يقول السفير دنيس روس المساعد الخاص السابق للرئيس باراك أوباما والذي يعمل حالياً في “معهد واشنطن” إن الإدارة الأميركية الحالية مُكبّلة اليدين في العديد من القضايا الجوهرية التي تهم الولايات المتحدة بسبب الإنقسام السياسي الحاصل في الداخل الأميركي والذي ينعكس علی الموقف الأميركي حيال مختلف القضايا التي تحتاج الی رعاية أميركية حازمة.
لم يذكر روس ماهية هذه القضايا التي تحتاج الی “رعاية أميركية حازمة” لكن الأكيد أن مفاوضات فيينا النووية هي من بين هذه القضايا خصوصاً أنه كان قد دعا في العام الماضي إلی المزيد من التشدد مع إيران وممارسة أقصی الضغوط عليها لإجبارها علی تقديم المزيد من التنازلات كخطوة لازمة لإحياء الإتفاق النووي المبرم عام 2015.
غير أن الفريق الأميركي المفاوض برئاسة روبرت مالي لا يميل إلی أفكار روس، بل يحاول إقناع الإيرانيين بفوائد إحياء الاتفاق النووي وفق الامكانات والمناخات (الداخلية والخارجية) التي تحيط بالإدارة الأميركية؛ الأمر الذي يُفسّر الفوضی التي باتت سمة السياسة الخارجية الأميركية، بدليل ما يجري ضمن الوفد الأميركي المفاوض في فيينا، ولا سيما ما ظهر للعلن من إنسحاب للرجل الثاني في هذا الفريق ريتشارد نيفيو إضافة إلی إنسحاب عضوين آخرين.
الإيرانيون يعرفون جيداً ماذا يريدون؛ وهم حدّدوا أهدافهم: إزالة العقوبات الأميركية والغربية والتحقق من هذه الخطوة إضافة الی الضمانات التي طالبوا بها حتی لا تتكرر خطوة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عندما انسحب من الإتفاق النووي عام 2018 وفرض عقوبات إقتصادية جديدة في إطار سياسة “أقصى الضغوط” علی الشعب الإيراني.
هذه الزيارة القطرية وفّرت لطهران فرصة شرح موقفها من المفاوضات وقضية تبادل السجناء، حتى أن البعض وضع هذه الزيارة في خانة “الفرصة الأخيرة” لواشنطن التي تستطيع من خلالها إنقاذ المفاوضات وتوفير الأجواء المناسبة لجلوس وزيري خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان والولايات المتحدة أنتوني بلينكن حول طاولة واحدة لبحث كافة القضايا العالقة بين البلدين
لا أحد يتوهم بإنتفاء القوة الأميركية العسكرية والمالية، لكن بالتأكيد ثمة ضعف موصوف في أداء الإدارة الأميركية الحالية، كما في توظيف هذه القوة لتعزيز المصداقية الأميركية في العالم، وهذا ما جعل بايدن يقول إنه يعمل من أجل إستعادة المصداقية الأميركية في المجال الحيوي الأميركي.
بعد ثماني جولات من المفاوضات النووية غير المباشرة سواء في عهد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني أو في عهد الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، فإن هذه المفاوضات وصلت إلی نقطة تحتاج، كما يقول الإيرانيون، “إلی قرارات سياسية” يجب أن تُتخذ من قبل الإدارة الأميركية لحل القضايا العالقة من أجل إعادة إحياء الإتفاق النووي. أكثر من ذلك، تشير المعلومات إلى حاجة الجانبين الإيراني والأميركي إلى فسحة زمنية تتيح لهما العودة إلى دوائر القرار في كل من طهران وواشنطن تمهيداً لإتخاذ ما يمكن اتخاذه من قرارات، وهذا ما تم إعلانه يوم الجمعة الماضي لافساح المجال أمام التفكير جلياً بعواقب انهيار المفاوضات النووية.
ويبدو الجانب الإيراني أكثر ارتياحاً بعدما رتّب علاقاته الاقتصادية مع كل من الصين وروسيا بعيداً عن نتائج المفاوضات النووية، برغم حاجته الماسة إلی إلغاء العقوبات الإقتصادية وفتح التبادل المالي مع البنوك الإيرانية؛ اضافة الی المشاكل التي تعاني منها الإدارة الأميركية والتحديات الماثلة أمامها في المواجهة المفتوحة مع روسيا علی خلفية الأزمة الأوكرانية.. وفي نُذُر المواجهة الآتية مستقبلاً مع الصين على خلفية قضية تايوان.
وتشير المعلومات إلی أن الجانب الإيراني تفاعل مؤخراً بايجابية مع الطلب الأميركي بفتح حوار مباشر معه، لكنه اشترط احراز تقدم في المفاوضات وتلقيه مؤشرات واقعية وعملية إزاء “تغيير السلوك”؛ الأمر الذي وضعته وزارة الخارجية الأميركية في خانة “اقتراب المفاوضات من مراحلها النهائية التي تتطلب قرارات سياسية”.
وكان لافتاً للإنتباه دخول قطر علی خط المفاوضات من خلال الزيارة التي قام بها وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى طهران قبل أيام قليلة من لقاء محتمل لامير قطر تميم بن حمد ال ثاني مع الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن، وسلم خلالها الرئيس الإيراني دعوة من نظيره القطري للمشاركة في قمة منتدى الدول المصدرة للغاز المقرر عقدها الشهر المقبل في الدوحة.
هذه الزيارة القطرية وفّرت لطهران فرصة شرح موقفها من المفاوضات وقضية تبادل السجناء، حتى أن البعض وضع هذه الزيارة في خانة “الفرصة الأخيرة” لواشنطن التي تستطيع من خلالها إنقاذ المفاوضات وتوفير الأجواء المناسبة لجلوس وزيري خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان والولايات المتحدة أنتوني بلينكن حول طاولة واحدة لبحث كافة القضايا العالقة بين البلدين، وهي المسألة التي كان وزير خارجية العراق فؤاد حسين أول من اشار إليها خلال زيارته الأخيرة إلى طهران.
قد يظن البعض أن إيران مضغوطة اقتصادياً وأنها بحاجة لإتفاق. ربما كان ذلك صحيحاً إلا أن الصحيح أيضاً أن الولايات المتحدة ومعها المجموعة الغربية بحاجة أيضاً إلی إتفاق مع إيران لأسباب متعددة؛ أبرزها إعادة تموضع أميركا دولياً لإعتبارات إستراتيجية، سياسية وعسكرية وإقتصادية، ولن يكون الشرق الاوسط بمنأى عن هذا التموضع؛ وفي نهاية المطاف ثمة “قضايا أمنية وسياسية” متعددة تهم كافة الأطراف المعنية بالمفاوضات النووية.