قبل أسبوعين تقريباً من الانتخابات الرئاسية الأميركية، أجرى دونالد ترامب مقابلة مع قناة “العربية” (السعودية) أشاد فيها بولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ووصفه بأنه “صديق” و”صاحب رؤية”. بينما لم تمنح منافسته، كامالا هاريس، أي مقابلة لأي من وسائل الإعلام الناطقة بالعربية خلال حملتها الانتخابية المقتطعة.
هذه المفارقة لم تغب عن ذهن المراقبين في دول الخليج، حيث برز نوع من الارتياح لفكرة أن يتولى ترامب الرئاسة مرة أخرى. حتى أن وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أدلى بتصريح لشبكة CNN (الأسبوع الماضي)؛ على هامش أعمال منتدى الاستثمار السنوي للمملكة “دافوس في الصحراء“، قال فيه: “لقد عملنا مع الرئيس ترامب من قبل، لذلك نحن نعرفه جيداً، وبالتالي يمكننا إيجاد طريقة للعمل معه مجدداً”.
خلال فترة رئاسته الأولى، عزَّز ترامب علاقاته الشخصية مع زعماء الخليج، وعرض عليهم دعماً دفاعياً قوياً لبلدانهم، وتجنب توجيه أي انتقاد لسجلات حقوق الإنسان لديهم. وهذه المرة، تتطلع دول الخليج إلى إدارة ترامب الجديدة للحصول على المزيد، أهمها المساعدة في إنهاء الحرب المدمرة الدائرة في قطاع غزَّة ولبنان، وضمانات أمنية. بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات الأميركية، فدول الخليج تسعى إلى تنويع القاعدة الاقتصادية للمنطقة بعيداً عن الاعتماد شبه الكامل على النفط.
الخليجيون يفضلون الجمهوريين
في المقابلة التي أجرتها معه “العربية”، في 20 تشرين الأول/أكتوبر، أكد ترامب على العلاقات القوية التي أقامها مع زعماء الخليج على مرّ السنين. وشدَّد على القول: “أنا أحترم محمد (بن سلمان) كثيراً، فهو يُبلي بلاءً حسناً.. أعني أنه صاحب رؤية حقاً”.
وكان ولي العهد السعودي أحد أوائل الذين هنأوا ترامب بالفوز، وأخبره بأن مملكته تتطلع إلى “تعميق العلاقات التاريخية والاستراتيجية” مع الولايات المتحدة.
وحتى بعيداً عن العلاقة الأمنية الوثيقة والعلاقات التجارية بين ترامب ودول الخليج، فإن العديد من الناس العاديين في المنطقة، وبخاصة الشباب، يفضلون القيم الاجتماعية التي يتبناها الحزب الجمهوري.
من ناحية أخرى، كان للرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، الذي ترتبط به هاريس بشكل وثيق، تاريخاً من العلاقات المتوترة مع زعماء الخليج. فقد أثار غضب العديد من السعوديين خلال حملته الانتخابية، في عام 2019، عندما وصف المملكة السعودية بأنها “منبوذة” بسبب حادثة مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول، في عام 2018.
لكن بعد بضع سنوات، صافح بايدن محمد بن سلمان، خلال زيارة قام بها إلى الرياض بهدف تأمين اتفاق لضخ المزيد من النفط وتخفيف أسعار الغاز التي ارتفعت نتيجة الحرب الأوكرانية وتداعيت جائحة كورونا.
كما شعرت دول الخليج بالإحباط من الدعم العسكري والسياسي القوي الذي قدمته إدارة بايدن لإسرائيل في الحرب الدائرة منذ 13 شهراً في غزَّة ولبنان، وهو الشعور الذي غذَّى المخاوف في المنطقة بشأن رئاسة هاريس.
وكثيراً ما دعا زعماء الحزب الديموقراطي إلى اتباع نهج أكثر انتقاداً لمشاكل حقوق الإنسان في السعودية والإمارات (في دول المنطقة عموماً)، وهي الاستراتيجية التي ينظر إليها الكثيرون في الخليج على أنها متعالية ومزعزعة للاستقرار بالنسبة لأمنهم القومي لأنها قد تؤدي إلى إثارة المعارضة.
لذلك تجنب ترامب الانتقادات العلنية لحقوق الإنسان، خلال فترة رئاسته الأولى. وقد ساعد ذلك في تمهيد الطريق لتعزيز العلاقات السعودية-الأميركية، التي اتسمت بدعم دفاعي قوّي وموقف أميركي أكثر عدوانية ضد إيران.
كما طوَّر ترامب علاقة شخصية مع كل من رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وولي عهده، في حين كانت العلاقات الدبلوماسية بين دبي وبايدن ونائبته هاريس أكثر رسمية.
في مقابلة مع مجلة “بلومبرغ“، بدا ترامب واثقاً من أنه وجد صيغة مناسبة لعلاقة متناغمة مع السعودية عبر استخدام علاقاته الخاصة وتقديم ضمانات أمنية.. وقال عن ولي العهد السعودي: “إنه يحبني، وأنا أحبه. علاقتي به كانت دائماً رائعة. الخليجيون سيحتاجون دائماً إلى الحماية، وأنا سأحميهم دائماً”
في عام 2017، اختار ترامب الرياض لتكون مقراً لأولى رحلاته الخارجية كرئيس، وهو ما يشير إلى الأهمية التي يوليها للعلاقة بين البلدين. وفي السنوات التي تلت ذلك، وقف إلى جانب ولي العهد محمد بن سلمان عندما اتهمته وكالة المخابرات المركزية الأميركية بأنه هو من أمر بقتل خاشقجي.
قليل من الخلاف لا يفسد للود قضية
لكن الأمور لم تكن دائماً سلسة. فقد أبدى بعض المسؤولين الخليجيين أسفهم لأن ترامب لم يستجب بقوة أكبر للهجوم الذي دعمته إيران ضد حقول النفط السعودية، في خريف العام 2019، والذي أدَّى إلى توقف نصف إنتاج البلاد من النفط مؤقتاً.
مع اقتراب ولاية ترامب الأولى من نهايتها في عام 2020، توسطت إدارته فيما اعتبرته إنجازاً كبيراً في الشرق الأوسط، وهو “اتفاقات أبراهام” لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية، بينهم الإمارات والبحرين. لم تستخدم الدولتان العربيتان نفوذهما للإصرار على إنشاء دولة فلسطينية – كما طالبت دول الخليج منذ فترة طويلة.
ومع توجه ترامب إلى فترة ولايته الثانية، قد يكون الطريق أمام أجندته الأمنية والدبلوماسية في الشرق الأوسط أكثر تعقيداً.
وقد تحاول إدارة ترامب الجديدة إحياء خطة لإبرام اتفاق سلام سعودي- إسرائيلي في مقابل تعزيز اتفاقية الدفاع مع الولايات المتحدة والدعم الأميركي لبرنامج نووي سعودي مدني. ويبدو أن الدول الثلاث المعنية كانت تقترب من التوصل إلى اتفاق قبل اندلاع حرب بين إسرائيل وحركة “حماس” في قطاع غزَّة، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وقد أدَّت هذه الحرب، التي امتدت مؤخراً إلى لبنان، إلى توقف هذا الزخم. والآن يُصر السعوديون على إنشاء دولة فلسطينية أولاً، وهو ما يشكل تصلباً وتقدماً في موقفهم الذي كانوا يتبنونه قبل الحرب. فعندما كان ترامب في منصبه آخر مرة، أطلق خطة سلام مثيرة للجدل أُعتبرت منحازة بشدة لإسرائيل ولم تكن لتمنح الفلسطينيين دولة مستقلة قابلة للحياة.
الآن، تخشى دول الخليج أيضاً من أن يؤدي المزيد من التصعيد في الحرب الإقليمية إلى تقويض جهودها الرامية إلى تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد شبه الكامل على الطاقة، وتهديد خططها التنموية الطموحة.
“رئيس الصفقات”
وعلى هذا المنوال، تنظر دول الخليج منذ فترة طويلة إلى ترامب باعتباره شريكاً تجارياً، وهو الأمر الذي لم يتغير حتى بعد خسارته الانتخابات في عام 2020.
منذ تركه منصبه، شارك أفراد عائلته في صفقات مختلفة في مختلف أنحاء المنطقة، بما في ذلك مشاريع في دبي والسعودية. وحصل صهره جاريد كوشنر على استثمار بقيمة 2 مليار دولار من صندوق حكومي سعودي لشركته الاستثمارية الخاصة بعد ستة أشهر من مغادرة ترامب للبيت الأبيض.
في أيلول/سبتمبر الماضي، أعرب السيناتور رون وايدن، الديموقراطي من ولاية أوريغون ورئيس لجنة المالية في مجلس الشيوخ، عن مخاوفه من أن الاستثمارات السعودية في صندوق كوشنر تثير “صراعات واضحة على المصالح”، بخاصة مع ترشح والد زوجته لإعادة انتخابه.
بالنسبة لترامب، فإن الطريق إلى علاقات قوية مع الخليج هو أمر شخصي.
وفي مقابلة مع مجلة “بلومبرغ” الاقتصادية، نُشرت في عدد تموز/يوليو الماضي، بدا ترامب واثقاً من أنه وجد صيغة مناسبة لعلاقة متناغمة مع السعودية ــ استخدام علاقاته الخاصة بالإضافة إلى الضمانات الأمنية الأميركية. وقال عن ولي العهد السعودي: “إنه يحبني، وأنا أحبه. علاقتي به كانت دائماً رائعة. الخليجيون سيحتاجون دائماً إلى الحماية، وأنا سأحميهم دائماً”.
– ترجمة بتصرف عن “نيويورك تايمز“.
(*) إسماعيل نعَّار، مراسل “نيويورك تايمز” لشؤون دول الخليج. يقيم في دبي.