أولاً؛ ما قبل الخطاب: نجح قبل أن يبدأ
على مدى خمسة أيام، إنتظر الرأي العام اللبناني والعربي وحتى بعض الرأي العام العالمي توقيت الخطاب، الصديق والعدو، القريب والبعيد، المؤيد والمعارض.. هذا يُحلّل وذاك يتكهّن والآخر يتوقع.. إنها الحرب النفسية التي تتقن المقاومة إدارتها مع عدوها دائماً!
إنقسم العالم بين “سيُعلن عن حدث عسكري ما” وبين “خطاب قراءة للمشهد مع التهديد بالتصعيد”. إختلطت العاطفة بالعقلانية، ولكن لا أحد يعلم ما سيقول.
ثانياً؛ في الخطاب: خطاب العقل والواقعية
– عملية ٧ أكتوبر/تشرين الأول فلسطينية بحتة.
– جبهتنا جبهة مساندة ودعم، مع عرض مختصر للخسائر العسكرية والمادية واللوجستية التي تكبدها ويتكبدها العدو.
– انخراط حركات المقاومة في المعركة (اليمن ولبنان والعراق).
– قطع الطريق على من يحاول اللعب على الوتر الطائفي وإحداث فتنة بين حركات المقاومة (الإخوان المسلمون وإيران).
– تحييد الدور الإيراني المباشر عن المعركة وعدم مهاجمة الدول العربية (تفهماً لمسار التفاوض الايراني – السعودي المستمر).
– التهديد بالتصعيد مع الأسياد، لا الوكلاء.. ليأتي الرد من البيت الأبيض: على حزب الله ألا يحاول استغلال النزاع القائم في غزة، فالولايات المتحدة لا تسعى إلى تصعيد أو توسيع رقعة النزاع.
حربٌ نفسيةٌ مارسها حزب الله مع العدو، فإنعكست على بعض اللبنانيين. تهديداتٌ وُجّهت بشكل مباشر للعدو، فخاف بعض اللبنانيين منها. لكن من فهم الخطاب جيداً وما زال يقرأ كل عبارة من عباراته هو العدو الإسرائيلي
– عدم كشف كل أوراق المقاومة من أسلحة جديدة لم تستخدم ومواقع لم تستهدف بعد. إبقاء خيارات التصعيد مفتوحة في الجبهة اللبنانية من دون تحديد زمن معين. رمى السيد نصرالله المسؤولية على عاتق العدو، فربط مصير الجبهة اللبنانية بكيفية تطور الأحداث في غزة، أو تهوّر العدو عند حدود لبنان. وأعاد التأكيد على معادلة “مدني مقابل مدني” (طبعاً عسكري مقابل عسكري).
– لم يوجه أي رسالة للداخل اللبناني بإعتبار أنه يدافع عن الأراضي اللبنانية.
– أنهى خطابه بحتمية إنتصار غزة، وخص بالذكر إنتصار حركة “حماس”.
ثالثاً؛ ما بعد الخطاب: تنظير ومزايدات بلا طعمة
من كان ينتظر نصرالله حتى يُعلن عن عملية عسكرية ما، مثل الدخول البرّي الى الجليل الأعلى، هو نفسه منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول يطلب منه ابعاد لبنان عن نار الحرب، وقد يكون وقّع على عريضة وشارك في حملات من أجل ذلك.
ومن كان يريد من نصرالله عدم جرّ البلاد إلى الحرب، بادر فور إنتهاء الخطاب إلى شن حملات الاستهزاء والشماتة بعنوان “ضعف مضمون الخطاب”.
ومن كان يتهم حزب الله طوال المرحلة الماضية بأنه أداة إيرانية، عندما أثبت لبنانيته في خطاب الأمس، إنزعج من فائض لبنانويته!
هم جماعة “عالحالتين مش خالصين”.. إحترنا معكم!
حربٌ نفسيةٌ مارسها حزب الله مع العدو، فإنعكست على بعض اللبنانيين. تهديداتٌ وُجّهت بشكل مباشر للعدو، فخاف بعض اللبنانيين منها. لكن من فهم الخطاب جيداً وما زال يقرأ كل عبارة من عباراته هو العدو الإسرائيلي. فبعد كل خطاب للسيد نصرالله، من المفيد متابعة اعلام العدو الذي يكون في معظم الأحيان واقعياً في قراءته وتحليله، أكثر بكثير من بعض الجهابذة اللبنانيين!