لا هي ضربة استباقية ولا هو الرد

التطورات التي شهدناها فجر اليوم (الأحد) على طول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، ليست ضربة استباقية إسرائيلية بقدر ما هي عملية استعراضية، وليس ما تزامن معها أو سبقها هو رد المقاومة المنتظر منذ آخر الشهر الفائت على إغتيال القائد العسكري الكبير في حزب الله فؤاد شكر، بل هو أمر بين أمرين: 

– الأمر الأول على الضفة الاسرائيلية يفيد أن تسمية “الضربة الاستباقية” هي تسمية مطبوخة سلفاً قبل غارات اليوم وجرى التسويق لها منذ استهداف الضاحية الجنوبية في الثلاثين من تموز/يوليو الماضي، أراد العدو منها تحقيق أهداف وهمية نفسية في مرمى المقاومة وبيئتها لتسجيل نقاط عليها، منها الإيحاء بأن تنفيذ هذه الغارات بالجملة والتي قال إنها تجاوزت في موجتها الأولى 40 غارة، ونفذتها 100 طائرة هي ضربة استباقية بمثابة “ضربة معلم” أمنية وعسكرية تظهر له انجازاً في الشمال وصورة نصر في الكيان كله، للقول “الأمرُ لي” في الميدان، وهو ما أجهضه بيان المقاومة بعد دقائق وأسقطته الوقائع والتناقضات الاسرائيلية نفسها وفي إحداها أن هدف الغارات “إزالة اي تهديد من حزب الله”، كما قال الناطق الاسرائيلي، وفي الوقت نفسه، يدعو المستوطنين للبقاء في الملاجئ ويُوسّع “نطاق التحذيرات لتشمل تل أبيب الكبرى والمناطق الممتدة شمالها”، أي نصف الكيان بسكانه بما فيه الحيز الجغرافي المسمى “غوش دان” الذي يقطنه خمسة ملايين مستوطن إضافة الى إغلاق مطار بن غوريون وإخلاء شواطئ حيفا إلى قرار بلدية تل أبيب فتح جميع الملاجئ وإعلان الإستنفار ونشر الطواقم في أرجاء الكيان وصولاً إلى آخر إجراءات الجبهة الداخلية، فأين تُمسي هنا “إزالة التهديدات”؟

تحاول السردية الاسرائيلية الهروب في محاولة رفع المعنويات من خلال مقولة أن الجيش علمَ مُسبقاً بأن “حزب الله كان يعدّ لهجوم يتضمن إطلاق الف صاروخ دفعة واحدة على منشآت استراتيجية تم وقفه”، وهو ما لا ينسجم وواقع الحال لتبرير الغارات والقول إنها جاءت قبل الرد الأولي، فلا المقاومة وصواريخها مخترقة ليعرف العدو مثل هذا السر في حال كونه صحيحاً وإلا لكان قضى عليها، ولا الغارات تضعها في موضع العاجزة عن تنفيذ اطلاق ألف صاروخ وأكثر في حال وقوع هذه الغارات بدليل شمول الموجة الأولى فقط أكثر من 320 صاروخاً فكيف إذا كان العدو نفسه قد قال قبل أيام إن المقاومة قادرة على إطلاق 4000 إلى 6000 صاروخ في اليوم؟

 – الأمر الثاني على ضفة المقاومة التي وضعت عملياتها هذه لتبلغ عمقاً يزيد على 100 كيلومتر للمرة الأولى “في إطار الرد الأولي على العدوان الغاشم على الضاحية الجنوبية”، وهو ما أكد أن هذا بداية الرد على اغتيالٍ واحد، وأنه عملية مركبة تولى شرح بعض أبعادها البيان الثاني الذي عدّد “11 ثكنة وموقعاً إسرائيلياً تم استهدافها تسهيلاً لعبور المسيرات باتجاه هدفها في العمق وقد عبرت المسيرات كما هو مقرر”، وهذا يقود إلى حقيقة كون المقاومة هي التي بادرت وليس هناك “ضربة استباقية” وأنها في موقع المُمسِك بزمام المبادرة وليس العدو كما حاول أن يُوحي، وأنها لم تُفاجأ بالغارات باعتبارها في حال استنفار دائم منذ اللحظة الأولى لـ”طوفان الأقصى” فكيف بها في حال التربص والرصد للرد الموعود؟

الجواب يقول إن الرد الأولي للمقاومة الذي شمل إطلاق أكثر من 320 صاروخاً إشغالياً وليس 150 صاروخاً، كما قال العدو للتقليل من شأنها، لم يكن حتى رداً أولياً، فالرد الأولي كان عبور موجات المسيرات إلى الهدف أو الأهداف المتوخاة في “العمق”، وهو دفعة على حساب معادلة “من كريات إلى إيلات” التي رسمتها وحدّدتها المقاومة ولهذا حاول العدو الانتقال منها إلى قواعد اشتباك جديدة لكن المقاومة هي التي فرضت قواعدها الاشتباكية التي أبقت باب الرد موارباً، فلا العدو فهمَ أن الرد حصل لينزل عن الشجرة التي أصعد نفسه إلى أعلاها مع ضربة الضاحية الجنوبية ومن ثم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب طهران في اليوم التالي، ولا المقاومة وضعت ما فعلته في سياق تحقق الرد الكامل، بل أبقته مفتوحاً على احتمالات شتى وهذا ما يُبقي الاحتلال واقفاً على قدم واحدة منتظراً المرحلة الثانية من الرد وما بعدها، “فعملية اليوم تمت وأُنجزت” كما أوضحت المقاومة.. والبقية تأتي من خلال المعادلات التي يُحيكها خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، مساء اليوم.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  الحريري بين إغتيالين أو.. أكثر!
غالب سرحان

كاتب لبناني

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  إصبع والدة الأسير أحمد مناصرة.. أكثر من "طوفان"!