هل نفّذ الإماراتيون عملا مسرحيا عندما قرروا الإنسحاب من اليمن بعنوان “إعادة إنتشار قواتهم”، في تموز/يوليو المنصرم، أم أنهم كانوا جديين وهل ثمة قطبة مخفية يصعب حصول جواب عليها؟
لو راجعنا الأحداث في الشهور الثلاثة الأخيرة، يمكن تلمس محاولة للإجابة على هذه الأسئلة.
بدأ التدحرج الميداني، على إيقاع المبادرة اليابانية والمفاوضات التي كان يقودها الفرنسيون بإسم الإتحاد الأوروبي مع طهران. تتعرض أربع ناقلات في أيار/مايو لتفجيرات بالقرب من ميناء الفجيرة الاماراتي. تفجير ناقلتي نفط في 13 حزيران/يونيو في خليج عمان، إسقاط طائرة تجسس أميركية من طراز غلوبال هوك في 20 حزيران/يونيو، إحتجاز ناقلة النفط بريطانية في مياه الخليج في تموز/ يوليو بعد ساعات قليلة من توقيف ناقلة نفط إيرانية في جبل طارق. تصاعد نوعي للهجمات الحوثية بالمسيرات، وهو مسار بدأ للمرة الأولى في11 نيسان/ أبريل 2018، وبلغ ذروة التكثيف والإختراق في العمق السعودي مع إستهداف حقل بقيق (شركة أرامكو) في 14 أيلول/سبتمبر 2019.
هذا التدحرج ترافق مع رسائل إيرانية للسعوديين والإماراتيين بوجوب الخروج بأسرع وقت ممكن من رمال اليمن المتحركة. أطلق قادة عسكريون إيرانيون إشارات واضحة، لكن الرسالة الأكثر تعبيرا جاءت على لسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مقابلته الإستثنائية مع محطة تلفزيون “المنار” اللبنانية في الثاني عشر من تموز/يوليو الماضي. قال مخاطبا القادة الإماراتيين بعد تحييدهم، إعلاميا، لمدة طويلة: إذا حصلت حرب في الخليج، دولة الإمارات أين يصبح حكامها وناسها “والمدن التي يقولون عنها زجاجية، وين بدها تصير الموانىء، الاسواق والموقع التجاري والخدماتي والاقتصادي وين بدو يصير، وهي (الإمارات) على طرف الخليج، فهل من مصلحة الإمارات ذلك. اذا الشيخ محمد بن زايد بيحط الحقد على جنب والحسابات الخاطئة على جنب، عليه أن يجيب الشعب الإماراتي وليس انا، هل من مصلحة الامارات أن تحصل حرب مدمرة في الخليج هل سيبقوا بمأمن… قطعا لن يبقوا في مأمن”.
وجّه نصرالله أعنف خطاب للإماراتيين منذ بدء حرب اليمن
هو أعنف خطاب موجه للإماراتيين، برغم مرور سنوات على حرب اليمن. في الوقت نفسه، كانت ترد تقارير ديبلوماسية إلى بيروت مصدرها عواصم غربية تتحدث عن جو من التشنج داخل القيادة الإماراتية. من جهة، يدفع ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد بإتجاه تصعيد الموقف مع إيران وأن تكون له وحده اليد الطولى في تحديد السياسة الخارجية للإمارات، ومن جهة ثانية، يسعى حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى إستعادة مكانة بلاده التاريخية بالوقوف على الحياد، وأن لا تقدم بلاده نفسها رأس حربة في أية مواجهة، خصوصا وأن الجميع يدرك أن الأميركيين ليسوا في وارد خوض أية حروب جديدة في العالم، نيابة عن أية دولة.
كان أول من بادر إلى الحديث عن الخلافات “القوية” بين المحمدين، موقع “إنتليجنس أونلاين”، مشيرا إلى تنافس إمارتي دبي وأبو ظبي “حول الاستحواذ على الموانئ الإستراتيجية حول العالم، الأمر الذي كان من اختصاص موانئ دبي حتى الآن”، وقال الموقع الذي يغلب عليه الطابع الاستخباراتي، إنه لدى أبوظبي طموحات “لتصبح أكبر لاعب في سوق الموانئ الإستراتيجية، متحدية بذلك هيمنة دبي على هذا القطاع”.
وذكر الموقع أن إمارة أبو ظبي (بن زايد) تخوض معركة شرسة لتخطي شركة موانئ دبي العالمية، التي لطالما شكّلت رأس الحربة الإماراتية في هذا القطاع، “وهي المالك الأكبر في إفريقيا وآسيا”، وهذا يعني، وفقا للموقع نفسه، أن موانئ دبي العالمية “لن تكون قادرة بعد الآن على الاعتماد على دعم أبوظبي الديبلوماسي والمالي للظفر بموانئ جديدة حول العالم”.
مهدت هذه التسريبات لفتح قنوات إتصال بين ممثلين لحاكم دبي وقيادة حزب الله في لبنان. تطور التواصل إلى حد قيام وفد إماراتي بزيارة بيروت قبل نهاية تموز/يوليو. ويؤكد مصدر واسع الإطلاع لموقع 180 أن الوفد الإماراتي عقد إجتماعات في العاصمة اللبنانية مع أحد قيادات الصف الأول في حزب الله، وأنه تم تبادل رسائل مع الإيرانيين من دون أن يؤكد أو ينفي ما إذا كانت اللقاءات في العاصمة اللبنانية قد شملت مسؤولين في السفارة الإيرانية في بيروت أو من يمثل الحكومة الإيرانية.
وكان لافتا للإنتباه أن نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم وفي مقابلة أجرتها معه قناة “الميادين” في تموز/ يوليو الماضي، تعمد أن يتحدث، وبلهجة واثقة، عن خلافات بين محمد بن زايد ومحمد بن راشد.
تلقف الإيرانيون الإشارات الإماراتية. طلبوا ترجمتها. صدر الموقف الإماراتي الشهير بلسان الأكاديمي عبد الخالق عبد الله (مستشار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد)، بأن الحرب في اليمن “انتهت إماراتيًا ويبقى أن تتوقف رسميًا”.
في المعلومات، أن الإماراتيين أفرجوا في نهاية تموز/يوليو عن حوالي 900 موقوف إيراني في السجون الإماراتية، وأعطوا إشارة إيجابية بشأن قرب الإفراج عن موقوفين متهمين بالإنتماء إلى حزب الله اللبناني. تعهدوا بتقديم تسهيلات مصرفية وبإستمرار المبادلات التجارية.
وبالتزامن عقد الإجتماع السادس للجنة خفر السواحل الإماراتية الإيرانية في طهران، بحضور قائدي قوات حرس الحدود الايراني والإماراتي، وتعهدا خلاله بالعمل على تأمين منطقة الخليج وبحر عمان، وأكدا على التعاون الحدودي وتسهيل توافد مواطني البلدين والدخول غير الشرعي أو من دون تنسيق(قضية الصيادين)، وتسهيل وتسريع تبادل المعلومات بين البلدين.
كان الخط البياني للمسار الإماراتي ـ الإيراني يتصاعد إيجابا، حتى تاريخ الثاني عشر من آب/أغسطس. في هذا اليوم، وصل محمد بن زايد فجأة ومن دون أي إعلان رسمي مسبق إلى مطار جدة، وذلك في عز إنهماك قيادة المملكة العربية السعودية بموسم الحج. لم تمض ساعة على وصوله حتى إستقبله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي حرص على توديعه حتى سلم الطائرة على أرض مطار جدة، بينما كان في إستقباله الأمير خالد بن سلمان.
ووفق معلومات خاصة بموقع 180 أن اللقاء بين المحمدين بن زايد وبن سلمان “كان عاصفا، وتخلله تهديد سعودي بقطع العلاقات الديبلوماسية، إذا أكمل الإماراتيون سيرهم بخطة الإنسحاب من اليمن وببرنامج تطبيع العلاقات مع طهران”.
اللقاء بين المحمدين بن زايد وبن سلمان كان عاصفا، وتخلله تهديد سعودي بقطع العلاقات الديبلوماسية
من الواضح أن الإماراتيين إلتزموا بالنصيحة السعودية. سارعوا إلى تجميد خطواتهم في اليمن. جمدوا مسار التطبيع مع الإيرانيين ومع حزب الله. عادت الأمور إلى نقطة الصفر. هنا، بادر الحوثيون إلى إطلاق أول تهديد مباشر وصريح للإمارات بالقول لهم “عملية واحدة فقط ستكلفك كثيرًا. نعلن لأول مرة أن لدينا عشرات الأهداف في الإمارات، بما في ذلك (الأهداف) في أبو ظبي ودبي، ويمكن استهدافهم في أي لحظة”.
يصعب القول أن الإماراتيين قرروا الإنفتاح على إيران والإنسحاب من اليمن، من دون موافقة أميركية، وفي هذه الحالة، يصبح السؤال، هل أن المأزق اليمني ـ الخليجي سيؤدي إلى تشققات في قلب البيت الإماراتي، كما بينه وبين البيت السعودي، وهل يمكن تفسير التمايز الإماراتي وقبله العُماني والكويتي، سوى بإندراجه في إطار خطة أميركية لإضعاف دور المملكة العربية السعودية وولي عهدها؟