وتصدّرت كنية أبي حفص زعامة التنظيم في الوقت الذي لم تتوفر أي معلومات موثوقة عن الهوية الحقيقية لزعيمه السابق أبي الحسين الذي كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أوّل من أعلن عن مقتله في عملية نفذتها الاستخبارات التركية في شهر إبريل/نيسان الماضي في منطقة جنديرس السورية، شمال حلب.
وعلى الرغم من مضيّ ما يقارب أربعة شهور منذ إعلان الرئيس التركي، فإنه لم يصدر عن السلطات التركية أي معلومات حول هوية أبي الحسين، كما لم يفعل ذلك أي جهاز استخبارات من أجهزة الدول المعنية بمحاربة تنظيم “داعش”. ومن غير الواضح لماذا ظلّت هوية الرجل طيّ الكتمان طوال هذه المدّة؛ هل بسبب عجز الاستخبارات التركية عن اكتشاف حقيقتها أم لأسباب أخرى قد يتعلّق بعضها برغبة أجهزة الاستخبارات في مواكبة استراتيجية “الغموض” التي أصبح تنظيم “داعش” يتبنّاها بخصوص تسمية كبير قادته.
وقد خرقت قناة “فضح عباد البغدادي والهاشمي” التي يُديرها عدد من الأمراء المنشقين عن “داعش”، جدار الصمت حول هوية الزعيم الجديد للتنظيم، من دون أن تروي غليل المراقبين في الكشف عن تفاصيل أكثر دقةً وضوحاً. واستهلّت القناة منشورها بعبارةٍ تشويقية “أبو حفص مجهول عند الدنيا كلها وبحمد الله عرفناك كما هي عادتنا نسبق جميع المتشدقين ونقدم لكم تسريباً هو الأخطر بإذن الله عن خليفة الدم الخليفة الجديد لداعش”.
ومن أهم المعلومات التي أوردتها القناة المذكورة عن الخليفة الجديد وصفها له بأنه “سفاح سنجار الأمني”، في إشارة إلى أنه من بين أمراء “داعش” الذين تورطوا في ملف سبي النساء الإيزيديات وارتكاب مجزرة مروعة استهدفت رجال تلك المنطقة في قلب العراق، وقد تنطوي هذه الإشارة إلى معلومة هامة حول انتماء الخليفة الجديد إلى نفس فريق الخليفة الثاني، عبدالله قرداش، الذي يُعتبر بمثابة المُنظّر الفقهي الذي يُتهم بالوقوف وراء هذه المجزرة وبأنه من “أكثر أمراء التنظيم حماسة لارتكابها”.
ووصفت القناة الخليفة الجديد لتنظيم “داعش” بأنه “العسكري ومهندس التفخيخ والأخطر من ذلك صاحب أكبر سجل من الإعتقالات والسجون”، لتخلص إلى القول إننا “أمام شخصية تُعتبر الأخطر من بين جميع من تولى خلافة داعش وأصغرهم سناً” حيث أشارت إلى أن عمره لا يتجاوز الـ 39 عاماً.
وأكثر من ذلك، أعلنت القناة عن أحد الألقاب التي يحملها الزعيم الجديد للتنظيم وهو لقب “أبو المثنى الجنوبي” لكنها اكتفت بذكر حرف الشين من لقبه الثاني “أبو شـ” وذكرت اسم “عمران” من دون أن تُحدّد ما إذا كان ذلك اسمه الحقيقي أم أحد الأسماء الحركية التي يستخدمها. وأشارت القناة إلى أنه “لو تمّ الأمر للخليفة الجديد فإنه سوف يجعل الهول (مخيم الهول) شراره تحرق قسد والمنطقة الشرقية”.
وكانت القناة قد حذّرت في منشور سابق قبيل الكشف عن المعلومات الأخيرة أن زعيم “داعش” الجديد يُخطّط لتنفيذ “غويران 2” في إشارة إلى اقتحام سجن غويران الذي كان من أبرز العمليات التي شهدها عهد عبدالله قرداش، وربما يؤكد هذا التقاطع حقيقة أن الإثنين ينتميان إلى فريق واحد ضمن تنظيم “داعش”.
ودارت توقعات عدد من خبراء الحركات الجهادية حول أبي خديجة العراقي باعتباره أبرز المرشحين لخلافة أبي الحسين القرشي الهاشمي (الصورة أعلاه). والاسم الحقيقي لأبي خديجة هو عبد مكي مصلح مهدي الرفيعي، وقد انتشرت أنباء عن مقتله في أواخر شهر فبراير/شباط الماضي في عملية أمنية دقيقة نفذتها الاستخبارات العراقية، غير أن وزارة الخزانة الأميركية أدرجت اسمه في قرار صادر بعد التاريخ المعلن لمقتله ما اعتبر إشارة إلى عدم صحة خبر مقتله. وذكر القرار الأميركي الصادر في 8 يونيو/حزيران الماضي أن “عبدالله مكي مصلح الرفيعي هو أمير مكتب ولاية بلاد الرافدين في تنظيم داعش ومقره العراق. وكان الرفيعي سابقا والي ولاية العراق في تنظيم داعش”.
و”مكتب ولاية الرافدين” هو أحد المكاتب التي أسّسها تنظيم “داعش” لتأمين القيادة الإقليمية لفروعه المنتشرة في العالم. وهذه المكاتب هي “مكتب الفرقان” ويدير “ولاية الساحل” و”ولاية غرب إفريقيا”، وهما ولايتان كبيرتان تتفرع كل واحدة منهما الى ولايات صغيرة مثل “ولاية مالي” و”ولاية بوركينا فاسو” و”ولاية سامبيسا” (في نيجيريا)، و”مكتب الكرار” الذي يضم (الصومال، والكونغو، وموزمبيق، ودول الجوار)، و”مكتب الأنفال” الذي يضم (النيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، ودول الجوار)، و”ولاية وسط أفريقيا”، و”مكتب الصديق” ويشمل أفغانستان ودول الجوار، و”مكتب الفاروق” ويشمل تركيا وأوروبا، و”مكتب الأرض المباركة” الذي يشمل سوريا ولبنان ودول الجوار.
وبعد مقتل أبي سارة العراقي (عبد الرؤوف المهاجر) في إدلب في وقت كان قريباً من تاريخ مقتل أبي الحسين القرشي، والذي كان يتولى منصب المشرف العام على جميع هذه المكاتب والتنسيق بينها وبين القيادة المركزية، عمد تنظيم “داعش” إلى دمج صلاحيات بعض المكاتب واستتباع بعضها بالبعض الآخر، وأصبح “مكتب بلاد الرافدين” يشمل كلاً من العراق وإيران بعد ما كانت الأخيرة ضمن صلاحيات “مكتب الصديق”.
وتشير الصورة المنشورة لعبدالله مكي مصلح مهدي الرفيعي أثناء اعتقاله في سجن تكريت العراقي إلى أنه صغير السن نسبياً، وهو ما يتناسب مع المعلومة التي كشفت عنها “قناة عباد البغدادي والهاشمي” حول كون الخليفة الجديد هو الأصغر سناً بين الخلفاء السابقين.
ويطرح ذلك تساؤلات حول ما إذا كان أبو المثنى الجنوبي الذي كشفت القناة عن اسمه هو نفسه عبدالله مكي الرفيعي الذي يُفترض أنه أصبح الخليفة الجديد لتنظيم “داعش” ما لم يكن الأخير قد عمد إلى أساليب خداع جديدة لتمويه هوية الشخص الذي بايعه مؤخراً.