إذا تصرف نتنياهو تجاه لبنان بنفس الطريقة التى تصرف بها مع قطاع غزة طوال عام كامل، وما لم تحدث معجزة فإنه يصعب تماما تصور وقف إطلاق النار هناك، ما لم يحقق نتنياهو أهدافه، أو تكون لدى حزب الله مفاجآت عسكرية تقلب المعادلة الحالية، أو تلقى إيران بكل ثقلها خلف الحزب الذى يعتبر أحد أرصدتها الاستراتيجية.
السؤال المنطقى وبعيداً عن العواطف هو: لماذا لا يُمكن تصور أن يقوم نتنياهو وجيشه بوقف القتال الآن؟
مبدئيا فإن قرار الجيش الإسرائيلى ببدء العدوان الشامل على لبنان، كان أمرًا متوقعًا بنسبة ٩٩٪ بل هو أقرب إلى أن يكون حتميًّا.
ولو توقف القتال الآن فهو يعنى نصرًا استراتيجيًّا كبيرًا لحزب الله.
نعلم أن إسرائيل، استنفذت تقريبًا كل عملياتها القتالية فى قطاع غزة بعد أن دمّرته وأكملت احتلاله بالكامل، ولم يعد لديها بنك أهداف هناك باستثناء عدم تمكنها من تحرير أسراها.
ونعلم أن بعض الطبقة السياسية الإسرائيلية تلح على نتنياهو فى الوصول إلى صفقة تعيد الأسرى وتوقف القتال.
وبالتالى فإن أى توقف رسمى أو فعلى للقتال فى غزة، من دون الصدام مع حزب الله، فإن ذلك كان سيسمح للحزب القول بأن دخوله الحرب ضد إسرائيل فى ٨ أكتوبر/تشرين الأول الماضى وإسناده للمقاومة الفلسطينية هو الذى جعلها تصمد كل هذا الوقت طوال عام كامل.
وبالتالى فإن عدم شن هذا العدوان كان يعنى هزيمة استراتيجية محققة لإسرائيل ونهاية مؤكدة لبنامين نتنياهو وائتلافه المتطرف، وإذا حدث ذلك، فقد كان يحق لحزب الله أن يخرج ويقول إننا حققنا نصرا استراتيجيا وبفضلنا صمدت المقاومة.
من أجل كل ما سبق لم يكن ممكنا إلا أن تذهب إسرائيل إلى شن هذا العدوان من أجل ترميم ردعها الذى تعرض لتشويه وتدمير شبه كامل صبيحة ٧ أكتوبر/تشرين الأول بعملية طوفان الأقصى.
وربما أن أحد أسباب هذا العدوان الوحشى على غزة وتهديد الضفة هو محاولة استعادة صورة هذا الردع المفقود، وبالتالى فهذا العامل يمكن به تفسير الوحشية التى ميزت الأسبوع الماضى من العدوان على إسرائيل من أول عمليتي «البيجر” و”التوكى دوكى» مرورا باغتيال إبراهيم عقيل وعدد من قادة هيئة عمليات الحزب نهاية بالقصف واسع النطاق للبنية العسكرية للحزب طوال الأيام الماضية (وللضاحية الجنوبية ليل أمس الجمعة).
ثم أن هناك ما يشبه الإجماع الوطنى الإسرائيلى على توجيه ضربة مؤلمة للبنان، خلافا لما هو موجود فى غزة.
بل إن التعاطف الدولى واسع النطاق مع الشعب الفلسطينى طوال أيام العدوان على غزة، غير موجودة بنفس القدر مع حالة حزب الله الذى يطرح نفسه ندًا لإسرائيل وقوة عسكرية تقول إنها تملك ١٥٠ ألف صاروخ قادرة على الوصول لمعظم المدن الإسرائيلية، ويمكن فهم هذه الحالة أن «قوة الضعف» فى حالة الفلسطينيين تضيف تعاطفًا معهم خلافًا لحالة حزب الله.
من أجل كل ما سبق فإن الجيش الإسرائيلى أغلب الظن سوف يستمر فى عدوانه الوحشى حتى يخلق وقائع على الأرض تحسن من وضعه التفاوضى وتجبر حزب الله إما على وقف النار أو عدم الربط القتال بالوضع فى غزة.
لكن كل ما سبق متوقف على النتائج الميدانية على الأرض وخصوصا أن هناك قاعدة فى صراع بين الجانبين تقول إن عدم انتصار إسرائيل على الحزب هو هزيمة مؤكدة لها، فى حين أن عدم خسارة حزب الله هو انتصار كبير له، وهو ما حدث فى مواجهة يوليو/تموز الشهيرة عام ٢٠٠٦.
(*) بالتزامن مع “الشروق“