الغابون.. انقلاب “الضّرورة الفرنسية”!

بملامح وجه مرتبكة، ووضعيّة جلوس تظهر مدى ضعفه وعدم سيطرته على ما يحدث، ظهر رئيس الغابون السّابق علي بونغو في مقطع فيديو يناشد فيه العالم والأصدقاء من أجل التّحرّك لإنهاء الإنقلاب العسكري الذي أنهى حكم عائلته لأكثر من خمسة عقود.

هذه المشهديّة تُعبّر عن بعض ما وصل اليه النّفوذ الفرنسيّ في إفريقيا. وسط كلّ هذا، من المثير أن يتوجّه رئيسٌ عُرفَ بارتباط عائلته الوثيق بفرنسا، بنداء استغاثة باللّغة الإنكليزية، وهو رئيس بلاد ظلّت ملتزمة بالفرنكوفونية برغم ما شهدته إفريقيا من إنحسار عباءة النفوذ الفرنسي. فهل يُشكّل انقلاب الغابون امتدادًا لأفول شمس فرنسا الإفريقية؟

لم يكن مقطع الفيديو المذكور وحده يُعبّر عمّا وصلت إليه علاقة فرنسا بعائلة بونغو التي حكمت الغابون عقودًا من الزمن. فعلى سبيل المثال، لم تكن آخر محطّات عمر بونغو، الرئيس الأسبق ووالد الرئيس المخلوع علي بونغو، في باريس، فقد أعلن خبر وفاته من العاصمة الإسبانية، الأمر الذي عدّه البعض تعبيرًا عن مدى امتعاضه من طريقة معاملة باريس له قبل وفاته. وقد رافق ذلك توتر في العلاقات أيضًا إبّان فترة حكم نجله علي بونغو، فبعد استمرار الحديث عن تهم اختلاس موجّهة لعائلة بونغو في الأوساط الفرنسية، توجّه الرئيس السابق نحو لندن محاولاً الانضمام إلى دول الكومونولث.

على صعيد آخر، كانت علاقات الغابون بالصين استثنائية خلال فترة حكم عمر بونغو وابنه. ففي زيارة لوزير الخارجية الصيني السابق تشين غانغ، نقل فيها تحيات الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى رئيس الغابون علي بونغو، مُشيرًا إلى أن العلاقات بين الصين والغابون، التي أقامها قادة الأجيال السّالفة في البلدين، صمدت أمام اختبار الزمن وظلت صلبة. وفي العام 2018 انضمت الغابون إلى مشروع “الحزام والطريق”. وظلت الصين أكبر شريك تجاري للغابون تسع سنوات متتالية حتى عام 2022.

هل كان الانقلاب ضرورة فرنسية؟

في تصريحات صحفية، أعرب الجنرال السابق في الجيش الفرنسي والخبير في العلاقات الدولية فرنسوا شوفاني عن استغرابه ممّن يدّعون أنّ أجهزة الاستخبارات لم تكن على علم بانقلاب الغابون، مؤكّدًا أن التّقارير أرسلت بالفعل إلى الرئاسة في قصر الإليزيه لكنها لم تلقَ آذاناً صاغية. وبحسب الجنرال الفرنسي السابق، لا يُمثّل انقلاب الغابون انتكاسة لفرنسا، فقد فسر ذلك بالسماح بحدوث الانقلاب برغم علم السلطات في باريس به، وذلك لأن علي بونغو “لم يكن ديموقراطيًّا” بالمعايير الفرنسية!

من هنا، تطفو على سطح مستنقع الانقلابات الذي غرقت فيه الغابون، بعض الشوائب التي تظهر دورًا فرنسيًّا في الانقلاب الأخير. فعلى عكس انقلاب النيجر، لم يترافق التنديد الفرنسي مع أي دعوات لإعادة الرئيس الغابوني المعزول إلى منصبه. وقد اتّبع الاتّحاد الأوروبّيّ السياسة ذاتها، إذ صرّح مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أنه لا يمكن مقارنة الانقلاب العسكري في الغابون بانقلاب النيجر، مشيرًا إلى أنّ تدخّل العسكريين في ليبرفيل جاء بعد انتخابات شابتها مخالفات، وشدّد على المخاوف الأوروبية في شأن الطريقة التي جرت بها الانتخابات في الغابون.

كما أن الإعلام الفرنسي لم يتخذ موقفا متشددًا من الانقلاب، إذ أجرت صحيفة “لوموند” الفرنسية مقابلة مع قائد الانقلاب الجنرال أوليغي نغيما، حيث صرّح بأن الشعب سئم حكم علي بونغو. وفي السياق نفسه، سارعت الصحيفة إلى رفض الاتهامات التي أطلقها “المحور الشرقي” وتمحورت حول لعب مجموعة “فاغنر” الروسية دورًا في ما حدث في الغابون، فأكّدت “لوموند” أنه لا يوجد حاليًا ما يشير إلى أن مجموعة “فاغنر” هي التي دفعت إلى هذا الانقلاب.

وفي تحقيقات لمنظمة مكافحة الفساد الأميركية (OCCRP)، اتهمت المنظمة علي بونغو والجنرال أوليغي نغيما بالفساد والاختلاس. وقد تزامن ذلك مع ازدياد حدة اتّهام بونغو بالفساد من قبل باريس في السنوات الأخيرة، لكن وللمفارقة، لم تشمل الاتهامات الفرنسية الجنرال نغيما، وهو ما يُمكن أن يُفسر تقبل المواطنين في الغابون له بعد توليه سلطة ما بعد الانقلاب. وفي تصريحات لفرانسيس كبايتندي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس والمتخصص في شؤون الغابون، أن الجنرال نغيما “شخص ذكي يمكن التواصل معه بسهولة ولا يخشى الصحافيين”.

في الخلاصة، لا يُمكن اعتبار انقلاب الغابون حلقة ضمن مسلسل الانقلابات التي حدثت في السنوات الأخيرة في إفريقيا، إذ تعامل القادة العسكريون في الغابون بمرونة مع الغرب الذي بادلهم الأمر ذاته، وخاصة فرنسا التي تصدرت مشهد الدفاع عن “الديموقراطية” في القارة. ولعل ذلك التعامل الفرنسي الهادىء مع انقلاب الغابون ناتج عن تصدي باريس لاحتمال حدوث انقلاب خارج إرادتها بإعطاء الضوء الأخضر لإنقلاب برعايتها، وربما وصلت ضرورة التحرك عسكريا إلى ذروتها بعد اتهام بونغو عشية الانتخابات الأخيرة منافسه ومرشح المعارضة بحصوله على دعم من جيوش أجنبية للاستيلاء على السلطة.

نبذة عن الغابون

تبلغ مساحة الغابون 226667 كيلومترًا مربعًا ويبلغ عدد سكانها نحو مليونين و600 ألف نسمة. من أهم قبائلها قبيلة البانتو. يحدها من الشمال غينيا والكاميرون ومن الشرق والجنوب جمهورية الكونغو وتطل من الغرب على خليج غينيا ويمر بها خط الإستواء.. إستقلت عن فرنسا في العام 1960. اللغة الرسمية هي الفرنسية ولكن توجد فيها 40 لغة محلية. يدين 60% من السكان بالمسيحية (كاثوليك). عاصمتها ليبرفيل. 

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  سلطنة عُمان: تحديات تنتظر السلطان الجديد
عباس طالب عثمان

صحافي لبناني

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  وأخيراً.. إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية!