الدوحة، حسب إجراءات وزارة الخزانة الأمريكية. أما الأموال المحتجزة في العراق والتي تُقدّر بنحو 11 مليار دولار، فإن البنك المركزي العراقي قام بتحويلها إلى بنك التجارة العراقي، بعدما كان قد قام في وقت سابق بتحويل 2.5 مليار دولار إلى البنك المركزي العماني، على أن تتم تسوية المبلغ المتبقي وفق تفاهمات أبرمت بين العراق وسلطنة عمان ووزارة الخزانة الأمريكية والبنك الفيدرالي الأمريكي.

وقال كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري إن بلاده حصلت علی ضمانات كافية بشأن حسن تنفيذ الصفقة، وأشار إلى أن الأجواء التي تحيط بالمفاوضات إيجابية وتختلف عن سابقاتها. ولم يذكر باقري ماهية هذه الأجواء إلا أن المسؤول البارز في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط” هنري روما قال إن هذا الإتفاق هو عامل رئيسي في جهود واشنطن وطهران لتقليل التوترات بين البلدين، معرباً عن تكهنه في أن يكون هدف الرئيس الأمريكي جو بايدن هو السماح باستئناف المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة أوروبية في وقت لاحق من هذا العام (تردد أن جهات دولية واقليمية تسعى لأن يحصل ذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر المقبل)؛ لكن هنري قال إن بايدن لا يريد مقاربة إعادة إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بسبب حساسية الموضوع عند الجمهوريين الذين يتربصون بالديموقراطين قبيل أشهر من موعد إنطلاق التحضيرات للانتخابات الرئاسية المقررة في خريف العام 2024.

إذا توفرت الإرادة وتم خلق مناخ من الثقة التي تحتاجها العلاقات الإيرانية الأمريكية، يُمكن أن نشهد طي صفحة المباحثات غير المباشرة والإنتقال الی مباحثات مباشرة يستطيع المفاوضون من خلالها التحدث بسلاسة ومرونة غير متوفرة راهناً

واللافت للإنتباه في التفاهم الجديد هو الآتي:

أولاً؛ اذعان الإدارة الأمريكية للمطالب الإيرانية بشأن أنشطة تخصيب اليورانيوم الی درجة 60 بالمئة.

ثانياً؛ الجهود التي بذلتها كل من سلطنة عمان وقطر للتوصل إلى الصفقة إنطلاقاً من علاقاتهما المتميزة بكل من إيران والولايات المتحدة. وبدا واضحاً أن طهران كانت مطمئنة إلى الجهود التي بذلتها هاتان الدولتان الخليجيتان من لحظة بدء المفاوضات النووية حتى يومنا هذا.

ثالثاً؛ ثمة اعتقاد أن تنفيذ هذه الصفقة سيخلق أرضية مناسبة من أجل المضي في مناقشة قضايا عالقة بين الجانبين في مقدمتها القضايا المرتبطة بالدور الاقليمي لإيران والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة علی طهران؛ بيد أن هذا المسار لا يسير علی سجادة حمراء وإن كان الإيرانيون متفائلين بحذر ذلك أن الأمر يحتاج إلى إرادة متبادلة من الجانبين.

رابعاً؛ إذا توفرت الإرادة وتم خلق مناخ من الثقة التي تحتاجها العلاقات الإيرانية الأمريكية، يُمكن أن نشهد طي صفحة المباحثات غير المباشرة والإنتقال الی مباحثات مباشرة يستطيع المفاوضون من خلالها التحدث بسلاسة ومرونة غير متوفرة راهناً.

ويبدو لي أن الكرة الآن ليست في الملعب الإيراني وإنما في الملعب الأمريكي لسبب بسيط وهو أن الرئيس السابق دونالد ترامب قضی علی مناخ الثقة الذي بدأ يتكون بعد التوقيع علی الاتفاق النووي عام 2015 من خلال قراره القاضي بالانسحاب من الاتفاق عام 2018 وبذلك دخل الاتفاق النووي ومعه العلاقات الثنائية بين الجانبين في نفق مظلم، وزاد الطين بلة تردد بايدن في اتخاذ القرار الشجاع بالرجوع إلى الاتفاق النووي كما كان قد وعد خلال انتخابات العام 2020.

يشي ذلك أن إدارة بايدن بحاجة إلى تفاهمات مع الجانب الإيراني خصوصاً من نوع الإفراج عن معتقلين أمريكيين تحرص الإدارة علی وصولهم إلى واشنطن قبيل الانتخابات الرئاسية للتخفيف من حدة المواجهة مع الجمهوريين الذين يريدون الايقاع ببايدن وحزبه في الانتخابات التي لن تكون علی شاكلة سابقاتها خصوصاً في ظل المحاكمات التي يواجهها ترامب في ملفات عديدة.

في الجانب الإيراني؛ فإن الأجواء التي تحيط بعلاقات طهران بدول الجوار العربية عموماً والخليجية خصوصاً، تدفع بالحكومة الإيرانية إلى الاستجابة للجهود التي تبذلها الدول التي تتوسط بينها وبين واشنطن وبالذات تلك التي يبذلها سلطان عُمان هيثم بن طارق الذي كان قد زار طهران في 28 أيار/مايو المنصرم والتقی المرشد الإيراني الأعلی الإمام علي خامنئي؛ إضافة إلی أن أية تفاهمات تتم مع الجانب الأمريكي وتكفل إزالة أو التقليل من العقوبات الاقتصادية سيكون مُرحباً بها من الحكومة الإيرانية التي تسعی لفتح صفحة جديدة من العلاقات الاقتصادية علی قاعدة “رابح / رابح” كما تم ذلك في الإتفاق النووي سابقاً أو الصفقة الراهنة.

إقرأ على موقع 180  قنبلة كورونا تنفجر بأيدي الإيطاليين.. كيف وماذا بعد؟

ويجب ألا ننسی التذكير باستحقاق 18 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وهو “يوم الانتقال” الذي سيُلغی فيه الحظر علی التسليح الإيراني بموجب إتفاق العام 2015، وبالتالي ثمة ترقب لما سيكون عليه سلوك الجانب الامريكي الأمر الذي يؤثر علی مستوی الثقة بين البلدين إلی حد بعيد.

في الخلاصة؛ أمامنا أسابيع مهمة وحساسة جداً علی صعيد تعزيز الثقة بين واشنطن وطهران وهي برسم تنفيذ صفقة تبادل المعتقلين والأرصدة المالية من جهة وكيفية تعامل الولايات المتحدة مع باقي تفاصيل ومعطيات الملف الإيراني من جهة ثانية.

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  السعودية بين روسيا وأميركا.. بين المصالح والشراكة!