هؤلاء الناخبون لا يجمعهم الولاء بأى انتماءات حزبية جامدة، وهم يغيرون نمط تصويتهم دوريا من خلال حكمهم على المرشحين وبرامجهم ومواقفهم، دون الالتفات للراية الحزبية والأيديولوجية.
وفى انتخابات 2020 فاز الرئيس جو بايدن فى الانتخابات الرئاسية على منافسه دونالد ترامب فى هذه الولايات. وفى بعض الولايات تفوق بايدن بفارق عشرة آلاف صوت فقط، ومع وجود قاعدة «الفوز المطلق» التى تمنح كل أصوات الولاية إلى المرشح الحاصل على أكثر نسبة من الأصوات، ذهبت أصوات هذه الولايات بالكامل لبايدن.
ومع ثبات خريطة الولاء الحزبى فى الـ 44 ولاية الباقية، إضافة للعاصمة واشنطن، سيركز كل من بايدن وترامب جهودهما للفوز بهذه الولايات التى تقترب فيها بشدة نسب تأييد المرشحين المتنافسين.
لم تعكس نتائج الانتخابات التمهيدية فى ميشيجان ومينيسوتا تقييم قوة الرئيس بايدن فى ولايتين من أهم الولايات المتأرجحة التى تمثل ساحة معركة رئاسية أمام غريمه المرشح الجمهورى دونالد ترامب فحسب، بل هى بمثابة اختبار حاسم لثمن رفض بايدن الدعوة إلى وقف إطلاق النار فى غزة
***
خلال الأيام القليلة الماضية، وبعد ثبات الموقف المؤيد بصورة مطلقة للجانب الإسرائيلى من قبل إدارة جو بايدن، سواء من الناحية الدبلوماسية باستخدامها حق النقض «الفيتو» ثلاث مرات بمجلس الأمن، أو سياسيا برفضها المطالبة بوقف إطلاق النار، أو عسكريا باستمرار تسليحها إسرائيل وإمدادها بما تحتاجه من قنابل وذخائر، هدّد عرب ومسلمو أمريكا بعدم التصويت لصالح بايدن فى انتخابات 2024، وهو ما قد يتسبب فى هزيمته.
وتعهد الكثير من قادة عرب ومسلمى أمريكا بأنهم سيعملون على حشد مئات آلاف الناخبين المسلمين، وتشجيعهم على وقف التبرعات والامتناع عن التصويت لصالح الرئيس جو بايدن فى انتخابات الرئاسة عام 2024 ما لم يتخذ خطوات فورية لوقف إطلاق النار فى غزة.
وحتى الآن فشلت كل محاولات إدارة بايدن فى مصالحة الناخبين العرب والمسلمين مع استمرار رفض بايدن المطالبة بوقف إطلاق النار وإنهاء العدوان على قطاع غزة ووقف إمداد إسرائيل بالأسلحة والذخائر.
وصعّد عرب ومسلمو أمريكا من مستوى القطيعة بين بايدن وأعضاء حزبه، وصوت ما يقرب من 20% فى ولايتين هامتين، ميشيجان ومينيسوتا، بعدم الالتزام (uncommitted)، وتجنّبوا التصويت لصالح بايدن فى انتخابات الولايات التمهيدية. ويمكن لأكثر من 100 ألف ناخب فى ميشيجان، وأكثر من 50 ألف ناخب فى مينيسوتا، وهم الديموقراطيون الذين لم يصوتوا لبايدن، أن يقلبوا نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة حال تصويتهم لترامب، أو بقائهم فى البيوت وعدم التصويت.
تعد هذه النسبة انتصارا لحركة عدم التصويت لبايدن على خلفية دعمه الكامل للعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة. ولم تعكس نتائج الانتخابات التمهيدية فى ميشيجان ومينيسوتا تقييم قوة الرئيس بايدن فى ولايتين من أهم الولايات المتأرجحة التى تمثل ساحة معركة رئاسية أمام غريمه المرشح الجمهورى دونالد ترامب فحسب، بل هى بمثابة اختبار حاسم لثمن رفض بايدن الدعوة إلى وقف إطلاق النار فى غزة.
***
وعلى الرغم مما يمثله الرئيس ترامب من تهديد للديموقراطية الأمريكية، وعلى الرغم من تبنيه مواقف سابقة داعمة لإسرائيل، إلا أنه قد لا يكترث بقيود السياسات الأمريكية التقليدية التى لا تتجرأ على الخروج عن نصوص ومحددات السياسات التقليدية التى أرست دعائمها دولة أمريكية بيروقراطية عميقة يتمتع فيها الصهاينة وأنصار إسرائيل بباع طويل ومعقد من النفوذ والسطوة.
قرارات ترامب الخارجية لا تنطلق من نظريات فى إدارة العلاقات الدولية، لكنها مبنية بالأساس على حسابات وتفضيلات ترامب المتعلقة بأمور متداخلة ومعقدة بصورة يطغى عليها الجانب الشخصى، ويتحكم فى جانب ترامب الشخصى خبراته السابقة وإدارته للعديد من الشركات والمؤسسات التجارية والعقارية، داخل وخارج الولايات المتحدة، حيث أدى فيها ترامب أدوارا مختلفة منها المالك، المدير، الخاسر والمستثمر.
نعم من المبكر معرفة رأى عرب ومسلمى أمريكا فى التصويت لترامب، لكن سيكون موعد 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل كاشفا لدرجة دعمهم لرئيس لم يأبه، بل ودعم، قتل عشرات الآلاف من الأبرياء فى قطاع غزة، أو وصولهم لدرجة من الغضب يأتون فيها بدونالد ترامب رئيسا مرة أخرى للولايات المتحدة، سواء بالتصويت المباشر له، أو الامتناع عن المشاركة فى عملية الاقتراع وحرمان بايدن من أصواتهم.
بعد وجود بايدن فى البيت الأبيض لأربع سنوات 2021ــ2024، أجدر بنا أن نحكم على سجل بايدن، وأن نجعل انتخابات 2024 بمثابة استفتاء على مواقف وسياسات جو بايدن وليس دونالد ترامب
***
من هنا، يواجه بايدن وفريقه، معضلة فى التعامل مع غضب الناخبين العرب والمسلمين فى الولايات المتأرجحة مع استمرار دعمهم لحملات «التخلى عن بايدن»، فى الوقت الذى لا يبدو فيه أن بايدن مستعد لتغيير موقفه الداعم وبقوة للجانب الإسرائيلى.
وشهدت الأيام والأسابيع الماضية زيارات عدد من مسئولى إدارة الرئيس بايدن لحث قادة الجالية العربية والإسلامية على التصويت لبايدن، وتحدثوا كذلك إلى الناخبين الذين يعد دعمهم أمرا حاسما فى ولاية يجب أن يفوز بها بايدن فى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل إذا أراد الفوز بفترة حكم ثانية.
لكن لم تنجح جهود الإدارة فى محاولتها لتعبئة الناخبين، برغم ترويجهم لسجل بايدن وتحذيرهم من عواقب وصول المرشح الجمهورى ترامب للبيت الأبيض مرة أخرى.
ولا يستطيع بايدن تحمل خسارة أصوات عرب ومسلمى ولاية ميشيجان، التى أصبحت إحدى أهم الولايات المتأرجحة فى انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وتعد ولاية ميشيجان موطنا لأكثر من 300 ألف أمريكى من أصول شرق أوسطية، ولا يشمل هذا العدد الفئات الأخرى التى لا توافق على الحرب فى غزة، ولا سيما الشباب والأقليات.
يراهن البيت الأبيض على تذكير الناخبين العرب والمسلمين بسجل ترامب فى الحكم بين 2017ــ2021، وسيبذل الديموقراطيون قصارى جهدهم لجعله استفتاء على ترامب. إلا أنه وبعد وجود بايدن فى البيت الأبيض لأربع سنوات 2021ــ2024، أجدر بنا أن نحكم على سجل بايدن، وأن نجعل انتخابات 2024 بمثابة استفتاء على مواقف وسياسات جو بايدن وليس دونالد ترامب.
(*) بالتزامن مع “الشروق“