طلال وشيرين.. و”طوفان” بحجم قضية

ليس بالهيّن عليك، وأنت تغرق في كل الوحول السياسية حولك وأمامك وبين ظهرانيك، أن تشهد على انتصار القضية الفلسطينية.

لم يعش طلال سلمان هذه اللحظة. لم تعشها شيرين أبو عاقلة. لم يعشها من مات من قبل كاتباً وناطقاً باسم القضية الفلسطينية. نحنُ عشناها. في السابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2023 شهدنا ما لم تشهد عليه الأعين والألسن في تاريخ القضية الفلسطينية برمّتها. اليوم المشهد صُدِّق. اليوم النّصر أُعلن. اليوم الطوفان ابتدأ.. أياً تكن النتيجة.

السابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2023.. ليتك كنت حاضراً يا رابين لنشمت. لقد قلت يوماً “ليتني أستفيق يوماً وأجد قطاع غزة قد غرق في البحر”. ليتك تعلم على أي خبرٍ استفقنا. غرقتم بالطوفان يا رابين. غرقت غزة بدموع الفرح. غرق العرب بلعابهم.

مسموحٌ لكلّ المطبعين من الإعلاميين والسياسيّين وغيرهم أن ينافقوا اليوم ويظهروا دعمهم. النفاق مسموح. لا تبّت أياديكم اكتبوا. شاركوا في تضخيم المشهد. هو يومٌ قد دعيتم فيه إلى ضيافة القضية.. القضية المنصورة.

وثّقوا بأمانة. المقاومة الفلسطينية تسيطر على المستوطنات. الاستخبارات الإسرائيلية في سبات. المستوطنون يهربون من غلاف قطاع غزة. يهربون. هذه ليست أرضهم. المشهد دليل صارخ. يختبئ الإسرائيليون خوفاً في حاويات النفايات. تليق بيوتهم الجديدة بهم. بيوتٌ مُلهِمة. يسكنونها “آمنين”، فيما الفلسطينيون في العراء على الأتربة الفلسطينية أباً عن جد، آمنون بفعل استعادة الأرض. آمنون اليوم وغداً فوق الأتربة أو تحتها. آمنون آمنون. قد رُدّت الأرض إليهم فعلاً ومجازاً. لا أحد يهتمّ بالسؤال عمّا بعد. كافٍ ما جرى وإن لم يكن كافياً.

فرحون نحن اليوم. نفرح تعويضاً عن كل السنوات التي حييناها. نرقص تعويضاً عن كل لحظات السكون الخائب. نغنّي ما تردده الفطرة. فرحون نحن ولا تسعنا الفرحة. الفرحةُ لا تسعنا حقاً.. لا شيء يشبه لحظة الاستهزاء بالظالم. لا شيء يضاهي مشهد هروب المحتل المتكبّر

قرأنا الكثير في الآونة الأخيرة وبأقلام إسرائيلية عن الضعف والوهن اللذين حلّا بجيش الاحتلال غداة التطورات السياسية الأخيرة في الكيان العبري. أصلاً، لم يكن من شيء يُغري في المتابعة غير الصحافة الإسرائيلية عينها. من هناك أمكن التقاط بوارق الأمل. كنا نقرأ ونتابع مهتمين عارفين مسبقاً أن أي حدث تغييري قد يحدث في الكيان قد يساهم في تغيير وجه السياسة هنا بأكلمها. نتابع هناك فيما الأخبار في الداخل اللبناني أو العربي المفتت مكرورة، و”الذوات” العربية فيها غير فاعلة وإن فعلت. في كلّ مرّة تُثبت لنا أرواحنا أن علاجها من هناك.. من أرض فلسطين. والكلام ليس من قبيل الشعر و”البروباغندا”. هو فكرةٌ خالصة. تحتاج للكثير من السبك طبعاً لكنّ اللحظة ليست لحظة سبك وتعليل وتفسير أبداً ولا لحظة نقد وفلسفة. هي لحظة وصفٍ لما لم نشهد مثيله. لحظةٌ نحرص فيها على نقل الفرحة بأمانة لأولادنا ليفهموا ما معنى أن القضية الفلسطينية هي قضية فرح وخلاصٍ للإنسان فينا.. قبل أن تكون قضية دينية للبعض، أو عقدية للبعض الآخر.

الحركة الإحيائية “العنيفة” للقضية الفلسطينية هي حركة رابحة. قد حُسم الأمر هذا الصباح. مرحى بالعنف هناك ما دام بوجهة عادلة، وحظاً أوفر مرة أخرى للصيغ “الكلاس”. يُدوّن العرب على منصاتهم الفردية هذا الرأي. التعليقات الشعبية العفوية تسبق كلّ الكلمات المحسوبة. تُفصح الأنفس عمّا تتوق إليه في اللحظات المفصلية، والأنفس العربية جلّها فلسطينية، نزّاعةً للإنصاف. قد وعت تلقائياً أنّ ما بها من وهن وما بأنظمتها من تعسّف هو نتيجة مباشرة للإحتلال الاسرائيلي الذي “بَلْقن” منطقتنا ولمّا يزل. وقد حوّلت جوعها الجسدي إلى جوع حقيقيّ لرؤية الظالم المنتهك مكسوراً ومذلولاً.. ثم بعد أن شاهدت شبعت.

فرحون نحن اليوم. نفرح تعويضاً عن كل السنوات التي حييناها. نرقص تعويضاً عن كل لحظات السكون الخائب. نغنّي ما تردده الفطرة. فرحون نحن ولا تسعنا الفرحة. الفرحةُ لا تسعنا حقاً.. لا شيء يشبه لحظة الاستهزاء بالظالم. لا شيء يضاهي مشهد هروب المحتل المتكبّر. لا شيء سيقتل فينا جذوة الأمل بعد. الأمل اليوم ما عاد دعايةً هنا أو خطاباً هناك.. الأمل اليوم مقاطع موثّقة ما عاد بالإمكان اختزالها من الأذهان، مهما حاول الإعلام العربي سحب المشاهد عن منصاته والتركيز على خطابات التنديد . هذا هو الانتصار بحق للقضية الفلسطينية. لقد كانت عملية بحجم القضية حقاً.

في أحد مقالاته عام 2013، ختم الأستاذ طلال سلمان كاتباً: “قديما قال بن غوريون لمن حذره من ثورة الشعب الفلسطيني ما مفاده: “إن بعض القضايا تهرم وتشيخ وتموت هي الأخرى”.. وشعب فلسطين حي لا يموت“..

فعلاً الشعب الفلسطيني حيّ لا يموت.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  "وشوشات" عايدة سلوم.. تذوق طعم الألوان   
ملاك عبدالله

صحافية لبنانية

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  أول الرصاص، أول الحجارة.. أول الصواريخ