حرب إسرائيلية مالية على حماس.. مصادرة وسرقة أموال واغتيالات!

بموازاة الحروب المتتالية التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة المحاصر فعلياً منذ تحريره في العام 2005، ثمة حرب مالية تستهدف محلّات الصيرفة وأصحابها وكل المتبرعين وسلاسل توريد المال إلى غزة وحتى إلى الضفة الغربية، فضلاً عن السرقات الموصوفة التي نفّذها الجيش الإسرائيلي في وضح النهار منذ بدء حربه على غزة قبل عشرة أشهر!

إلى الآن نفّذت القوات الإسرائيلية أكثر من 15 عملية اغتيال لصرّافين غزاويين كانوا يتولّون منذ سنوات طويلة إدارة التحويلات المالية بين غزة والخارج، وأبرز تلك العمليات هي التي طالت صبحي فراونة، صاحب شركة “همسات” للصيرفة، في مدينة رفح، وذلك بتوجيه استخباراتي من هيئة الاستخبارات وجهاز “الشاباك” حسبما ذكر بيان للجيش الإسرائيلي جاء فيه أن فراونة “متهم بتمويل الأعمال القتالية للجناح العسكري لحركة حماس”.

ولم يقتصر استهداف وتعقّب العدو للصرافين على من هم في غزة بل تعدّاها إلى الضفة الغربية والأردن ومصر ولبنان وصولاً إلى أوروبا، وكانت آخر فصول تلك الاغتيالات في لبنان، حيث جرت تصفية الصرّاف اللبناني محمد سرور في التاسع من نيسان/أبريل الماضي، وأفضت تحقيقات الشرطة اللبنانية إلى أن جهاز “الموساد” كان وراء هذه العملية، ذلك أنه يعتبر سرور المسؤول الأول عن التحويلات المالية بين الحرس الثوري في إيران وحركات المقاومة في فلسطين”، مع العلم أن سرور كانت وزارة الخزانة الأميركية وضعته في السنوات الأخيرة على لائحة العقوبات (الأوفاك) بتهمة تحويل أموال إلى غزة.

هذه المكافحة المستمرة للعدو لكل من له صلة بإيصال المال إلى غزة، قبل عملية “طوفان الأقصى” وبعدها، أفقد سكان قطاع غزة السيولة المالية، وباتوا مجبرين في نفس الوقت على دفع عمولات مالية للصرافين والتجار مقابل أي سحب للأموال من أرصدتهم، مع شح عمل البنوك العاملة في قطاع غزة وفي غياب تدخل محلي أو دولي ينقذ المواطنين من هذا الاستغلال المتصاعد كلما زادت أيام الحرب.

وبالتالي، لا يجد الموظفون في القطاعين الحكومي والخاص وغيرهم، أي سيولة نقدية يستطيعون من خلالها تدبر أمور حياتهم اليومية. ويضطر الكثير من المواطنين لدفع عمولات مالية كانت في بدايات الحرب تصل إلى 2%، ثم أصبحت 5% حتى وصلت من 15% إلى 20% قبل الانفراجة الجزئية التي فرضتها الولايات المتحدة بُعيد استهداف العدو للعاملين في المطبخ المركزي العالمي ولو أنها تبدّدت سريعاً.

وما يزيد الطين بلّة، هو تقاعس الحكومات الفلسطينية السابقة التي لم تعمل اللازم لإنهاء هذه الأزمة وتركت المواطنين يواجهون جشع التجار وأصحاب المال، حتى أن الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة الدكتور محمد مصطفى، لم تتحرك حتى الآن كما يجب. وثمة من يسأل عن دور سلطة النقد الفلسطينية بفرض سيطرتها كجهة منظمة لعمل البنوك ودفعها لإعادة فتح أبوابها لإنقاذ الناس من تجار المال والعمولات التي ترتفع يوماً بعد يوم.

هذا عدا عن تقارير أمنية تفيد بأن أموالاً طائلة يُنفقها الغزاويون الراغبون بمغادرة القطاع لشركات سفر مصرية، لا سيما شركة “هلا” التي “تتقاضى نحو 5 آلاف دولار عن كل فرد على الأقل يخرج من غزة إلى مصر عن طريق معبر رفح”، على حد تعبير أحد المواقع المصرية.

يذكر أنه طوال الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ العام 2007، كانت حركة حماس تطلب من متبرعين ومانحين الدفع لها على عناوين محافظها الإلكترونية المشفرة، فيما تُجري تل أبيب بحثاً استخباراتياً عميقاً لإفشال ذلك، وتعمل على مصادرة أي أموال وحوالات تضبطها.

وقبل عملية “طوفان الأقصى” بسنوات، أوقفت حركة حماس التعامل بالعملات الرقمية المشفرة بعد أن تأكدت أن إسرائيل باتت تصل إلى هويات المانحين أو إلى محافظهم المالية، ويبدو أن الحركة تفضل العودة إلى الأساليب التقليدية القديمة أو وجدت أساليب أكثر تطوراً.

وقد بذلت إسرائيل جهوداً مضنية في مكافحة إيصال المال إلى حماس، ووصل بها الأمر إلى ملاحقة أموال الحركة في الخارج. وفي 22 حزيران/يونيو الماضي، أوقف محققون في هولندا رجلاً وابنته بتهمة إرسال 5 ملايين يورو (5.4 مليون دولار) إلى حماس في خرق لعقوبات الاتحاد الأوروبي، وفق ما أعلنت النيابة العامة الهولندية.

وسبق أن وقّع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت في 27 شباط/فبراير 2020 على أمر بمصادرة أربعة ملايين دولار حوّلت من إيران إالى حركة حماس في قطاع غزة. وذكر البيان الصادر عن وزارة الأمن حينذاك، أن هذا المبلغ تم تحويله إلى شركة صرافة “المتحدون” في قطاع غزة والتي يملكها رجل الاعمال زهير شملخ وعائلته. وقال البيان إن هذه الأموال كانت تهدف الى تطوير البنية التحتية لحركة حماس في غزة، وإنتاج أسلحة ووسائل قتالية ودفع معاشات لنشطاء المنظمة قامت بإرسالها إيران إلى حماس. وعليه وُضِعَ شملخ وعائلته تحت الملاحقة في مختلف أنحاء العالم عن طريق تقييد تحركاتهم في بعض البلدان إلى جانب تقييد الأنشطة المالية للشركة من قبل هيئات مالية دولية.

وعدا عن كل ما ذكر، وما جرى من تضييق مالي على حماس، لم يتورع جنود العدو عن سرقة الأموال والمصاغ وغيرها من المقتنيات، أثناء مداهماتهم لمنازل الفلسطينيين في غزة، وتوثيق تلك السرقات في سلسلة فيديوهات تمّ نشرها على مواقع التواصل، لكن سرعان ما حظر الجيش الإسرائيلي على جنوده مشاركة مثل هذه الفيديوهات التي أظهرت عمليات نهب وسرقة ممنهجة خلال مداهمة المنازل والمؤسسات في غزة.

إقرأ على موقع 180  "بروجيكت سانديكيت": الذكاء الإصطناعي وسيلة للنمو الإقتصادي!

أتى ذلك في وقت أقرّ فيه الجيش الإسرائيلي أنه منذ بدء الاجتياح البري للقطاع يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وحتى شباط/فبراير الماضي، صادر أكثر من 220 مليون شيكل (60 مليون دولار) من غزة، وذلك بذريعة “محاربة الإرهاب”، إضافة إلى الاستيلاء على 200 مليون شيكل (54.3 مليون دولار) من بنك فلسطين. وربما هذه الأرقام قد تضاعفت عدة مرّات مع استمرار الحرب على غزة للشهر العاشر على التوالي.

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  كيف تطوّرت الحركة الصهيونية بعد الحرب العالمية الأولى؟