يقول المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عاموس هرئيل: “جاءت نهاية السنّوار بالصدفة. الشخص الذي كان مسؤولاً، أكثر من أيّ شخص آخر، عن أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر والحرب الإقليمية التي نشبت بعدها؛ لم يُقتل في عملية اغتيال نفذها الشاباك والموساد.. لم يُقتل في معركة مع سييرت ميتكال (وحدة عسكرية مُنتخبة في الجيش الاسرائيلي، تخضع مباشرة لهيئة الأركان العامة وتُصنف مع دائرة المخابرات. هدفها الأساسي والمركزي تجميع معلومات استخبارية من عمق مواقع البلاد العربية). السنّوار لم يُقتل في قصف دقيق من سلاح الجو. لقد قُتل في مواجهة عادية للغاية في رفح جرت مع قوة من سلاح المُشاة والمدرعات الإسرائيلي، التي لم يكن لدى أفرادها أيّ فكرة مسبقة عن وجود زعيم حماس- المطلوب رقم واحد في المنطقة”.
أبى السنّوار إلَّا أن يُقتل في ساحات الوغى متأبطاً بندقيته ومدججاً بالقنابل اليدوية، على طريقة من سبقوه من مناضلين كبار لا يموتون إلَّا واقفين، أمثال المناضل الأسطورة تشي غيفارا، برغم الفارق في الأسلحة والتكنولوجيا على مدى ستين عاماً.
وفور شيوع خبر استشهاد السنّوار، ضجّ الإعلام العبري بما ستؤول إليه الأمور، لكن الحذر رافق تحليلات كتبة الأعمدة في الصحف الإسرائيلية، كونهم خبروا رئيس حكومتهم، بنيامين نتنياهو، جيداً، والذي غالباً ما يفكر من خارج الصندوق.
تعقيباً على مقتل السنوار، نقلت صحيفة “يسرائيل هيوم” عن مسؤول إسرائيلي رفيع، رفض الكشف عن اسمه، قوله: “أهداف الحرب لم تتحقق بعد. حركة حماس ما تزال تتمتع بقوة عسكرية، ولديها سيطرة مدنية على القطاع، وتحجز 101 أسير”.
وأبدى المسؤول “تشاؤمه حيال فرص التوصل إلى صفقة تبادل في ظلّ التقديرات التي تشير إلى إمكانية تولي محمد السنوار، شقيق يحيى، مسؤولية ملف الأسرى الإسرائيليين”.
لا إنجاز عسكري يدوم بدون عملية سياسية
ويشارك الباحث ميخائيل ميلشتاين، المسؤول الرفيع تشاؤمه. إذ نشر مقالاً في صحيفة “يديعوت احرونوت” يقول فيه: “إن السيناريو الأقل احتمالاً للتحقق هو أن يؤدي اغتيال السنّوار إلى انهيار شامل لهيكل حماس، أو إلى هروب جماعي، أو استسلام واسع، وربما حتى انتفاضة شعبية ضد حماس. السيناريو الأكثر احتمالاً هو أن أعضاء الحركة سيظلون متشددين أيديولوجياً حتى بعد اغتيال قائدهم. وسيظلون مخلصين لفكرهم ‘المتطرف‘ وسيواصلون القتال، تماماً كما كانت عليه الحال بعد اغتيال القادة التاريخيين، مثل الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وأحمد الجعبري وغيرهم”.
بدوره، رأى تامير هايمن، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) سابقاً، والذي يشغل حالياً منصب مدير معهد الأمن القومي، أنه “على الرغم من اغتيال السنّوار والنجاحات الكبيرة في مواجهة حزب الله، يُمكن أن نكون على أعتاب كارثة في صورة حرب لا تنتهي من دون تفكير في كيف ستنتهي المعركة. صحيح أن حرباً كهذه يمكن أن نحقق فيها إنجازات تكتيكية مذهلة، لكن يمكنها أيضاً أن تقودنا إلى فشل استراتيجي كبير جداً، يمكن أن يهدم التفوق النسبي لدولة إسرائيل- بما معناه دولة ديموقراطية مزدهرة مع اقتصاد وتكنولوجيا عالية الدقة”.
وحذَّر هايمن من الانتظار، قائلاً: “الإنجاز العسكري يمكن أن يتبدد. ويمكن للعدو أن يتأقلم ويحقق نجاحات.. الإنجاز العسكري التكتيكي يتبدّد سريعاً. المطلوب إنجاز عسكري تكتيكي مدعّم بإنجاز دبلوماسي”.
ويوافقه عاموس هرئيل الرأي، إذ يعتبر أن لمقتل السنّوار “أهمية كبيرة في منطقة تُعطي قيمة لمظاهر القوة ورأت ضعف إسرائيل بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. لا نزال بحاجة إلى عملية سياسية من أجل ترجمة هذه الإنجازات العسكرية إلى واقع استراتيجي أفضل، حتى بعد تفكيك قدرات حماس العسكرية ومقتل أو تضرُّر أغلبية قيادتها”.
رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق: يُمكن أن نكون على أعتاب كارثة… قد نحقق إنجازات.. لكن أيضاً قد نرتكب فشلاً استراتيجياً كبيراً جداً يهدم إسرائيل كدولة ديموقراطية مزدهرة ومتفوقة اقتصادياً وتكنولوجياً
من جهته، يشير عاموس يادلين، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) بين عامي 2006 و2010، إلى أن العالم أصبح مكاناً أفضل، وآمناً أكثر من دون السنّوار. لكن سُرعان ما يستدرك يادلين بالقول إن “قتل السنّوار لن يُعيد قتلانا، ولا يشكل عزاءً لعائلات قتلى السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ولا لأهالي الجنود الذين سقطوا في ذلك اليوم وبعده. أيضاً موته لن يخفف عذاب عائلات المخطوفين، ولن يُشفي من الأضرار النفسية الكثيرة التي انتشرت في مجتمعنا”.
ويحذر يادلين من الشعور بالنشوة على غرار ما أصاب المجتمع الإسرائيلي بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصرالله، وذلك إنطلاقاً من قاعدة “كل زعيم ‘إرهابي‘ يوجد مَن يخلفه. ونحن ما زلنا في خضم أطول حرب عرفناها في تاريخ الدولة منذ قيامها”.
شبح رون أراد
ويشير المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، إلى أن اغتيال السنّوار ونصرالله، “يستحقان تسجيلهما على أنهما ذروة الحرب”. ويضيف: “الاستنتاج هو أن هذه هي النقطة الصحيحة لبدء عملية دبلوماسية. ولدى إسرائيل ما يمكن أن تُقدّمه: إنهاء الحرب في كلتا الجبهتين (غزة ولبنان). ولديها ما ستحصل عليه: إعادة أسراها، نزع سلاح غزة، إنهاء حماس كقوة عسكرية وسلطوية، نزع سلاح حزب الله، استئناف القرار 1701 واستبدال قوة اليونيفيل بقوى أقوى وحشد تأييد دولي لحق إسرائيل في توغل عسكري في غزة وجنوب لبنان إذا خُرقت الاتفاقيات”.
وحذّر محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، رونين بيرغمان، من أن “عدم التوقيع فوراً على اتفاق وعدم دخول جهة بمقدورها السيطرة بشكل كبير إلى غزة، حتى لو كان هذا الأمر بالاشتراك مع حماس، من شأنه أن يؤدي إلى وجود عشرات رون أراد (الجندي الذي كان مساعد طيار، اختفى في معارك لبنان، في منتصف ثمانينات القرن الماضي).
ونقل بيرغمان عن مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المستوى قوله: “هذه فرصة يحظر إهدارها بأي شكل. والبديل هو أننا سنفقد السيطرة على الوضع مقابل خلايا معدودة أو مقابل شخص متطرف يفرض سيطرته. ويتعين على جميع الأدمغة في إسرائيل أن تفكر كيف سيتم الآن إجراء اتصالات من أجل تحريك صفقة، وكي تتلقى حماس أيضاً اتصالاً من أجل التفاوض”.
ورأى المحلل العسكري في صحيفة “يسرائيل هيوم”، يوآف ليمور، أنه “بغياب السنّوار لا يوجد عنوان في غزة ولا في قطر. ويتعين على إسرائيل أن تبحث عن عنوان بديل في غزة أو قطر أو في أي مكان في العالم، وأن تكون أفكارها مبتكرة وسخية أيضاً بهدف التوصل إلى حل سريع للمشكلة الأكبر والأكثر إيلاماً”.
ويضيف “لا ينبغي أن تستجيب إسرائيل للجناح المتطرف في الحكومة، الذي يعتقد أنه بإمكان اليهود الاستيطان في غزة. وهذه وصفة لكارثة من كافة النواحي. وبدلاً من ذلك، على الحكومة أن تدفع بمبادرتها حلاً يقود إلى إعادة الأسرى، وإنهاء الحرب، وقيام حكم بديل في غزة، من خلال الحفاظ على حرية عمل أمني كامل بأيدي إسرائيل. ومن شأن ذلك أن ينهي الحرب في الشمال أيضاً”.
(المصادر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، موقع عرب 48، موقع صحيفة “الأيام” الفلسطينية).