

الحكومة العتيدة المرتقبة برئاسة نوَّاف سلام تأخَّرت نسبيَّاً. الظروف الراهنة، مع قرب انتهاء هدنة الستين يوماً إثر العدوان الإسرائيلي على لبنان، لا تسمحُ بذلك. والحيثيات الإقليمية والدولية التي أتاحت انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة تضغط نحو هذا الاتجاه؛ فلماذا تأخَّر الرئيس المكلَّف نوَّاف سلام في تقديم” التوليفة” الحكومية؟
ما يرفع عنه اللوم هو التعقيدات اللبنانية الطائفية – المذهبية – الزعامويَّة، والمؤثرات الخارجيّة، ومنها المؤثرات العربية التي تنسِّق مع الولايات المتحدة. تتشابك كلُّها في وقت واحدٍ لإخراج حكومةٍ قادرةٍ على نسج بيانٍ وزاري جديد، تختلف نظريتُه في بعض النقاط عن بيانات الحكومات السابقة منذ ما بعد الطائف. ولا يخفى على المراقب ما يمكنُ تسميتُه بـِ”الصعوبةِ الإيجابيَّة”. وهي شخصيَّة الرئيس المكلَّف بذاتِها. نوَّاف سلام أكاديميٌ يكفي أن يكون وحدَهُ في الحكومة على سبيل الافتراض ليُقالَ إنَّ الحكومة مطعَّمة بالتكنوقراط. وهو دبلوماسيٌ وحقوقيٌ، لم يتخلَّ عن هذه السِماتِ بالرغم من انتمائه إلى أسرة سياسية تقليدية في بيروت ولبنان. لذلك قد تكون الصعوبة التي سمَّيْناها “إيجابية” هي في رغبته بالتوفيق بين تطلعاته الإصلاحية ومصالح أمراء الطوائف سياسياً ودينياً. وهي تطلّعاتٌ ومصالحُ متناقضةٌ إلى حدٍ كبيرٍ، تجعلُهُ أمام عقبةٍ كأداء إذا أراد اختيار وزراء يمكنُ أن يجمعوا بين الرؤية الإصلاحية والتمثيل المقبول طائفياً. تماماً كما واجه من قَبْلُ الراحل فؤاد شهاب من بين رؤساء الجمهورية، والراحلان الرئيسان أمين الحافظ وسليم الحص من بين رؤساء الحكومات. هل ينجح سلام الجديد في ذلك؟ الأمر صعب، فالنسبة المتوقعة لمثل هذا النوع من الوزراء قليلة أو متوسطة في أحسن تقدير. ولا سيّما أنَّ الحكومة المصغَّرة غير مطروحة، ولا حكومة الـ 18 ولم يبقَ على الأرجح إلَّا صيغة الـ24 وزيراً التي تحتمل كثيراً من التسويات والترتيبات.
البيان الوزاري الذي يجب ألَّا يستغرق إعداده كلَّ مهلة الثلاثين يوماً التي حدَّدها الدستور. أمَّا إذا حصل هذا الاستغراق فإنَّه قد يعكِسُ وجهاً عَبوساً قاسياً من وجوه التناقض بين مصاعب تمثيل الرؤى الإصلاحية والتمثيل الطائفي فيتعثَّر عمل الحكومة المنتظرة، وهذا ما لا تريدُه أكثريّة اللبنانيين
بإزاء هذا الواقع ينتظر اللبنانيون أن يُحاول نواف سلام تحقيق شيءٍ ما من الرؤى الإصلاحية، فيكون له شرف المحاولة على الأقل إن لم يكن قصب السبق ممكناً. أمَّا إعلان التوليفة [ولا نقول التشكيلة] فقد يتأخر قليلاً إلى الأسبوع المقبل، ريثما يهدأ زئبق التقاطعات المحلية والعربية والدولية كي تتمكَّن الحكومة من الخروج إلى النور[زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان حاسمة]. أمَّا الأهم فهو البيان الوزاري وبرنامج العمل، ذلك أنَّ البلد يهتزُّ فوق خطوط التوتر السياسي العالي، ويترنَّح على شفير الانفجار الاجتماعي، وحزب الفساد العابر للطوائف هو أكبر الأحزاب في لبنان.
لا يكفي أن تأتي الحكومة. المهم أن تمتلك الخطة. إرضاء الخارج للأسف حقيقة مؤلمة من حقائق السياسة اللبنانية، لا يستطيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أنْ يُغفلاها في الظروف الراهنة، لكن المعادلات الداخلية هي صِمامُ الأمان. سيظهر كل ذلك في البيان الوزاري الذي يجب ألَّا يستغرق إعداده كلَّ مهلة الثلاثين يوماً التي حدَّدها الدستور. أمَّا إذا حصل هذا الاستغراق فإنَّه قد يعكِسُ وجهاً عَبوساً قاسياً من وجوه التناقض بين مصاعب تمثيل الرؤى الإصلاحية والتمثيل الطائفي فيتعثَّر عمل الحكومة المنتظرة، وهذا ما لا تريدُه أكثريّة اللبنانيين.