بقميص أبيض استقبلنا «الأستاذ» متوكئا على «الووكر» لكسر فى ساقه، فى الشاليه القائم فى منتجع الرواد على الساحل الشمالى الذى يمتد بامتداد الشاطئ بين الاسكندرية ومرسى مطروح عند الحدود مع ليبيا.
البحر الهادئ فيروزى بسطحه الهادئ يمتع النظر ويغرى بالتأمل. قال وهو يلاحظ انبهارنا بالمشهد الجميل: هنا كان الماريشال مونتجمرى يقيم مركز قيادته أثناء معركة العلمين خلال الحرب العالمية الثانية.. وكان يبدأ نهاره مع أول شعاع للشمس بالسباحة.
بدأ يسألنا عن أحوال لبنان بتفاصيله التى لا تنتهى، وبدأنا نسأله عن أحوال مصر فى محاولة لفهم ما يجرى فيها من تطورات يختلط فيها القرار السياسى المفرد فى غياب المؤسسات التى تحمى هذا القرار بالزخم الشعبى مع الدماء التى يسفحها الإرهاب فى نواحٍ عدة من مصر، أخطرها سيناء التى ظلت متروكة لدهور، والتى اتخذها الإرهاب قاعدة خلفية، مسندا ظهره إلى العدو الإسرائيلى.
وباشرنا الحوار يواكبنا إحساس من يجلس إلى موسوعة: فالتجربة عريضة والثقافة مميزة، والمتابعة دقيقة، والتحليل يستند إلى معلومات تفصيلية تتجاوز الأخبار والمعرفة المباشرة بأصحاب القرار، والذاكرة المميزة التى تحتفظ بشبابها… كل ذلك يحضر مع «الأستاذ» فإذا هو دائرة معارف: يعرف الكثير الكثير من المرجعيات السياسية معرفة مباشرة، ويعرف عن البلاد وأحوالها، لا سيما العربية وبعض الغرب البريطانى والأمريكى وبعض الشرق، روسيا أساسا ثم الصين والهند وصولا إلى اندونيسيا، اقتصادا وثقافة وتوجهات، لهذا كله فهو «الأستاذ».
ذاكرته نضرة، ومعلوماته شاملة، فضلا عن أنها تستند إلى معرفة مباشرة بأصحاب القرار وصانعى السياسة.. ثم انه متابع دقيق وخزينه المعرفى يسهل عليه تحليل الحاضر واتجاهات الريح، ما يمكنه من استقراء المستقبل.
يعرف البلاد وحكامها، يعرف نخبها الثقافية والقادة المؤثرين فى التوجهات وفى القرار، ثم ان له ذاكرة استثنائية فهو نادرا ما ينسى قائدا أو قيادات سبق له أن عرفها، عن قرب، فى هذا البلد أو ذاك. يعرف الملوك والرؤساء والأمراء والشيوخ. يعرف قادة مفكرين مؤثرين فى الغرب، بريطانيا وأمريكا وفرنسا، وفى الشرق. ثم ان له صلات بالنخب، يتابع حركتها ونتاجها الفكرى والثقافى حتى اليوم. ويعرف معظم القياديين من الساسة العرب… والأهم انه قارئ نهم ومتميز، تمكنه صلاته بكبريات الصحف العالمية برؤساء تحريرها والكتاب فيها أن يعرف كثيرا عن الآفاق الثقافية وحركة التجديد فيها.
يعرف مصر كلها، بتاريخها القديم وبصناع تاريخها الحديث، من زعماء أحزاب العهد الملكى والنخب الثقافية، إلى القائد الذى تجاوز معه الرواية إلى موقع الصديق والمستشار ومبلور الأفكار والمفسر والشارح للقرارات، جمال عبدالناصر.
عرف السادات جيدا واختلف معه إلى حد الذهاب إلى السجن، وعرف مبارك إلى حد القطيعة بعدما اكتشف عبثية الحوار معه، وعرف كل من كان له موقع فى العهود الثلاثة السابقة على «الميدان»، كما كان يعرف بعض المجلس العسكرى. وحاور الإخوان الذين يعتبرونه خصما. واجتهد فى نصح محمد مرسى، فلما يئس ابتعد، ثم انحاز إلى «الميدان» وتفهم أسباب حركة الجيش التى انتهت بتولى المشير عبدالفتاح السيسى قمة السلطة عبر استفتاء شعبى.
ولقد ذهبنا إليه للحديث عن إيران، التى عرفها امبراطورية بالشاه وإحدى زوجاته شقيقة الملك فاروق، ورئيس الحكومة الذى قاد عملية تغيير ثورى الدكتور محمد على مصدق سنة 1951، والذى قاتله الامريكيون والغرب والامبراطور، ولم تتيسر الحماية لهذا الزعيم الشعبى الذى لعب دورا تاريخيا وصار بطلا وطنيا لا منازع له فى شعبيته حين أقدم على تأميم البترول، وواجه الامبراطور والغرب والرأسمالية الإيرانية وأجبر الشاه على التنازل عن كثير من صلاحياته… ثم قاتله الغرب عموما وتمكنوا من «أسره» ثم تصفيته سياسيا.
كذلك فهو قد واكب الثورة الإسلامية فى إيران، فكان بين أوائل من حاوروا الخمينى الإمام بمنطق المتفهم والمساند ولكن من موقع عربى… كما عرف الكثير من قيادات الثورة ومن متابعى نهج الخمينى بعد رحيله وأبرزهم هاشمى رفسنجانى رئيسا وركنا فى قيادة الحكم لفترة طويلة… وما يزال يقرأ التطورات فى إيران بعيون عربية.
ربما لكل هذه المعارف اخترنا ان نحاوره حول التطورات الأخيرة، وتحديدا حول اتفاق فيينا وما بعده، ورؤيته لإيران ما بعد هذا التطور، وكيف سيكون موقف الغرب منها وكيف سيتصرف الحكم المصفح بالشعار الثورى فى المرحلة الجديدة التى سيقبل فيها الغرب عليها… ثم أين روسيا والصين؟ قبل أن نتوقف أمام محطة العرب وإيران من اليمن إلى لبنان مرورا بالسعودية إلى الخليج.
***
البداية: أوباما وقدراته..
بدأنا بمحاولة استعادة رأى «الأستاذ» بالرئيس الأمريكى باراك أوباما، انطلاقا من خطابه أمام جامعة القاهرة سنة 2009 ثم الانطباعات التى تكونت لديه بعد ولايتين له:
ـ ألم أكن على حق فى ما قلته يومها؟ انه خطيب مفوه، لكن تكوينه ضده، أصوله ولون بشرته، وموقع السود فى النظام الأمريكى.
بماذا يتحدى أوباما الكونجرس؟ علينا التمييز بين أن يختلف مع الكونجرس ويمارس اللعبة فى إطار نصوص معينة أو بين أن يتحدى الكونجرس. أنا لا أراه يتحدى الكونجرس وقد اقتربت ولايته الثانية من نهايتها. سيمر الاتفاق، سيحدث الكونجرس ضجيجا كبيرا حوله ولكنه يبقى من اختصاص الرئيس وإدارته. لا يمكن فى أمريكا أن يتم توقيع اتفاق ولو بالحروف الأولى ضد إرادة الكونجرس حيث إن هناك دائما توافقا بين الكونجرس والإدارة فى هذه المسائل.
التحدى الوحيد الموجود فى المنطقة بالنسبة إلى السياسة الأمريكية هو إيران. فالعالم العربى كله كما نرى! وفى تركيا من هم مثل أردوغان لا يُبنى على مواقفهم. هذا هو التحدى الوحيد حيث لن ترضى أمريكا عن طيب خاطر بنظام كالنظام الإيرانى: أن تقر بوجوده كحقيقة واقعة وهى لا تملك حلا آخر! ولكنه لن يكون النظام الأفضل بالنسبة إليها.
سحب هيكل نفسا من سيجاره، ثم استأنف كلامه فقال:
ـ لو كان هناك «سلاح اقتصادى» قد يؤذى إيران لكان آذاها فى السنوات التى اشتد فيها الحصار الاقتصادى عليها.
هناك أمر جديد حصل نتيجة المفاوضات بين أمريكا وإيران وهو أن حاجزا كبيرا كان قائما بين أوروبا وافريقيا وآسيا وبين إيران قد انكسر من غير محاذير بعد فك الحظر الأمريكى. وذلك برغم ان العداء الأمريكى لإيران سيستمر. وبعد أن وصلوا الآن إلى نوع من الاتفاق لن تضطر دول كثيرة إلى مراعاة الحظر الأمريكى الذى كان قائما.
توقف عن الكلام لحظات ونظر إلينا يتفحصنا ثم عاد إلى تحليل شخصية أوباما وقدرته على القرار:
ـ لا يمكن أن تأتى بأحد من خارج سياق القوى الحقيقية وتتوقع منه أن يصل إلى التفرد بالقرار. مجىء أوباما هو دليل بحد ذاته على أزمة قرار وأزمة قوى فى أمريكا، فليس من الطبيعى أن تأتى برئيس «أسود» وبأغلبية الأصوات فى الانتخابات.. فالأغلبية هى للبيض (WASP). إذا جئت برئيس من أقلية ضدها تمييز تاريخى ولا تملك مفاتيح القوة ومضطهدة فأنت تريده أن يحقق لك هدفا. السود حتى هذه اللحظة فى أمريكا 12ـ 14% وليست لديهم أى من مفاتيح القوة، وهناك تمييز عنصرى بحقهم. القوى الحقيقية فى أمريكا لديها هدف فى هذه اللحظة. وبغض النظر عما إذا كان أوباما قد نجح أو فشل فهو لم يحقق الهدف. حتى لو كانت هناك محاولة من قبله بشكل معين فليس معنى ذلك انها قد تنجح. لا أعتقد انه غير صورة أمريكا كثيرا وهو أمر صعب للغاية بالنسبة له. الذى يغير أمريكا هى الصدمات المتوالية فى فيتنام وإيران وأماكن أخرى.
تسألنى عن الدليل؟ أعطنى دليلا واحدا أن أوباما غير سياسة فى منطقة ما. نتكلم هنا عن تغيير حقيقى وليس لعبة العلاقات العامة فى الشكل (كيف يدخل أوباما ويفتحون له الأبواب ويتراقص فى مشيته وهو طويل، ويتكلم بثقة)…
واستنتج «الأستاذ»:
ـ تقدم أمريكا نفسها أمام الخارج بوجه آخر يمكن ان يكون مقبولا فى العالم، بأنه ليس لديهم تمييز عنصرى ومشاكل إنسانية من هذه الطبيعة. فشلت سياسة الاحتواء الأمريكية السابقة. ما غير الأوضاع ليس أوباما، بل ما غيرها هو أن كوبا وقفت وإيران وقفت. فلم يصل رئيس فى أمريكا إلى السدة واتخذ خيارات جديدة وغير الأوضاع. بل كان يأتى «الرئيس» ويجد أمامه حقائق مختلفة تسقط خياراته القديمة. يمكن أن نقول إن الحصار الذى كان مفروضا على إيران سيخف. لكن الحرب على النظام فى إيران، وإن لم تعد موجودة فى الشكل الذى كانت عليه سابقا، لا زالت مستمرة. والإيرانيون يدركون ذلك. تراهن أمريكا على تحولات انفتاحية داخل النظام الإيرانى. لكن النظام الإيرانى لم يفعل مثل ما فعلناه فى مصر حيث قرر السادات ليلا السفر إلى تل أبيب وركب الطائرة فى الصباح فكان ظهر اليوم التالى فى مطار بن جوريون. هذا أمر لم يفعله ولن يفعله أحد غيره.
الزيارة الأولى: 1951..
صمت لحظة ثم عاد يستذكر تاريخ علاقته بإيران، قال:
ـ أول زيارة لى إلى طهران كانت سنة 1951 أيام مصدق، وعرفت الشاه وعرفت أشرف (شقيقة الشاه)… ثم عرفت الخمينى والخامنئى ورفسنجانى وخاتمى الذى تكرم فزارنى فى برقاش.
وفى تقديرى أن علينا ألا نبالغ فى مدى تأثير الاتفاق النووى. هو مهم جدا ولكن أمريكا لن تترك العالم كله يجرى مباشرة إلى إيران بل تريد أن تتصل مع إيران علنا بقدر معلوم لكنها لا تريد لأحد غيرها أن يتصل. ما تمثله إيران هو الطموح المستقل الذى وصل إلى حد المعرفة النووية (وتباعا السلاح النووى)، وهذا غير مقبول من أمريكا. هناك فرق بين ان تتعامل لفترة مع حقائق تدرك انه ليس بإمكانك ان تغيرها الآن، ولكن تتعامل معها مع افتراض أنك قد تكون قادرا على تغييرها فى مرحلة لاحقة. فلو نجح النموذج الإيرانى ورُفع عنه الحصار وتركته ينمو، تكون الخطة قد فشلت. وما تقوم به أمريكا اليوم هو انها تشغل إيران إلى ان تكون قد استولت بالكامل على سوريا، وتشغل إيران إلى ان تكون قد استولت بالكامل على الأردن. العامل النفسى يلعب دورا وقد بات الجميع يخاف من إيران وفى هذه الحالة تسقط كل التحفظات. والمعركة تدور حاليا فى مصر حول ما إذا كان ينبغى الانفتاح على إيران. والرئيس السيسى يستمع ويهتم ولكن هناك محاولات هائلة لكى لا يحصل التقارب أو الانفتاح. الدول القوية قد تقوم ببعض الأشياء التى تستسهل أن تقدم عليها هى، ولكن لا تسمح لك أن تفعلها أنت. فهى قد تسمح لبعض الدول التى يمكن ان تسيطر عليها ان تقدم على ذلك، ولكن ان تقوم بها أنت، ثم غيرك، ثم ثالث ورابع وتكر السبحة، فهذا لن يكون مقبولا.
وخلص «الأستاذ» إلى الاستنتاج:
ــ لم ينتهِ التناقض الإيرانى الأمريكى ولن ينتهى بوجود هذا النظام فى إيران. فإما ان يتغير النظام فيها أو يتم إسقاطه. فأمريكا أمام نظام فى إيران رافض للهيمنة الأمريكية وملاصق لروسيا وللصين، وهو فى منطقة وموقع جغرافى يشكل نقطة ارتكاز مشرفة على روسيا والصين وتركيا… يمكن ان تقبل أمريكا بترتيبات فى هذه اللحظة، ولكن لن ينتهى عداء أمريكا مع هذا النظام مهما كان، إلا اذا غير النظام طريقته أو غيرت أمريكا مطالبها منه. التناقض الحالى بين الاثنين أكبر من ان يحل، ولن توفر أمريكا أى قيد تقدر ان تفرضه على تمدد النووى الإيرانى. ليس هناك فترة اختبار بين الاثنين كالعلاقة بين ولد وبنت فى فترة الخطوبة. نحن هنا أمام علاقة قوة: هل تستطيع امريكا ان تقبل بقوة فى المنطقة قادرة على الانتشار والتأثير خارج حدودها ولا تكون حليفة لها؟… ان التناقض بين الدولتين كبير جدا ويجب ان يغير أحدهما طبيعته. هل ستغير الثورة الإيرانية رأيها فى مفهومها للاستقلال؟ ولو تواضعت امريكا قليلا أو لو روضت إيران تنتهى المشكلة. ما نشهده اليوم هو الاستمرار للوضع الذى جاء بعد الثورة الإيرانية، والحيرة بين إمكانية احتواء الثورة وهى ترفض أن تُحتوى، وبين ضربها وهذا أمر لا يقدر عليه أحد ولا يرغب فيه احد، فلا يستطيع أحد ان يتحمل حربا فى هذه الظروف. هناك طرف متمرد وطرف آخر يريد أن يروضه وهنا تدخل فى صراع دون ان «يمسكوا فى هدوم بعض»، وإذا جلسوا إلى الطاولة فهم قد جلسوا لطرح موضوع محدد. هناك دولة محورية بين 5+1 وهى أمريكا، فهل تستطيع امريكا ان تقبل فى هذه اللحظة نظاما ثوريا خارجا على طاعتها ويمارس سياسة مستقلة؟
إيران بعد الاتفاق..
سألنا عما بعد الاتفاق النووى، فقال هيكل:
ـ أمريكا لن تقبل بوجود أى نظام فى إيران يسمح بوجود دولة قوية. فإيران وتركيا تشكلان قاعدة المواجهة الأمريكية الأمامية مع روسيا، بصرف النظر عما إذا كان فى روسيا قيصر أو زعيم شيوعى. فى العودة إلى التاريخ والجغرافيا، تشكل روسيا خطرا حقيقيا على أوروبا، ويتحسب الأمريكيون من روسيا بحد ذاتها وليس من النظام الشيوعى فيها. هزيمة أمريكا فى إيران ستكون مدوية، كما كان لوقع سقوط الشاه والعائلة البهلوية، ثم ان فشل أمريكا حتى الآن فى تطويع الثورة الإيرانية أو استبدالها بنظام آخر يضعها أمام نزاع خطر قد يدخل فى مرحلة يقلم فيها الطرفان أظافر بعضهما بعضا، ويصعب على أمريكا أن تقبل بنظام قوى فى إيران. هذه مسألة فى غاية الأهمية.
وواصل «الأستاذ»:
ـ الاتفاق سيجعل إيران أقل شعورا بالعزلة. لأن الغرب قد نجح، ولو بالفوضى، فى أن يجعل العراق بؤرة عزل لإيران، وسوريا كانت تشكل نقطة ارتكاز لإيران فى المنطقة… أما اليوم فإيران وحدها فى الإقليم وليس لديها حلفاء طبيعيون لما تمثله الآن، ولا حتى تركيا.
وكان بديهيا أن يستدرك هيكل ليتوقف أمام عنصر مؤثر فى التطورات المحتملة، فقال:
ـ أما الحركات والتنظيمات التى تعتمد عليها، فكلها ضعيفة. يشكل «حزب الله» قوة كبيرة فى لبنان، ولكن لبنان كله (مع احترامى لكم) له حدود فى التأثير، فكيف إذا كانت سوريا مدمرة بهذه الطريقة التى هى عليها اليوم؟ وإذا كان العراق يعيش أو يموت بالطريقة التى نشهدها. نحن أمام مأزق حقيقى، فلا تحمل الناس أكثر مما تطيق.
صحيح أن لدى السيد حسن نصر الله إشعاعا معينا فى لبنان وخارجه، لكن لا تحمله أكثر مما يطيق، فليست لديه القدرة على التحرك والحركة خارج حدود لبنان. صحيح أن لديه سمعة جيدة، ولكن السمعة لا تشكل بحد ذاتها قوى تقاتل على الأرض. قتال «حزب الله» فى سوريا هو للدفاع عن نفسه، وليس فى معركة إثبات نفوذ. إذن فهو بحالة دفاع عن النفس فى سوريا لأنه مستهدف، فمن يريد أن يضرب إيران اليوم يحاول ان يقص أجنحتها فى أى مكان لديها فيه نفوذ. وقتال «حزب الله» هو من أجل بقائه ودفاعا عن نفسه وعما يمثله فى لبنان، وإيران قد تستفيد من ذلك، وكذلك مصر برغم اننا لا نعترف بذلك: فنحن نستفيد من كل بؤرة مقاومة معطِلة لتسوية شاملة فى لحظة ضعف العالم العربى وتهاويه بهذه الدرجة.
وماذا عن مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق، إذا ما حاولنا استكشاف الآفاق المحتملة؟
قال «الأستاذ»:
ـ ليس صحيحا أن كل الملفات قد طُويت وتم فتح الملف النووى وحده. لقد فتحت كل الملفات.
والموقف الأمريكى يهتم بإيران أكثر من اهتمامه بما حولها. إيران مثل مصر، دولة حقيقية وجدت على أرض محددة عبر التاريخ وبقيت فى الموقع نفسه دون تغيير، وتحمل فى تكوينها حضارة طويلة وقوة. وعندما تكون الطريق إلى إيران مفتوحة، فسيدخل فيها الامريكيون إلى آخر مدى.
الشيخ راشد بن مكتوم كان شاطرا فى هذه المسألة وكان مستعدا أن يضرب من يحاول الاستهانة بإيران. هناك حقائق فى الجغرافيا، فالسعودية تهيمن على هذا الخليج وهى قوة ترهلت قبل أن تبلغ الشباب، وهناك إيران وتأثير الهند وباكستان.
ثم استدرك فأضاف:
ـ لقد فتحت كل الملفات بين أمريكا وإيران، وقد لامسوا المواضيع من دون أن يجدوا لها الحل. كل من لديه مصالح متشابكة يدخل إلى المفاوضات وقد وضع أجندة بالمواضيع المطروحة، وهى تتضمن تلك التى لها أولوية فى هذه اللحظة.
رأينا العقوبات والحصار فى مصر خلال عهد عبدالناصر، وكذلك واجهت كوبا هذا المصير. إيران تتعرض لما تعرضت له كل حركة تمرد فى وجه الهيمنة الأمريكية. ذلك حصل لعبدالناصر وحصل لكاسترو وللصين وآخرين كثيرين، وإيران تعلمت من تجربة الآخرين ودرست تلك التجارب جيدا، ولن يعيد أحد تجربة ما قام به السادات فى مصر فينقلب على ذاته. ونتيجة تجربة السادات وحسنى مبارك واضحة أمام الجميع.
واستنتج «الأستاذ»:
ليس هناك أقوى من شعب على أرضه مع حضارة مستمرة. الإيرانيون لم يفعلوا سوى أنهم كانوا أنفسهم. هناك حضارة فارسية على هذه الأرض وفى هؤلاء الناس، وهذا ما له قيمة كبيرة. فمصر مثلا وبرغم كل ما أصابها مارست هذا الأمر فى فترة ما.
عن مصر وروسيا والسعودية.. وماذا عن مصر؟.. طالما قد استذكرت تجربتها فى الماضى؟
ليت هناك رؤية واضحة بالنسبة إلى ما ستكون عليه مصر مستقبلا، ولكنها بدأت تستعيد توازنها حيث ان فترة الفوضى التى سادت فى مصر بعد حكم السادات ومبارك قد انتهت. والمصريون اليوم مرهقون بما يواجههم ويتخيلون أن هناك إنقاذا سيأتى من العالم العربى، لكن لا مفر أمامهم من أن يعتمدوا على أنفسهم.
روسيا كانت قد دخلت فى صميم الشرق الأوسط. ولُسعت فيه ودفعت فيه خسائر برغم حسن نياتها، ثم انتكست بعد أن خرجت مصر من المعادلة الإقليمية فيه، والآن تقف سوريا عند باب الخروج.
هناك تناقض، تاريخيا، بين إيران وروسيا، وهناك شك طبيعى روسى. التجربة الشيوعية فى روسيا لم تكتمل ولكنها تركت مواريث ثقافية أثرت فى أمور كثيرة، ما قام به ستالين وخروشوف أو جورباتشوف أنهم نظروا إلى مطالب روسيا فى المنطقة بمقدار قوتها. والصراع التاريخى بين روسيا وإيران طويل جدا وكذلك التداخل بينهما، وصيغ التعايش فى ما بينهما لم تعش كثيرا، فالشاه حاول ومن قبله، والروس يرغبون فى فترة من غير مشاكل كما يرغبون بسلام مع كل حدودهم (مع أوروبا أو مع الجنوب) لأنهم يشعرون انهم يحتاجون إلى إعادة بناء واسعة جدا، فأحوالهم ليست جيدة. روسيا لا تزال بلد عالم ثالث، وهى غنية بالموارد، وقد دخلت فى ثورة صناعية حقيقية، برغم انها «عالم ثالث» ولكنها فى أفضل حالات العالم الثالث، ولو أن واحدة من جمهورياتها لديها كل مظاهر العالم الأول ولديها قوة. لو امتلكت إيران مثلا القنبلة النووية فلن يجعلها ذلك دولة من دول العالم الأول.
انتقلنا إلى الأبعاد العربية لهذا التطور المؤثر دوليا، وكذلك انعكاسها على الجوار الإيرانى، فقال هيكل:
ـ فى نقاط الارتكاز فى المنطقة، باكستان ليست نقطة ارتكاز بل هى نقطة تواجد فقط. فلا يكفى ان تحتل أمريكا بلدا ليكون نقطة ارتكاز. نقاط الارتكاز (pivots) فى المنطقة هى تركيا إلى حد ما وإيران إلى حد ما والهند إلى حد ما. أما باكستان فلديها مشاكل كثيرة وخطيرة. أما الدول العربية، فمصر مشغولة ولا يوجد هناك تحالف عربى يمكن ان يحل محلها فى الدور الذى يمكن ان تلعبه.
عن سوريا والعراق واليمن.. والوضع العربى
وكان بديهيا أن نسأل عن سوريا التى تقلق أوضاعها المضطربة الجميع… فقال هيكل:
ـ سوريا لم تكن مركزا لدعم بؤر المقاومة فى المنطقة بل حاولت أن تفيد منها لمصلحتها. إذا تحدثنا عن مشروع تقسيم فى سوريا فذلك يعنى اننا نتحدث أيضا عن مشروع تقسيم فى العراق، وتأثيرات ذلك فى شبه الجزيرة العربية كبيرة جدا، ولا أظن ان الامريكيين يريدون ذلك. ما يريدونه هو ان يتخلصوا من النظام الحاكم حاليا وان يأتوا بنظام يناسب مصالحهم (وليس مصلحة إيران بطبيعة الحال).
العراق الحالى كان اختراعا جديدا، والقوى التى أنشأته لم تعد تهتم فيه اليوم وتركته لأهله الذين يرغبون فى الحفاظ على التماسك الداخلى فيه.
والأكراد المشكلة الأكبر فيه، وهم جادون فى محاولتهم لتحقيق مطالبهم فيه بصرف النظر فى ما إذا كانت محقة. هناك قاعدة للدولة الكردية وهى موجودة على ارض موجودة، وسيكون فى منتهى الصعوبة ان تمنع قيام الدولة. وإذا استطعت ان تمنعها فستلقى مقاومة كبيرة من الأكراد لفترة طويلة. والحقيقة ان للأكراد الحق فى ان تكون لهم دولة تمثل قوميتهم بلغتها وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم، ولو تركهم العرب ليقيموا هذه الدولة فسيقاومها آخرون (تركيا وإيران).
واستدرك الأستاذ فقال:
لا أعرف كيف ومتى ستنتهى المصائب التى يقع فيها العالم العربى، والكارثة أن كل ذلك يحدث فى غياب مصر.
سيغرق السعوديون فى مستنقع اليمن. عندما تدخل عبدالناصر هناك كان يساعد حركة تحرر فيها وليس لديه حدود ملاصقة لها، أما السعوديون فلديهم باستمرار مطالب من اليمن ولقد استولوا على محافظتين فيها. اليمنيون مساكين وفقراء. السعودية ستغرق حتما فى دخولها فى حرب مع اليمن ولكنها حذرة جدا. فالقبائل يعرف بعضها بعضا جيدا. ولن يتوغل السعوديون فى الداخل اليمنى سيواصلون الضرب من الخارج. وهم يعرفون المصائب الموجودة هناك.
السعودية ودول الخليج أضعف من أن تشاغب على الاتفاق النووى، ولكن يمكنها أن تشكو إلى الأمريكيين وتعاتبهم وهم يعتبرون توقيع الاتفاق خيانة لهم. الاماراتيون اتخذوا موقفا ايجابيا حتى الآن، ولكننى سوف أستغرب أن تقوم السعودية بالأمر نفسه. ثم انه علينا ان ننتظر تصرفات هذه الدول وليس مواقفها المعلنة. كلهم يتساوون فى الخوف من إيران.
إذا أكملت أية دولة دورة تخصيب اليورانيوم يكون لديها القدرة على صناعة القنبلة النووية خلال 6 أشهر. ما قامت به إيران هى انها تعهدت ألا تطور سلاحا نوويا وقد امتلكت المعرفة النووية. هناك دول فى الخليج (الامارات وقطر) تبرز فى محطات معينة أن لها علاقة فى تمويل ودعم التكنولوجيا فى مجالات مختلفة، ولكن يبقى هناك فرق بين ان تشترى التكنولوجيا وتستخدمها دون القدرة على استيعابها وبين أن تستوعبها.
وخلص هيكل إلى الاستنتاج بعد هذا الاستعراض والمقارنة بين إيران والدول العربية:
ـ الدول هى التى تصنع عقول الحكام وليس العكس لأن المجتمعات هى التى تترك أثرا.
هناك من كان وضعه أسوأ منا وهى ألمانيا، فقد تقسمت ودمرت وتبهدلت بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن كان لدى شعبها نواة الإرادة المستقلة. مشكلتنا فى العالم العربى أنك لا تجد بين المسئولين من لديهم الإرادة لصنع تاريخهم. المنطقة الأغنى هى الخليج، والمنطقة الأهم وهى مصر والشام عندها مشاكل كثيرة، أما المغرب العربى فهو غارق فى مشاكله و«زهقان» من المشرق العربى… فأين يبقى الأمل؟
لقد دخل العالم العربى كله فى فراغ. هناك فكرة انهارت وهناك قوى إقليمية ظهرت، لم تظهر لدينا قوة بديلة أو فكرة بديلة. ولكى يبادر أحدهم عليه ان يتمتع بإمكانية القبول أو مصداقية القبول، ولا يملك أحد المصداقية المطلوبة فى العالم العربى، أبدا. المصداقية تائهة فى مكان ما وهى خارج العالم العربى. كلهم يتكلم بكلام جيد ولكن لا أحد منهم يعنى ما يقوله، ولا يملك أحد تشخيصا حقيقيا للمنطقة أو لأحوال العالم من حولها.
ومتى تنتهى الفوضى فى العالم العربي؟
نحتاج بين 12 و15 سنة.
عن مصر والإخوان وإسرائيل
عدنا إلى المنطقة العربية ومآسيها والتعثرات السياسية الخطيرة، وانكشاف الأنظمة وعجزها ضمن الفراغ السياسى الذى تعيش فيه عن مواجهة «داعش»، واضطرارها إلى طلب النجدة الأمريكية.
سألنا «الأستاذ»: لقد ربطت الحديث عن «داعش» بالفراغ، هل هناك خوف على مصر؟
ورد جازما: لا خوف على مصر. «داعش» لا تعيش فى مصر. طبيعة مصر مختلفة. هناك جماعات إرهابية خطرة موازية لداعش لكن التنظيم لم يصل إلى هنا، ولا ينجح «داعش» فى مصر. لقد نجح الإخوان مثلا، كحركة محلية. داعش والبغدادى لا أحد يقبل بهما فى مصر. حسن البنا ممكن أما البغدادى فلا أحد يقبل به.
سألنا: قلت ان تنظيم الإخوان نشأ، فى الأصل، محليا، لماذا لا يزال مستمرا حتى الآن؟
ـ قوته فى انه ورث التنظيمات الصوفية. الطرق الصوفية لها نفوذ قوى فى مصر. حسن البنا كان صوفيا، وهو استخدم البنية التحتية للصوفيين. حسن البنا وفى مكتبى فى «اخبار اليوم» سلمنى البيان ذاته الذى جاء فيه ان المتطرفين فى التنظيم ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين. التنظيم (الإخوان) متأثر بالطرق الصوفية ولكن هذا التأثير هو الذى يجعل له جذورا فى مصر. الناس فى مصر عندها عشق للدين. وهناك يسار حقيقى فى مصر. هناك أحزاب فى مصر وعندها برامج سياسية وخصوصا الوفد له برنامج، ويمكن ان يقوم ائتلاف.
مصر تمشى إلى مستقبل ما. أنا أرى أن أحوال مصر لا بأس بها. هناك اقتصاد مأزوم ومرهق جدا. التعليم ليس مدمرا تماما. أنا أخشى من الأحكام المطلقة. التعليم ليس مدمرا إلى هذا الحد. التعليم الخصوصى طول عمره موجود. من يأتى بالمعلم الخصوصى هو من طبقة معينة. النظام التعليمى معمول لاستيعاب 6 ملايين واليوم يتم تحميله من 30 إلى 35 مليونا، من دون تحديثه بذريعة ان نصف علم أفضل من جهل كامل. النصف الجاهل كارثة. أنا أراهن على أنه فى التصنيع ليس بالضرورة ان نحتاج إلى مستوى علمى معين. الوظائف العامة فى الدولة لا تتحمل أكثر من 9 أو 10 ملايين.
علينا الاتجاه إلى التعليم المهنى لغايات واضحة مثل الصناعة والتجارة والسياحة والخدمات. عليك ان تخلق وظيفتك. استنفدنا الوظائف العامة. لازم نسلم ان مصر كلها فى ازمة. وهى فى مرحلة الانتقال من حال إلى حال. أنت امام بلد لا يزال يدعى انه كويس وهو مفلس.
وكان لا بد ان نستعيد ما يجسد الواقع المأساوى الذى نعيش. قلنا: لقد كدنا ننسى فلسطين..
ـ فلسطين تجسد تردى الواقع العربى. ومن باب الطرافة لا أكثر، أستذكر أننى ذهبت مع أحمد بهاء الدين مرة للقاء القائد الراحل ياسر عرفات فى تونس، وكان معنا ادوارد سعيد على أساس انه خبير فى المجتمع الإسرائيلى، وهذا تخصصه، وطلب إلينا «أبو عمار» ان نذهب للقاء محمود عباس (ابو مازن) فذهبنا إليه… ولقد حاول الرجل ان يقنعنا وبحماسة، بأن المجتمع الإسرائيلى ليس كتلة صماء بل فيه كتل وجماعات وتنوعات ويمكن النفاذ منها وسمعناه أنا وبهاء قد أصابنا الاستغراب أمام هذا التحليل.
وكان بديهيا أن نسأل عن إسرائيل وموقفها من الاتفاق.. فقال «الأستاذ»:
ـ إسرائيل لا تتأثر كثيرا، طالما يعتبر الطرف الأمريكى حمايتها من مسئولياته المباشرة. كانت إسرائيل تراهن على صدام امريكى مع إيران وهى لا تستطيع ان تتصادم مع إيران، ثم أصيبت بخيبة ما عند توقيع الاتفاق.
إسرائيل فى اية مرحلة من عمرها الافتراضى؟
ـ المرحلة التى يبدأ فيها العد التنازلى لإسرائيل هى عندما يكون هناك عالم عربى قوى. الآن إسرائيل مهيمنة على المنطقة كلها.
وماذا عن أمريكا.. ألا يمكن ان تكبر التناقضات الداخلية، فى الولايات المتحدة الأمريكية عندما تلملم انتشارها فى العالم؟!
لن يحصل ذلك. بالمصالح لا أحد يمكن ان ينسحب. امريكا لم تعد قادرة على الانسحاب. بلد تجارته وموارده الأولية كلها فى العالم الخارجى. لا يمكن لأمركيا ان تخرج من عندك ومن عند غيرك ما لم يكن عندك قدرة على التعايش معها من خلال نموذج معين. لنأخذ نموذج إيران: إيران إرادة واحدة. العالم العربى إرادات كثيرة وليس إرادة واحدة.
أما فى الأفكار والثقافة فإن النموذج الأوروبى العلمانى (الفرنسى) هو أقدر على التأثير من النموذجين الأمريكى والروسى، وهو نموذج ثقافى أولا واقتصادى ثانيا. انه البحر الأبيض المتوسط.
وماذا عن تركيا؟
تركيا إلى المأدبة المتوسطية والأوروبية والأردوغانية. أما عن أردوغان، فكل واحد منا يعبر فى النهاية بطباعه عن طبيعته. كيف تطلب من مخلوق يفترض ان طبعه لا يعبر عن طبيعته وطبيعته لا تعبر عن طبعه انه تركى عثمانى بالتأكيد!
وبعد لحظات استدرك «الأستاذ» فقال: ـ فى أى حال، لقد ظلمنا الاتراك. هم لعبوا دورا مهما فى حماية الإسلام وأرض الإسلام بعد انهيار العصر المملوكى. محمد على من داخل الإسلام كان فريدا فى بابه.
بين الامبراطوريتين..
وعاد الأستاذ إلى إيران والاتفاق ليستنتج:
ـ لا امريكا يمكنها ان تتجاهل إيران ولا إيران تتجاهل امريكا. قدر من التطبيع جيد، لكن هناك قدرا كبيرا من التناقضات بينهما.
أعتقد ان الكوبيين تصرفوا بطريقة جدية مع أمريكا وليس هناك أى نوع من أنواع التبعية.
وختمنا بسؤال من واقع الحال فى عالمنا:
هل أمريكا أعظم امبراطورية فى تاريخ البشرية؟
ورد بسرعة: لا، أبدا. إنجلترا هى أعظم واكبر. فى النفوذ والاقتصاد والتحول والعصر الصناعى. هى نشأت فى وقت مثالى. فترة التجارة والصناعة والبحر. لا امبراطورية وافقت زمنها وعصرها بقدر الامبراطورية البريطانية. أمريكا قوية جدا لكن «ده كلام ساكت» كما يقولون. الحقيقة ان الامبراطورية الحقيقية فى التاريخ بعد الامبراطورية الرومانية هى الامبراطورية البريطانية.. لكل امبراطورية نهاية بالسيطرة ولكن ليس بالنفوذ. الامبراطورية البريطانية باقية بقوة ما دامت اللغة الإنجليزية باقية. الإنجليزية صارت لغة التكنولوجيا وهذا من حظهم. الامبراطورية باقية باللغة. ليس بالضرورة ان تبقى بالقواعد والجغرافيا. لازم نسلم ان الامبراطورية البريطانية والرومانية هما نموذجان مهمان ومختلفان تاريخيا. الوعاء لكل حاجة هو اللغة. حظ الإنجليز ان الثورة التكنولوجية قد منعت سقوطهم. فالانجليزية هى اللغة المعتمدة فى وسائل التواصل والتقنيات والإعلام واللغة السائدة هى اللغة الإنجليزية. قلت مرة لمارجريت تاتشر: أنتم فقدتم امبراطورية فى الجغرافيا ولكنكم وجدتم امبراطورية فى اللغة. قالت لى: ما أصح هذا الكلام!
(*) المصدر: موقع طلال سلمان؛ موقع “الشروق“