“الهدنة”.. بعيون إسرائيلية: الحرب على غزة مستمرة

لا يخفى على أحد أن "إسرائيل" وافقت على الهدنة وصفقة الأسرى مرغمة. يكفي أنها لم تستطع تحرير أسير واحد بالقوة، لتذعن إلى المفاوضات مع فصيل شبهته بـ"داعش" ونعتته بالإرهاب، وبالتالي، رضخت لشروط يحيى السنوار ومحمد ضيف.

كعادته، بدا الإعلام العبري منقسماً في النظرة إلى عملية تبادل الأسرى، وعبّر الكثير من المعلقين عن خشيتهم من أن إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وعقد هدنة إنسانية تستمر بضعة أيام، سيُضران بقدرة الجيش الإسرائيلي على مواصلة القتال.

ويقول المحلل العسكري في “هآرتس” عاموس هرئيل إن هناك إجماعاً في القيادتين السياسية والأمنية على تنفيذ عملية برية جديدة في جنوب قطاع غزة، ولا سيما في خان يونس “لكن مثل هذه العملية يمكن أن يستغرق شهوراً، وهي تواجه صعوبتين. الأولى، هناك تتركز كل القدرات العسكرية لـ”حماس”، والتي لم تتضرر. والثانية، توجد في الجنوب كثافة سكانية كبيرة، نحو مليوني نسمة، بعد تقديرات بشأن بقاء أقل من 80 ألف فلسطيني في شمال القطاع”.

ويضيف هرئيل “إدارة (جو) بايدن تتحفظ عن سير العملية العسكرية في جنوب القطاع ولا تزال مصدومة من رفض (بنيامين) تنياهو الشديد مناقشة سيناريوهات اليوم التالي. ومع مرور الوقت، من المحتمل أن تكون النتيجة زيادة الضغط على إسرائيل لمنعها من القيام بعملية واسعة النطاق في جنوب القطاع.. الأميركيون ينتظرون خفض عديد القوات الإسرائيلية في شمال القطاع، وإنشاء منطقة أمنية عازلة، يُمنع فيها إطلاق النار على طول الحدود، منعاً باتاً، وربما توغلات محدودة للجيش في شمال القطاع فقط”.

وكتب إيريس لعال في “هآرتس” أن الفارق بين الصفقة التي وُضعت حيز التنفيذ، وبين الصفقة التي رُفضت قبل شهر (رفضها نتنياهو ومجلس الحرب)، “هو نضج الجمهور الإسرائيلي. كان يجب التوصل إلى توازُن مناسب بين حاجة الجمهور الإسرائيلي إلى رؤية غزة مدمرة، والتأكد من أن أهلها يعانون جرّاء العطش والجوع (وهم على حافة كارثة إنسانية)، والاقتراب من رؤية القضاء على “حماس”، وأيضاً يؤلمني القول، الوصول إلى هذا العدد من القتلى الفلسطينيين، وبين مشاعر الغضب والإحباط الكبيرَين وسط عائلات المخطوفين، وبالتالي زيادة التأييد لنضالهم”، وختم بالقول “على الجمهور أن يدرك بسرعة أننا لن نخرج منتصرين من هذه الكارثة. السبيل الوحيد أمامنا هو استعادة جميع المخطوفين، حتى آخر واحد بينهم. وهذا لن يكون انتصاراً، لكنه سيريح النفوس قليلاً”.

وأشار رئيس “الموساد” السابق، إفرايم هاليفي، إلى أنه ستكون هناك ضغوط كبيرة جداً على الساحة الدولية، وتحديداً من جانب الولايات المتحدة. ويرى في هذه الصفقة “خطوة من شأنها تعزيز إنهاء الحرب”. وأضاف أنه “إذا تمّ دفع عملية التبادل حتى النهاية، فسيكون من الصعب استئناف القتال، على الرغم أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قال إنها ستستأنف بعد الهدنة حتى تنهار حماس”.

وقال حجاي هداس، منسّق سابق لشؤون الأسرى والمفقودين، “لن يكون الأمر سهلاً على نتنياهو في يوم الصفقة. فجميع ذكريات صبيحة السابع من تشرين الأول/أكتوبر ستثار، وستتم مناقشتها في وسائل الإعلام، وفي أوساط الناس، حين يتم إطلاق سراح المخطوفين. سيكون الأمر بمثابة عودة إلى صدمة السابع من تشرين الأول/أكتوبر من جديد. وسنسمع بكاءً مريراً، وغضباً لا يلوى على شيء، ومن شأن الأمر أن يضر نتنياهو جداً، من الناحية السياسية. تقديراتي تقول إنه يخشى من النتيجة السياسية المترتبة على إطلاق سراح المخطوفين”.

وثمة خشية لدى القيادة الإسرائيلية من أن تطول الهدنة، والتي أُتفق على تكون لأربعة أيام قابلة للتمديد إذا ما أقدمت “حماس” على الإفراج عن المزيد من الأسرى. إذا يرى المحلل السياسي طال ليف رام، في صحيفة “معاريف”، “يمكن أن تستمر الهدنة 10 أيام في حال استمرّت “حماس” في تحرير الرهائن. وكلما ازداد وقت الهدنة، كلما كان تحدي تجديد القتال أصعب. هذا ما يفهمونه جيداً في الجيش، والقيادة العسكرية موافقة على أن الهدنة يمكن أن تنتهي مع عودة نحو 100 من الرهائن الإسرائيليين إلى منازلهم، فهذا الثمن نستطيع دفعه والتصالح معه”.

ويذهب زميله أرئيل كهانا في “يسرائيل هيوم” أبعد من ذلك، بقوله “يوجد للقتلة في غزة رافعة ضغط من شأنها أن تحشر إسرائيل في الزاوية ألا وهي استمرار تنقيط المخطوفين.. إذ ما الذي سنفعله إذا ما أعلنت حماس في نهاية اليوم العاشر أن في الغداة أيضاً تتحرر مجموعة مخطوفين؟” ويضيف “بهذه الطريقة التهكمية والوحشية يمكن لحماس أن تجر وقف النار لأيام بل وحتى لأشهر إلى الأمام”.

ومن جهته، يجزم ألون بن دافيد، في “معاريف”، بأنه “حتى لو تمّ تمديد الهدنة، وتواصل عقد صفقات تبادُل المخطوفين على مدار وقت طويل، هناك إجماع على المستويَين السياسي والعسكري، مفاده بأن القتال سيتواصل بعد ذلك بكامل قوته، إلى أن يتحقق هدف تفكيك حركة حماس”.

بدوره، يتهم الكاتب في “هآرتس” يوسي ميلمان، نتنياهو بالتقصير، مقارنة مع نظيرته غولدا مائير، التي قاتلت بحسبه لإعادة الأسرى من مصر ومن سوريا إثر حرب 1973، ويقول إنها “نغصت عيش (هنري) كيسنجر، (أنور) السادات و(حافظ) الأسد. صدّقها الناس برغم نواقصها: الجنود الذين يذوون في الأسر أثقلوا على ضميرها. لا أدري ما الذي يُثقل على ضمير نتنياهو، لكنه مُلزم بأن يفهم بأن للمنصب الذي يصرّ على أن يتبوأه يوجد ثمن. منذ 7 أكتوبر لا توجد وجبات مجانية”. ويطلب إلى المولجين بملف الأسرى بأن “لا ينسوا الجنديَين أورون شاؤول وهدار غولدن، اللذين تحتفظ حركة “حماس” بجثتيهما منذ حملة “الجرف الصامد” سنة 2014، ولا أن ينسوا هشام سعيد وأبراه منغيستو، اللذين يعانيان جرّاء مشاكل نفسية، وقطعا سنة 2015 الحدود إلى قطاع غزة، وبحسب علمنا، هما على قيد الحياة”.

إقرأ على موقع 180  الارهاق الاجتماعي الناعم لبيئة المقاومة في لبنان

أما زميله في الصحيفة نفسها، عمير فوكس، فيدعو السلطة السياسية إلى الالتزام بأحد بنود الدستور الإسرائيلي الإستثنائية، والذي يقضي بواجب الدولة تجاه ابناء الشعب اليهودي، بل تجاه كل المواطنين، لناحية “الاهتمام بهم طالما أنهم يوجدون في ضائقة بسبب يهوديتهم أو جنسيتهم”، ويضيف “خلال السنين الماضية عرف المواطنون في اسرائيل بأن الدولة ستصل وستنقذهم من أي ضائقة، قبل فترة طويلة من اهتمام الدول الاخرى بمواطنيها في حالات الكوارث أو حالات الطوارئ. هكذا كان عند اندلاع الحرب في اوكرانيا، وهكذا كان في كوارث طبيعية في أماكن مختلفة، وهكذا كان الأمر في حالات أسر الجنود، التي دفعت فيها اسرائيل اثماناً مؤلمة جداً لإنقاذ حياتهم”

و”إعادة المخطوفين هو هدف أعلى ويجب عمل كل شيء لأجل إعادة الجميع إلى الديار وإلا فإن الأمر سَيُعدّ وصمة على إسرائيل إلى الأبد” بحسب رأي عاموس جلعاد في “يديعوت أحرونوت”. (المصادر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، صحيفة الأيام الفلسطينية، صحيفة القدس العربي).

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  الحروب السيبرانية ضد الجيوش والمجتمعات.. تُدمّر وأكثر؟ (2)