محمد صالح صدقيان05/06/2024
نجحت إيران في تأمين انتقال سلسٍ للسلطة السياسية بعد رحيل رئيس جمهوريتها ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وعدد آخر من المسؤولين المحليين جرّاء تحطم الطائرة المروحية الرئاسية التي أقلّتهم لافتتاح سد مشترك مع أذربيجان في 19 مايو/أيار الماضي.
لم تجد طهران، إثر فاجعة المروحية الرئاسية، صعوبة في انتهاج الآليات الدستورية الضامنة لاستمرارية مؤسساتها والتزام الاستحقاقات الدستورية، بدءاً بمنح الصلاحيات الكاملة للنائب الأول لرئيس الجمهورية (محمد مُخبر) وتنصيبه رئيساً للجمهورية بالوكالة لفترة دستورية محدّدة، مروراً بتشكيل اللجنة الثلاثية التي يرئسها رئيس الجمهورية بالوكالة ويتمثل فيها كلٌ من رئيس مجلس الشوری (البرلمان) ورئيس مجلس القضاء الأعلی، علی أن تكون مهمة هذه اللجنة الإشراف علی الاستحقاق الثالث، وهو اجراء الإنتخابات الرئاسية في المهلة الدستورية التي اشترط الدستور ألا تزيد عن 50 يوماً. وقد قامت هذه اللجنة في اجتماعها الأول الذي عُقد في 20 مايو/أيار الفائت، أي في اليوم ذاته الذي تم الاعلان فيه عن وفاة الرئيس، بتحديد يوم 28 حزيران/يونيو الحالي موعداً لإجراء الانتخابات الرئاسية.
ويُسجل للنظام السياسي الإيراني أنه استطاع أن ينتهج أطراً دستورية تُوفّر انتقالاً سلساً للسلطة تحت سقف المواعيد والاستحقاقات التي حدّدها الدستور، وهو الأمر الذي يعكس حالة من الاستقرار في الإنتظام العام، برغم ما يُعاني منه البلد من حصار خارجي وعقوبات دولية أو من مشاكل اقتصادية داخلية لها أسبابها العديدة.
وعلی خلفية ذلك، ثمة حيوية لافتة للانتباه رصدها الخبراء والمتابعون للمشهد السياسي الإيراني في ضوء الرغبة التي أبداها التيار الاصلاحي بتقديم مرشح أو أكثر للانتخابات الرئاسية المقررة بعد أكثر من ثلاثة أسابيع.
وتدل المؤشرات المستقاة من الانتخابات السابقة أن التنافس سيكون متمحوراً بين مرشحي التيار الأصولي بأجنحته المتعددة (المتشدد والوسطي والمعتدل) اللهم إلا إذا اتخذ النظام، من خلال مجلس صيانة الدستور، مساراً أكثر اعتدالاً لإفساح الفرصة أمام الشخصيات الإصلاحية في الترشح للدورة الـ 14 من الانتخابات الرئاسية.
المشهد الانتخابي لن يشهد أية اثارة إذا تكرّرت تجربة 2021 واقتصر الترشح علی الأصوليين، وثمة نافذة مفتوحة للتوصل إلى اتفاق بين التيار الاصلاحي والتيار المعتدل (المحافظ) علی شخصية تحظی بقبولهما في مواجهة المرشح الأصولي؛ عندها ربما تتكرر تجربة انتخابات عام 1997 التي فاز فيها الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي
وفي الوقت الذي حسم التيار الأصولي بأجنحته وأحزابه أمر المشاركة في الانتخابات، تبقی الأنظار متجهة للتيار الإصلاحي الذي يتزعمه الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي الذي أعلن أنه لن يدعم أياً من المرشحين إذا ما فشل بالحصول علی الضوء الأخضر من مجلس صيانة الدستور علی مرشحيه، حيث تم ترشيح أسماء مثل اسحاق جهانغيري النائب الأول للرئيس الإيراني السابق حسن روحاني والنائب مسعود بزشكيان والنائب السابق مصطفى كواكبيان.
واللافت للانتباه في هذه الانتخابات تبلور تيار معتدل كان محسوباً في السابق على فريق المحافظين الأصوليين لكنه مع مرور الوقت، راح يتخذ مواقف معتدلة تندرج في خانة “الواقعية السياسية”؛ فصار يتم التدليل على هؤلاء باسم “التيار المعتدل”، ومن أبرز شخصياته التي رشحت للانتخابات محمد باقر قاليباف رئيس مجلس الشورى الحالي، وعلي لاريجاني رئيس مجلس الشورى السابق.
وفي مقابل هؤلاء، يقف الأصوليون المتشددون بقوة مستفيدين من سيطرتهم علی معظم مراكز القرار؛ (“الخبراء” و”تشخيص مصلحة النظام” والقضاء والبرلمان إلخ..) لكن ذلك لا يمنع من حصول تنافس داخلي داخل هذا الفريق نفسه، وهو الأمر الذي تبدّت ملامحه خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت في مارس/آذار الماضي، وبرزت خلالها أسماء مهمة تتميز بطريقة تفكيرها وبرنامج عملها أمثال سعيد جليلي، مندوب المرشد في المجلس الأعلی للأمن القومي علماً أنه كان أميناً عاماً للمجلس في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد (رشّح نفسه للانتخابات)، ومهرداد بذرباش وزير النقل الحالي.
هذا المشهد الانتخابي الذي تعيشه الساحة الإيرانية راهناً لم يُبلور الصورة الانتخابية في انتظار أن يقول مجلس صيانة الدستور كلمته في أسماء المرشحين الـ80 لرئاسة الجمهورية، حسب أرقام وزارة الداخلية.
ويُفترض بهذا المجلس المؤلف من إثني عشر عضواً، أن يُصادق، خلال فترة لا تتجاوز السبعة أيام، اعتباراً من الإثنين الماضي، على أهلية المرشحين لخوض الانتخابات أو عدم خوضها، وفق معايير محددة، على أن ينشر في 11 الجاري قائمة بالمرشحين المؤهلين خوض المنافسة الرئاسية، لتنطلق بعد ذلك حملات المرشحين بما ستتضمنه من تصورات اجتماعية واقتصادية وأمنية وسياسية لإدارة البلد، فيما ترسم هذه الأسماء مستقبل العلاقات الخارجية الإيرانية وتحديداً مع الدول الغربية وبالذات كيفية التعامل مع ملف المفاوضات النووية. أما العلاقات مع دول الجوار وخصوصاً مع الدول العربية، فقد بات بحكم المؤكد أن النظام السياسي اتخذ قراره بفتح صفحة جديدة من العلاقات وصولاً إلى تعزيز الثقة والتعاون والتنسيق في مجالات عديدة. وهذا الأمر يمكن تلمسه من خلال مسار إعادة العلاقات مع السعودية وبقية الدول الخليجية وأيضاً التحرك لتطبيع العلاقات مع بقية الدول العربية.
وفي التكهنات أن المشهد الانتخابي لن يشهد أية اثارة إذا تكرّرت تجربة 2021 واقتصر الترشح علی الأصوليين، وأن هناك نافذة مفتوحة للتوصل إلى اتفاق بين التيار الاصلاحي والتيار المعتدل (المحافظ) علی شخصية تحظی بقبولهما في مواجهة المرشح الأصولي؛ عندها ربما تتكرر تجربة انتخابات عام 1997 التي فاز فيها الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي.
وحتی موعد اعلان أسماء من يحق لهم الدخول في السباق الانتخابي الرئاسي في 11 حزيران/يونيو الجاري، ستشهد طهران حيوية سياسية يُفترض أن تُتوج بانتخاب رئيس جديد يُراد له أن أن يُواجه الاستحقاق الانتخابي الأمريكي لما للأمر من صلة وثيقة بالمفاوضات النووية التي تهدف إلى رفع الحظر المفروض منذ عقود علی الاقتصاد الإيراني ومن خلاله على كل الشعب الإيراني.