معاناتك يا غزة تُصيبنا بمقتل المُتابعة والعجز، وأنين عذابات أطفالك، مرارة قهر نساؤك، أسف شيوخك لخذلان ذوي القربى، تُحني منّا الظهور والرقاب.. لو أننا نتمرّغ بغبار بنيانك المتهدّم، ورمال أرضك وترابها وشجرها المشلّع. نستشعرك يا غزة من بعيد، وبات الخوف يقترب من إحساسنا بأننا تعوّدنا، أو اعتدنا، أو “طنّشنا”، أو هلكنا عنك ولم ينل الهلاك منك، أو أننا تعبنا وأنت لا تتعبين، أن نهرب منك إليك؛ أن نسترق أخبار العزة على جبين بشرية فاقدة الضمير، مُتلحّفة بحبال أكاذيب حقوق الأم والطفل والمرأة والحرية وتقرير الشعوب لمصائرها؛ أن نلتقط نسمة من مشاعر الكرامة التي تُزين قامات كل أولئك المدافعين عن ثغورك.
الكارثة كبيرة جداً. هذه عادة عدونا الصهيوني/الإستيطاني/الإحلالي، لكن هيهات أن نخذلك يا غزة، لأننا بذلك نخذل أنفسنا؛ نخذل مقاوميك ومثلهم أحرار الطلقة المُسانِدة، ممن تخيّروا السير على طريق القدس إلى جانبك، يقدّمون الشهداء يومياً على مذبح النصر الآتي بإذن الله. نخذلك، إلّا من دعاء وكلمة حب وتأمُّل بأسرار صمودك وصبرك واقتدارك على لي ذراع المجرمين الصهاينة.. تواجهين منفردة جبابرة السلاح والأسلحة المتطورة والفتاكة، وبقوة عزيمتك تتحدّين جبروت جيشهم الذي كان لا يقهر فقهرْته، وأحقاد الحاقدين فانتزعت من منتهزي الفرص فرصتهم بإلغائك، والجبناء والمهزومين في كرامتهم وأرواحهم، وأولئك المتغطرسين بتاريخهم الأسود في استعمار الشعوب ونهب ثرواتها ومستقبل شعوبها، بإذكاء الفتن بين أهلها، وتنصيب الخانعين منهم لحماية مشاريعها ومصالحها، بالدوس على كرامة أبناء جلدتهم.
صرنا نخشى يا غزة أن تكون مشاعرنا تبلّدت، وعجزنا أمامك قد استنفد، وصبرنا نخره اليأس، ونصرتنا شابها التقصير، وأن تكون عدوى الصمت العربي والإسلامي قد أصابتنا
نغوص في ذاتنا خجلاً منك يا غزة، ونذوب في حيائنا من عجزنا. نقوم إلى واجباتنا اليومية. نستمع إلى طلقات رصاص الصهيوني تصيب منك مقتلاً، ولا تصيب من جبينك انحناءة، فننحني إجلالاً لهيبتك الما فوق تفسير معنى الكلمات. نقوّى بك لفهم الألغازالتي يُمكن أن تُفسّر لنا أسرارك السماوية، لجزيل عطاءات شعبك.. وكل هذا الدماء الزكية.
نسينا تعداد أيام صلبك على درب الجلجلة، صممنا آذاننا عن تنهدات آلامك. عذاباتك دخلت في عالم التعداد اليومي، والأرقام، وفحش الضمائر، وجلسات النقاش لتعبئة الفراغ، وتمضية الوقت.. نخشاك يا غزة، ونخشى عيون أطفالك الجوعى، وغض أبصار نساؤك عن عيون الكاميرات، نساؤك المتجلببات باللوعة من قسوة الفقد. فقد الحياة والعيش اللائق، وفقد الأحبة، والخوف من فقد الفقد.
ما يزال الوحش الصهيوني يا غزة يتغوّل في دمك والعالم يتفرج على هذا السيرك البربري. القتل العمد، والقصف والتدمير، وارتكاب المجازر اليومية كأنها ولائمه المفتوحة على مجون شهواته لارتكاب المجازر وكأنه لم يشبع بعد من كل تاريخه الدموي المُشين على أرض فلسطين.
صرنا نخشى يا غزة أن تكون مشاعرنا تبلّدت، وعجزنا أمامك قد استنفد، وصبرنا نخره اليأس، ونصرتنا شابها التقصير، وأن تكون عدوى الصمت العربي والإسلامي قد أصابتنا.
يا ليل غزة الطويل، أما آن لهذا الإجرام أن ينتهي.