سوريا.. حيث يلتقي نتنياهو وأردوغان 

مع تسارع الأحداث، في أعقاب "طوفان الأقصى"، راحت النوايا الإسرائيلية التوسعية تتحول إلى خطوات عملية، فأبدت حكومة بنيامين نتنياهو إصراراً على إحتلال قطاع غزة، وتمددت في الجنوب اللبناني، كما سيطرت على مناطق واسعة في جبل الشيخ والقنيطرة السوريتين، ولطالما خرج السياسيون في إسرائيل من وزراء وكتّاب للتعبير عن رغبتهم بتوسيع الاستيطان في هذه المناطق، برغم وقف النار في غزة وقبله في لبنان.

تأتي الخطوات الإسرائيلية لتعارض جميع التصريحات الرسمية، العربية والإسلامية، التي كانت تصرّ على ضرورة تطبيق ما يعرف بـ”حل الدولتين” أي إنسحاب القوات الإسرائيلية حتى حدود العام 1967، بينما يؤكد المسؤولون الإسرائيليون نيتهم السيطرة على الضفة الغربية الفلسطينية، وتأبيد قرار تهويد الجولان السوري المحتل.

وأظهرت التطورات السورية الأخيرة مدى الشهية الإسرائيلية للتدخل في الملف السوري عسكرياً وسياسياً منذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وقد شنّ الجيش الإسرائيلي أوسع حملة جوية وبرية على سوريا منذ العام 1974، كما تناولت التصريحات الرسمية الإسرائيلية الملف السوري الداخلي أكثر من مرة، وكان أبرزها تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس الشهر الماضي حول ضرورة التدخل لـ”حماية الأقليات السورية” من أكراد ودروز وغيرهم.

من جانبه، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن عدم إيقاف إسرائيل في غزة قد يؤدي إلى تمددها “حتى الأناضول” حسب تعبيره، واضعاً الجغرافيا السورية في قلب التنازع على النفوذ بينه وبين إسرائيل في ظل ضعف الدولة الوطنية السورية ووقوعها بين فكي أنقرة وتل أبيب.

ولم يتردد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في التعبير عن رغبة تركيا بالسيطرة على سوريا منذ 2000 عام، بحسب قوله، كما سمّى مسلحي “جبهة النصرة” الذين دخلوا العاصمة دمشق بأنهم “أتباع تركيا”، مُعبّراً بذلك – وهو حليف إسرائيل – عن طريقة نظر واشنطن لما يحدث في سوريا على أنه وضع البلاد تحت النفوذ التركي المباشر.

عملياً، تتجه الأحداث في سوريا إلى ما يشبه تنازع تركة الدولة السورية بين تركيا وإسرائيل، وليس بالضرورة نحو صراع يؤدي إلى صدام بين الطرفين، خصوصاً أن رجل تركيا الأول أحمد الشرع الحاكم في سوريا، اليوم، سارع إلى إرسال تطمينات منذ اليوم الأول بأن لا نية لديه لفتح صراع مع إسرائيل.

وأظهر الصراع على سوريا الممتد حتى الآن لسنوات، مدى رغبة العديد من الدول بوجود نفوذ سياسي وأمني لها في هذه البقعة التي تُشكّل عقدة وصل جغرافية بين الخليج العربي وتركيا، وبين أسيا وأوروبا، لذلك تدخلت الدول العربية وإيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، كل من أجل قضم قطعة من كعكة الجغرافيا السورية.

بحسب صحيفة “يسرائيل هيوم” فإن مسؤولين إسرائيلين يدرسون عقد مؤتمر لتقسيم سوريا إلى كانتونات. وتتكثف المناقشات داخل إسرائيل بشأن التطورات على الجبهة الشمالية. مؤخراً، ترأس وزير الدفاع يسرائيل كاتس اجتماعًا وزاريًا صغيرًا سبق مناقشة مقبلة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي ركزت على التدخل التركي في سوريا

الصراع على تركة الدولة السورية، بعد تفكك الجيش السوري، يحتاج إلى أدوات ميدانية لبسط النفوذ، فكما اعتمدت تركيا على ذراعها المباشرة المسماة “جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام لاحقاً) وكلّلت طموحاتها بالوصول إلى دمشق، بجلوس وزير الخارجية التركية هاكان فيدان ليحتسي الشاي إلى جانب الشرع على قمة جبل قاسيون الدمشقي، تبحث إسرائيل وغيرها عن أدوات تنفيذية للتدخل في الشأن السوري، وقد تكون الممارسات المتواصلة من قبل مسلحي “النصرة” بحق “الأقليات السورية” هي المدخل الفعلي لتل أبيب وغيرها لوضع يدها مباشرة في قلب سوريا.

وبالعودة إلى نتنياهو الذي التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة نيويورك قبيل السابع من تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، فقد أعرب الرجلان في بيان مشترك عقب اللقاء عن رغبتهما بالعودة إلى العمل على مشروع “خط حيفا – جيهان” لتصدير الغاز، والإشارة هنا إلى المشروع هي فقط من قبيل التنويه برغبة الطرفين بـ”الاستفادة” من الجغرافيا السورية، بغض النظر عن إمكانية نجاحه.

كذلك، عبّر نتنياهو في أكثر من مناسبة عن ضرورة السيطرة على الضفة الغربية كجزء لا يتجزأ من خطة إعلان “الدولة اليهودية”، ومؤخراً خرجت أصوات في إسرائيل تطالب بالسيطرة على سيناء مجدداً بالإضافة إلى الرغبة المعلنة بالبقاء في نقاط حاكمة للجليل في الجنوب اللبناني. عملياً يطمح نتنياهو لتوسيع نفوذ الدولة اليهودية المزمعة من خلال “حلف أقليات” وهو مشروع قديم يتجدد عند كل محطة سياسية في المنطقة.

ويتذرع نتنياهو ضمناً، اليوم، بمنطق ترامب نفسه الذي يتحدث عن سيطرة تركيا على سوريا ليمد يده لما يسميها “الأقليات السورية”، فأنقرة اعتمدت على تيار ديني إسلامي ذي لون مذهبي من أجل مد نفوذها داخل الأراضي السورية، وهي تعتبر ضمناً أن هذا التيار بحكم “أكثريته” سيكون له القدرة على التمدد والاحتفاظ بمناطق نفوذ أوسع، فترى الأعلام التركية مرفوعة مثلاً في الشمال اللبناني، في اليوم نفسه الذي ينتشر فيه مقاتلو “النصرة” في شوارع مدينة دير الزور في استعراض للقوة.

وفي مقارنة بسيطة، يلتحق الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط بالنفوذ التركي ويزور أحمد الشرع سريعاً، بينما يُعبّر الشيخ الدرزي موفق طريف في مواقف متكررة عن “الحكمة” في محالفة إسرائيل من قبل من يُمثّلهم، كذلك يُطلق المسؤولون الإسرائيليون مواقف متكررة عن ضرورة تحالفهم مع أكراد سوريا، في وقت يبحث الفرنسيون والألمان عن قنوات تواصل مع مسيحيي سوريا وأكرادها وعلوييها مما يضطر وزير الخارجية التركي فيدان إلى انتقاد دور فرنسا في سوريا بشكل مباشر مؤخراً.

إقرأ على موقع 180  الشمال السوري... حرب المشاريع وتحولاتها

وينتشر في الشارع السوري مؤخراً نقاشٌ يوميٌ يظهر الكثير منه في وسائل التواصل الاجتماعي، حول شكل الدولة من دون البحث الجدي في المصطلحات المذكورة، فتجد هجوماً منظماً على الدولة المدنية العلمانية هنا، ودفاعاً عشوائياً عنها هناك، بينما تنتشر الصفحات التي تتحدث باسم الأقليات وبيانات مشايخ الأديان وكرادلتها، وبعضهم يطالب بالتقسيم وآخر يهاجمه لإغلاق الباب أمام الأكراد.

وبحسب صحيفة “يسرائيل هيوم” فإن مسؤولين إسرائيلين يدرسون عقد مؤتمر لتقسيم سوريا إلى كانتونات. وتتكثف المناقشات داخل إسرائيل بشأن التطورات على الجبهة الشمالية. مؤخراً، ترأس وزير الدفاع يسرائيل كاتس اجتماعًا وزاريًا صغيرًا سبق مناقشة مقبلة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي ركزت على التدخل التركي في سوريا، وفقًا للمعلومات التي حصلت عليها الصحيفة المذكورة.

وغطت المداولات في مجلس الوزراء الأوضاع المتطورة في سوريا، وبخاصة معالجة المخاوف بشأن الزعيم الفعلي، المرتبط بالجهاديين أبو محمد الجولاني، وسلامة الأقليات الدرزية والكردية في المنطقة. وفي محاولة لتعزيز الاستقرار الإقليمي، اقترح وزير الطاقة والبنية التحتية إيلي كوهين عقد مؤتمر دولي يركز على سوريا.

 ويؤكد مسؤولون أمنيون أنه في حين لا تُخطّط إسرائيل لوجود دائم في سوريا، فإنها ستحتفظ بمواقعها في المناطق التي احتلتها حتى يتحقق الاستقرار ــ ربما من خلال مثل هذا المؤتمر الذي من شأنه أن يسهل إعادة تعريف حدود سوريا وبنيتها، وتمكين القوات الإسرائيلية من الانسحاب دون المساس بمصالحها الأمنية.

وتتجه طموحات نتنياهو إلى توسيع كتلة السيطرة الإسرائيلية في المنطقة بدءاً من الضفة الغربية وصولاً إلى الداخل السوري ضمن منطق “حماية الأقليات”، توازياً مع طموحات أردوغان لمد نفوذه عبر الكتلة الإسلامية في المنطقة.

والملاحظ أن تمدد تركيا في سوريا دفع السعودية إلى العودة بثقلها على الساحة اللبنانية، وهو ما أنتج رئاستي الجمهورية والحكومة لأن ملف الصراع على حوض المتوسط سيكون محور استراتيجية السعودية وحلفاءها الأوروبيين المتوسطيين ولبنان سيكون ركنا أساسيا في هذا الأمر.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

صحافي وكاتب لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  في "الإمتحان".. تُهزم الصين أم تايوان؟