في محطات المترو، يُمكنك أن تُطالع شاباً يُتابع الأخبار على منصات التواصل، تقرأ ملامح وجهه المتأثرة بمشاهد القصف البربري، وآخر يختلس ابتسامة، لربما قرأ خبراً عن صواريخ المقاومة، وهي تردُ الصاع بالصاع أو تحاول.
في المنازل، لا صوت يعلو فوق صوت المحطات الإخبارية، تلك أمٌ تجزع لمشهد طفل استشهد بيد أعداء الشعوب من الإمبرياليين والصهاينة، وهذا أبٌ يستعيد دمويتهم وبربريتهم معنا، وهذه فتاة يتمزق قلبها لمشهد فتاة استشهدت وما حققت في دنياها أحلاماً بعد.
في الشارع، يتبادل الناس الأخبار، يلهجون بالدعاء على عدو الشعب الفلسطيني وعدوهم، لا ينسون ما بيننا وبينه من ثأر، هذا يسب أمريكا “بنت الكلب” التي تحاول إنقاذ مخفرها، وذاك يتساءل عن إمكانية دخولنا الحرب.
في الأتوبيس، يتساءل كهلٌ عن مدى صدق التصريحات الإيرانية وعما إذا كان حزب الله ينتوي الانخراط في المعركة بكامل طاقته، ردّ أحدهم قائلاً: “لو حدث ذلك لانقلبت الموازين”!
خرج الشارع المصري، في القاهرة، كما في المحافظات، مُستعيداً ذكريات الشارع؛ لأجل فلسطين غامروا، خرجوا يهتفون للمقاومة وفلسطين وأبا عبيدة؛ أمام نقابة الصحفيين في قلب القاهرة، هتف المصريون ضد كامب ديفيد من جديد ليعلنوا لا شرعية الاتفاقية وعدم إلزامها لجماهير الشعب، هتفوا ضد البلطجة الأمريكية، طالبوا بطرد سفير الصهيونية، وتصفية الصهيونية في رفض قاطع لكل مسارات التسوية وحل الدولتين.
الأطفال في المدارس، بوعي فطري، يأتون بردود أفعال عفوية ضد ثقل الوجود الصهاينة وجرائمهم المنظمة، كأنما راية العداء للصهيونية تنغرس جيلاً بعد جيل في بلد أراد له أعداؤه أن يخرج من الصراع وأن يطرد من وعيه القضية، فإذا بها متراس هذا الوعي، ومحوره الذي يأبى الانكسار؛ إذا بالصهيونية التي أرادت مسخ الوعي المصري، تُواجَهُ بجيلٍ وراء جيل يتشرب معاداة وجودها فطرياً قبل أن يُدرك ارتباطها المباشر بمعاناته اليومية.
خرج الشارع المصري، في القاهرة، كما في المحافظات، مُستعيداً ذكريات الشارع؛ لأجل فلسطين غامروا، خرجوا يهتفون للمقاومة وفلسطين وأبا عبيدة؛ أمام نقابة الصحفيين في قلب القاهرة، هتف المصريون ضد كامب ديفيد من جديد ليعلنوا لا شرعية الاتفاقية وعدم إلزامها لجماهير الشعب
ينشط المصريون في حملات المقاطعة، الشباب منهم بالأخص، إحياءً لتراث اللجنة الوطنية للمقاطعة التي شكلها اليسار المصري إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية؛ اليوم جيلٌ جديد من الشبان ينشط، دون تسييس في مجال المقاطعة، يتبادل كلٌ في دائرته المنتجات البديلة محلية الصنع وينشر قائمة بما يجب مقاطعته؛ يمد الشعب المصري يديه قدر المستطاع لينخرط في المعركة، من دون أن تزول من حلوقهم غصة وشعور مبطن بالخذلان.
تحيا مصر الشعبية المعركة بكامل أنفاسها، على السطح تجري الأمور كالمعتاد، الناس إلى أعمالهم، الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم، الفلاحون إلى حقولهم، والعمال إلى مصانعهم، العجائز في البيوت أو على عتباتها يتنسمون الشمس، لكن الجميع يسيرون شبه نيام، عقولهم في مكان آخر، أرواحهم تتنسم أخبار المقاومة الفلسطينية والمعاناة الفلسطينية في كامل الأرض المحتلة.
كانت الدعاية المضادة في المعارك السابقة تستهدف التهوين من شأن مقاومة الشعب الفلسطيني، التهوين من شأن مردود الصواريخ في ظل التعتيم الصهيوني على عدد القتلى؛ كان المستهدف أن ييأس الناس، أن ينفضّوا عن القضية؛ كانت البرجوازية العربية كلها تهيئ المسرح لإعلان موت القضية الفلسطينية. فإذا بالمقاومة في 7 أكتوبر تعيد كتابة تاريخ المنطقة، وإذا بالشارع المصري يستعيد أيام مجده في حرب الاستنزاف والأيام الأولى من حرب أكتوبر؛ إذا بالشعب المصري تحن يداه للبارودة والقنبلة اليدوية.
كلنا نشعر أن ارتدادات هجوم 7 أكتوبر أوسع بكثير على جانبي الصراع، الجانب العربي يستشعر قواه، والصهيونية تستشعر زلزالاً هو الأول منذ أكتوبر 1973.
فمن القاهرة، وكل شارع وحارة وزقاق في بر مصر كاملاً، من كل زفرة في صدرٍ مصري، من كل دمعة في المآقي، من كل بسمة على الشفاه، من كل قوة في زند، وهمة في روح، من مصر الشعبية العدو الشرس للصهيونية، من مصر.. هنا غزة!