ارتباك أمريكى غير مسبوق بسبب غزة

ثمة ارتباك أمريكى غير مسبوق في تعامل كل أركان إدارة جو بايدن مع قضية العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة. وفي الوقت نفسه، تواصل الحكومة الإسرائيلية الاستهتار بالمواقف الأمريكية، ولا تكترث للخلافات بينها وبين واشنطن مع تأكدها من غياب أى تأثير فعلى على سياسة إدارة بايدن ومواقفها.

على سبيل المثال، نحن فى وضع غريب للغاية: يطرح بايدن اقتراحا لوقف إطلاق النار ويقول إنه اقتراح إسرائيلى، ويدعى أن الجميع ينتظرون فقط موافقة حماس عليه، فى وقت من غير المرجح فيه أن تدعم إسرائيل هذا الاقتراح فعليا. وتحدث بايدن عن صفقة معقدة على ثلاث مراحل، اعتبرها صفقة إسرائيلية، كذلك قال إنها لا تختلف كثيرا عما قدمته حركة حماس قبل أسابيع.

وخلال الأيام القليلة الماضية فقط، قام وزير الخارجية أنتونى بلينكن بزيارة ثامنة للمنطقة، وتحدث مع قادة المنطقة حول مقترح وقف إطلاق النار فى غزة.

وفى الأمم المتحدة، قدمت إدارة بايدن مشروع قرار فى مجلس الأمن لدعم صفقة غزة مرره المجلس برغم امتناع روسيا عن التصويت. وقبل أيام، اتجهت الحكومة الإسرائيلية إلى اليمين مع استقالة الجنرال السابق بينى جانتس، المنافس السياسى الرئيسى لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، بسبب رفض رئيس الوزراء عقد صفقة رهائن، وغياب وجود طرح مخطط مفصل لمستقبل غزة.

خلال الأيام الأخيرة، زاد اشتعال الجبهة الشمالية بين حزب الله اللبنانى وجيش الاحتلال الإسرائيلى، وهو ما لا ترغب واشنطن فى حدوثه نظرا لما يعنيه من اتساع النزاع ليصل إلى إيران. كذلك، زاد الحوثيون فى اليمن من هجماتهم على الملاحة فى البحر الأحمر، وهو ما يؤثر بصورة كبيرة على حركة التجارة العالمية المارة بقناة السويس.

يحدث كل هذا فى خلفية سعى واشنطن الحثيث للتوصل لصفقة تطبيع بين السعودية وإسرائيل يغلفها شراكة أمنية أمريكية مع السعودية.

من ناحية أخرى، شغل العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة واستمراره لأكثر من ثمانية أشهر حتى الآن، إدارة بايدن عن التركيز على المنافسة الإستراتيجية مع الصين، والعدوان الروسى على أوكرانيا.

***

ينتمى بايدن للمدرسة الأمريكية التى ترى ضرورة العمل والضغط على إسرائيل فى الغرف المغلقة، وعدم الضغط الجاد لإحداث تغيير حقيقى فى المواقف الإسرائيلية. وهو يعكس نهج بايدن كسياسى عجوز يتباهى فى كل مناسبة ممكنة أنه قابل رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير عام 1972 بما أثر فيه أيديولوجيا ليصبح باعترافه صهيونى الهوى

لم توافق الحكومة الإسرائيلية رسميا على خطة بايدن (الإسرائيلية)، والتى تراها واشنطن خطوة لوقف القتال وإطلاق سراح الرهائن، كما ستنتقل بعد ذلك إلى وقف دائم لإطلاق النار وإعادة إعمار غزة. كذلك، لم توافق حماس على هذه التصورات قبل ضمان تنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة. وصرح نتنياهو برفضه للمقترح الأمريكى، وبدأ يشكك – تحديداــ فى الجزء من الصفقة الذى من شأنه أن يؤدى إلى وقف دائم لإطلاق النار، والذى كان مطلب حماس الرئيسى منذ البداية. وخرج أعضاء اليمين المتطرف فى ائتلافه بعد فترة وجيزة جدا من قولهم، بشكل لا لبس فيه، لا وقف دائم لإطلاق النار هنا – نحن نعارض ذلك. وقال أعضاء حزب الليكود الذى يتزعمه نتنياهو الشىء نفسه. ومع ذلك، تواصل إدارة بايدن القول إن حماس وحدها هى التى تقف فى طريق التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. هذا غير صحيح بشكل واضح.

ولا أعرف إذا ما كان بايدن يعتقد أن لعبة الادعاء بموافقة إسرائيل على الصفقة ستدفع نتنياهو إلى الموافقة عليها بالفعل.

***

ينتمى بايدن للمدرسة الأمريكية التى ترى ضرورة العمل والضغط على إسرائيل فى الغرف المغلقة، وعدم الضغط الجاد لإحداث تغيير حقيقى فى المواقف الإسرائيلية. وهو يعكس نهج بايدن كسياسى عجوز يتباهى فى كل مناسبة ممكنة أنه قابل رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير عام 1972 بما أثر فيه أيديولوجيا ليصبح باعترافه صهيونى الهوى.

فى الوقت ذاته، لا يتوقف بايدن وكبار مساعديه عن الادعاء بهدف واشنطن فى الانتهاء إلى حل الدولتين بما يضمن وجود دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. وأتصور أن واشنطن عمليا ترفض دولة فلسطينية فى المستقبل، وإلا لكانت عملت فى هذا الاتجاه واعترفت بها فى مناسبات كثيرة مرت دون حسم أمريكى.

سياسات واشنطن العملية لا تسير فى اتجاه حل الدولتين كما تدعى إدارة بايدن. لا تضغط واشنطن بأى صورة جادة على إسرائيل لتغيير أى من مواقفها المعرقلة لوقف العدوان على قطاع غزة، ناهيك عن وجود أو خلق دولة فلسطينية.

قبل أكثر من عشرين عاما، وضعت السعودية من خلال آليات جامعة الدول العربية، خطة سلام وتطبيع شاملة عام 2002، للسلام الكامل مع إسرائيل إذا اتبعت إسرائيل قرارات مجلس الأمن الدولى، وانسحبت من الأراضى المحتلة، ووافقت على إقامة دولة فلسطينية.

***

أتصور أن بايدن وكبار مساعديه، تخيلوا فى أكتوبر/تشرين الأول الماضى أن عدوان إسرائيل على قطاع غزة سينتهى خلال أسابيع قليلة، وسينتهى قبل حلول عام 2024 وبدء موسم الانتخابات الرئاسية. وفاجأ بايدن رد فعل الناخبين الشباب الأمريكيين ذوى الأصول العربية والمسلمين من رفضهم لموقف إدارته، وتعهدهم بعدم التصويت له فى انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبلة، وهو ما قد يتسبب فى خسارته البيت الأبيض.

إقرأ على موقع 180  أية تداعيات إستراتيجية ستترتب على الرد الإيراني.. الحتمي؟

ومع استمرار العدوان فى شهره التاسع، دون بوادر أمل فى وقفه قريبا، وبدون خروج بايدن من عباءته الصهيونية، ليقول بوضوح لإسرائيل «لن نستمر فى تزويدكم بالأسلحة. لن نستمر فى حمايتكم فى مجلس الأمن. لن نستمر فى دعمكم أمام المحكمة الجنائية الدولية». لن يتغير الواقع على الأرض خاصة مع وجود حركة مقاومة مسلحة ملهمة، شعارها الفعلى يتلخص فى كلمتين «النصر أو الاستشهاد».

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
محمد المنشاوي

كاتب متخصص في الشؤون الأميركية، مقيم في واشنطن

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  من "سارس" إلى "كورونا"... هل اختلفت المقاربة الصينية؟