يشي سلوك حكومة بنيامين نتنياهو حتى الآن بأنها غير مهتمة بمثل هذه الهدنة المؤقتة، لا بل تسعى إلى فرض شروط استسلام على المقاومة الفلسطينية في غزة، مستغلةً الدعم الأمريكي المتواصل واستعداد دونالد ترامب لدخول البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني/يناير المقبل، ما يضيف بُعداً سياسياً إضافياً لهذه المعركة.
يعتبر نتنياهو ما جرى في حربه مع لبنان “إنجازاً استراتيجياً”، حيث استطاع فصل جبهة لبنان عن غزة، ما أدى إلى تحويل قطاع غزة إلى ساحة وحيدة للصراع، وهذا الفصل يعكس نجاحاً إسرائيلياً في تحييد تأثير المقاومة اللبنانية الميداني والسياسي، وبخاصة في ضوء الاتفاق الذي أنهى العمليات العسكرية في شمال فلسطين المحتلة.
ويرى نتنياهو أن هذا الاتفاق مع لبنان مكّن الجيش الإسرائيلي من إعادة تركيز عملياته على قطاع غزة، مما يُعزّز فرص الضغط أكثر على المقاومة الفلسطينية وبشكل مكثف.
لن تتنازل المقاومة الفلسطينية عن مطالبها وأولها وقف الحرب والإنسحاب الكامل من غزة، ما يجعل فرصة التوصل إلى هدنة دائمة أو اتفاق شامل أمراً بعيد المنال في ظل الظروف الراهنة
وبذلك تسعى إسرائيل إلى تثبيت وجودها في قطاع غزة، وكانت عملية اقتحام وزير الإسكان الإسرائيلي ورئيس مجلس المستوطنات مناطق في قطاع غزة برفقة ممثلين عن حركة “نحالا” الاستيطانية، خير مؤشر على ذلك. هذا الاقتحام، أظهر وجود خرائط تفصيلية حول كيفية توزيع الأراضي على المستوطنين، ما يشير إلى نية إسرائيل بناء مستوطنات جديدة في غزة، على غرار مشاريعها في الضفة الغربية.
وعلى المستوى التشريعي، تعمل الحكومة الإسرائيلية على إلغاء قانون فك الارتباط لعام 2005، الذي أدى إلى انسحاب إسرائيل من مستوطنات غزة، ويجري حالياً في الكنيست مناقشة تشريع جديد يسمح بعودة المستوطنين إلى بعض المناطق التي تم إخلاؤها سابقاً، كما حدث بقانون مشابه حول مستوطنات شمال الضفة الغربية التي تم الانسحاب منها.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت إسرائيل بإنشاء بنى تحتية عسكرية، تشمل إقامة أبراج للمراقبة ومواقع عسكرية دائمة على طول ممرات مثل “نتساريم” و”كوسيفيم”، ما يعكس نية واضحة للحفاظ على وجود عسكري دائم في القطاع.
من جانب آخر، تُدرك المقاومة الفلسطينية أن الورقة الوحيدة التي تمتلكها هي قضية الأسرى الإسرائيليين، ولذلك، لن تفرط بهذه الورقة، بل ستتمسك بمطالبها المتمثلة في الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من القطاع والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، كما أن أي محاولة من نتنياهو لإطلاق الأسرى من دون الإلتزام بانسحاب كامل ستُقابل بالرفض من المقاومة.
إن استراتيجية نتنياهو تهدف إلى استخدام قضية الأسرى كورقة تفاوضية لاستكمال العمليات العسكرية، مما يجعل أي هدنة أو اتفاقاً مؤقتاً أمراً مستبعداً في الوقت الراهن.
إن المقارنة بين اتفاق لبنان والحالة في غزة ليست مقارنة دقيقة بسبب الاختلاف الكبير في المُحدّدات الداخلية والخارجية، ففي لبنان، هناك دولة قائمة بمؤسساتها الشرعية، ما ساعد على التوصل إلى اتفاق بين دولتين بموجب هندسة إقليمية شاركت فيها الولايات المتحدة وفرنسا، إضافة إلى عوامل محلية مثل معادلات اتفاق الطائف وقوى 14 آذار.
أما في غزة، فان الوضع مختلفٌ تماماً، إذ يعاني القطاع من حرب إبادة شاملة من دون وجود مؤسسات محلية أو دولية قادرة على التدخل، كما أن إسرائيل تستغل هذا الوضع لتنفيذ سياساتها الاحتلالية، مما يجعل أي حديث عن سيناريو مشابه للبنان في غزة أمراً غير واقعي.
ولكن دخول الوساطة التركية على خط الأزمة قد يساهم في حلحلة بعض القضايا، لكن من المستبعد أن يؤدي ذلك إلى اتفاق شامل، وخصوصاً أن المعضلة الرئيسية تتمثل في رفض إسرائيل أي انسحاب كامل من القطاع.
في الوقت ذاته، لن تتنازل المقاومة الفلسطينية عن مطالبها وأولها وقف الحرب والإنسحاب الكامل من غزة، ما يجعل فرصة التوصل إلى هدنة دائمة أو اتفاق شامل أمراً بعيد المنال في ظل الظروف الراهنة.